|
الحلقة الثانية من مسلسل صدام في قفص الأتهام الدكتور لميس كاظم دخلت محاكمة الصنم مسلسلها الطويل، المثير، واصبحت كالمسلسل الأمريكي الرومانسي * قارب الحب* الذي كان الصنم يعشقه عندما كان جلادا، لكن في هذا المسلسل سيختلف في تراجيديته وأدوار ومضمون الفكره. فالمسلسل الجديد يصور البطل قابعا، ذليلا، مكسورا في نبرة صوته، متباطأ في أستمراريته. لكن مخرج المسلسل يحاول أن يخرج من هذا الممثل الفاشل ملاكات ابداعية تجعله مسلسل العصر الجديد ليحصد الاوسمة والاسكار ويستوطن في عقول المهتمين ويذكرهم بفكرة المسلسل الأساسية، التي ستبقى على مدى العقود القادمة، نذيرا في عقول المتلقي من الحكام والمشاهدين العرب بأن نهاية هذا البطل المتمرد كانت طبيعية، مقرفة، وسيكون نفس المصير لكل من يحاول ان يتخطى حدوده ويخرج عن طاعتهم مهما كانت ماكنته العسكرية وحزبه الشمولي الحاكم ومسيراته المليونية التي كانت تكظ شوارع بغداد وبقية المدن رقصا وفرحا وخوفا. اعاد المخرج الى ذاكرة العرب أشارة واضحة بأن هذا الاسد القابع في الزنزانة، كان بالامس القريب، الأبن البار الشرس لاسياده الذين منحوه مرتين الفرصة للظفر في كرسي الحكم لكن اليوم انتهى دورة واسدل الستار على بطولاته رغم أنه منحهم أفضل الفرض الذهبية في المنطقة. لكن ما أن خرج عن طاعة أسياده حتى حولوه الى متهم رث الشكل، منهار المعنويات، مكسور الكبرياء، يلتمس الورقة والقلم من القاضي بعد أن كان يملك المليارات من الدولارات وشيد مملكة من القصور الفارهة ستخلد غطرسته وأستهتاره بثروات الوطن. دخل الصنم الى قاعة المحكمة حر اليدين، متهما بواحدة من عشرات الجرائم المروعة بحق شعبه. جلس في كرسي الحكم، متعبا، أنيقا، صابغا شعره بلون اسود داكن وتاركا لحيته بلونها الطبيعي المتمازجة بين البياض والسواد. أصر المخرج في الحلقة الثانية أن يظهر بطله بأناقة تفوق حدود شكل المتهم العادي. أنه متهمهم الحباب لذلك إرتدى الممثل الفاشل قميص كارتيه ناصع البياض وبدلة زرقاء مقلمة، جميلة، تختلف عن بدلته السوداء السابقة. أراد المخرج أن يضهره أنيقا في كل حلقة من حلقات المسلسل ليضفي عليه مسحة جمالية تضيف الى المسلسل وقع درامي غير ممل، فلا يجوز ان يضهر الصنم شعثا، رث الثياب، وسيحاكم على جرائم يقشعر منه البدن وتزكم منها الانوف ويندى لها الجبين. وهنا تدخل الخبرة الأخراجية في شد المشاهد، فلأجل استكمال المسلسل لابد من المحافظة على أناقة الممثلين والتركيز على البطل دون غيره. جلس الصنم وقحا، متفحصا الجميع بنظرات مكسروة ، ويأبى أن يعتذر عن أي جرم. سلم على الجميع بأدب أجتماعي غير معهود به. كان ينتهز الفرصة، بين الحين والأخر، طالبا حق الكلام ليخرج عن النص. كان حاملا كتاب الله الذي لم يقرء في عهد حكمه أياته ليخشع الى دلالتها وعدالة الحكم الألهية. الح المخرج في الحلقتين ان يدخل الصنم حاملا كتاب الله. ففي الحلقة الأولى لم تركز كثيرا كامرة المخرج على الكتاب المقدس لكن في الحلقة الثانية اصر المخرج على تسليط عدسة الكامره على كتاب الله في عدة لقطات واضحة ومعبرة ليعطي تورية أخراجية ناجحة، وهي ان كل القتلة والتكفيرين والأرهابين والقادة العساف، يختبئون تحت أسم الأسلام وكتابه الله المقدس في لحظات جبنهم وبالوق الذي يتركون كتاب الله في فترة حكمهم لينفذوا أبشع الجرائم بحق شعوبهم. كان أصرار المخرج على حمل كتاب الله تعبيرا صادقا، لفضح زيف هؤلاء الدجالين في العلاقة مع ربهم. فحين كان حكاما، جلادا، لم يضهر أيمانه ولم يحمل قط كتاب الله ولم يطبق أدنى قواعد الدين الاسلامي السمح بحق شعبه، بل عبث في الأرض فسادا وفجر الاضرحة والعتبات المقدسة وزهق أرواح أبناء جلدته الأبرياء وأمتلك الثروة والحوريات والماجدات وشرب أرقى أنواع الخمور المعتقة وذاق أجمل واطعم لحموم الفتيات البابليات والسومريات والفينيقيات والفرعونيات واحيى أجمل ليالي الانس والفجور. حاول الصنم أن يخرج عن أدبه في أكثر من مناسبة ويفسد اللقطات التي طلب منهم المخرج الالتزام بها. فهو معروف بصلافته وقلة أدبه التي تربى في كنف عائلة لم تعرف معنى الخلق وأمُ لم يعرف منها، لحين وفاتها، من هو أبيه الحقيقي. أنتهز الصنم طيبة الحاكم فتحدث بطريقة غير معهودة مما سبب احراج كبير للمخرج. إذ ذكر الصنم للمرة الثانية أنه يحاكم من بناية التصنيع العسكري ليبعث برسالة الى محبيه ورفاقه على تأكيد مكان المسلسل، متأملا، عسى ولعلى ان تقع قذيقة في صالة المحكمة ويقتل ليصبح شهيدا في أرض المحكمة وعنذئذ سيدخل التأريخ بطلا. فكما معروف عنه فهو يخاف أن ينتحر أو يقتل نفسه كما يفعل بقية القادة الجلادين أمثاله. كما سبب الصنم احراج فني أخر حين ألتمس من القاضي ان يحضروا له من السرداب قلمه وأوراقة التي أنتزعها منه المخرج بالوقت الذي سمح له أن يحمل كتاب الله. كان الصنم موفقا في هذين المشهدين. في هذه الحلقة أدخل المخرج مشهدين سريعين غير موفقين. في المشهد الاول وهو حضور فريق من الدفاع وهم: وزير العدل السابق والقاضي الامريكي السيناتور رمزي كلارك والقطري نجيب النعيمي وعصام الغزاوي. هؤلاء المحامون الجدد يبدوا دخلوا المسلسل بسرعة مما لم يتسن لقسم منهم أن يحضر معه وثائقة الكاملة. أذ حضر كلارك على عجل دون أن يرتب أرواق تسجيله القانونية، وأكتفى بهوية نقابة المحامين الأمريكية لكن اصرار المخرج على التركيز على هذا المشهد المثيره هو ليفسد ادعاءات الصنم القومية الكاذبة و يقول له بأن اصحاب القرار ممكن ان يكونوا الحاكم والدفاع في أن واحد. فهّم من ادخله فقص الأتهام وهم من سيدافع عنه، فهذه هذه قواعد الأخراج الهوليودي المعروفة والتي نفذت في أكثر من مسلسل عالمي كبنما وأفغانستان والتأريخ شاهدا على تلك الوقائع. كان دور رمزي كلارك في هذه الحلقة بسيط جدا وهو توضيف أخراجي ناجح. إذ اراد المخرج أن يُعّرف المشاهدين به أولا ومن ثم سيركز على أدواره في الحلقات القادمة. لكن المخرج وقع في مطب فني حين سمح لكلارك أن يحضر بدون ان يوافق عليه المتهم شخييا وبدون توكيل رسمي من القائد العربي، المنصور الذي دافع عن البوابات الغربية والشرقية وحارب الغزاة طوال فترة حكمه وبالتالي سيترافع عنه اليوم من اسجنه في القفص والد اعداءه ؟. كان المشهد الثاني يشكل هفوة أخراجية مثيرة لكنها كانت سمجة، حين سُمح لمحامي الدفاع القطري أن يترافع بدون أن يثبت أوراقه ومستنداته القانونية، إذ تكلم المدافع بدون سابق أنذار، ووجه أتهامه المباشر، المتسرع، الى المحكمة العراقية بأنها غير شرعية. هذه اللقطة كانت غير ناحجة فالكل يعرف أن الصنم قفز الى الحكم مرتين بأنقلاب عسكري غير شرعي بالوقت الذي تشكلت المحكمة الحالية بقرار من الجمعية الوطنية العراقية المنتخبة وتستند الى الدستور الدائم. هذه الهرولة الأحتجاجية كانت معروفة النوايا وسيضهر المدافع القومجي حججه العروبية الواهية في الحلقات القادمة وعلى مايبدوا أنه يحتاج الى شرعية تنسجم مع منطلقاته العروبية الديماغوججية الذي يحاول أن يظلل العقول البسيطة. والأدهى ان توكيله التحريري الرسمي لم يكتمل بعد ولم يوافق الصنم على ذلك فلُم العجلة في الخطاب العروبي العتيق؟ أن اقحام المسلسل بمشاهد مفتعله تضعف من قوة النص وتربك المسلسل نفسه. فهذا المدافع أراد ان يترافع ضد العملية الديمقراطية الجارية في العراق وليس دفاعا عن الصنم، انه صوت العرب الحاقدين على مسقبل العراق الجديد. أراد أن يبخ سمومه ضد المخرج نفسه بلغة العروبة الصنمية التي استباح بها شعب العراق وشعوب بلدان الخليج المجاورة. هذا الممثل المبتدئ سيحاول تسليط الاضواء عليه عنوة في الحلقات القادمة لكن سيحجم دوره تدريجيا. في هذه الحلقة سلطت الاضواء على الجانب الانساني للمتهمين. إذ طلب برزان التكريتي من القاضي ان يسمح له بالعلاج من مرضه الخبيث قبل ان يصدر حكمه والمتهم الاخر ادخل المستشفى وتم علاجه. كانت تلك الاشارات تدلل على أنسانية المخرج وعدالة القضاة في التعامل مع مجرمين لن تجد لهم القوانين الألهية والأنسانية قصاصا يشفي غليل الشعب العراقي. هؤلاء الذين سببوا للشعب العراقي انواع من الامراض السرطانية والخبيثة التي لم يعرفها من قبل. فمن الأجدى ان لا يصرف دينارا واحد لعلاج هؤلاء الأوباش بل أن اطفال ومرضى العراق أحق بكل الأموال التي ستصرف لعلاجهم ومن سيتبرع لعلاجهم ويظهر أنسانيته معهم فليكن من جيبه الخاص وليس من الأموال العامة. فما الحكمة في علاج جراثيم موبؤءة سببت أنواع الامراض المزمنة للشعب العراقي. أن العلاج الوحيد لتلك الأوبئة البشرية الفاسدة، هي إبادتها قبل ان ينتشر فايروسها من جديد. هذه الحلقة كانت افضل أخراجا من سابقتها لكنها أقل وقع درامي. وسنشهد حلقة ثالثة مثيرة قبيل الأنتخابات وبعدها ستكون هناك حلقات اخر لهذا المسلسل الطويل ليوضح المخرج سبل أذلال هؤلاء الطغاة الخائفين من القصاص العادل. ان المخرج سيطيل من حلقات المسلسل لأهانة كبريائهم وسيدخلهم في مراحل الموت البطيء وهذا أصعب أنواع الموت على كل الرجال الشرفاء، النشامى، لكن أمثال هؤلاء لا يصعب عليهم كرامتهم ولو أتيح لهم أن يقفزوا الى كراسي الحكم من جديد فسيمارسون ابشع من ما اقترفوه. الى اللقاء في الحلقة القادمة من مسلسل صدام في قفص الاتهام!
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |