حمى الانتخابات ..!

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktoob.com

تجتاح المنطقة العربية هذه الأيام أحاديث تتمحور حول الإصلاح والديموقراطية، متزامنة مع انتخابات تشريعية، تجري في وقت واحد بأكثر من بلد، تتباين فيها أنظمة الحكم، فمصر، دولة مؤسسات ديموقراطية، ونظام الحكم فيها، كما هو معلوم، نظام ديموقراطي، إلا أن قوانين الطوارئ لا زالت سارية المفعول، تقيد وتحرم نشاط بعض الأحزاب الديموقراطية والدينية، وتتنافس على مقاعد مجلس الشعب الكثير من القوى السياسية، وتجري الانتخابات أيضا في فلسطين، المحتلة من قبل إسرائيل، والمقسمة، بين غزة والضفة الغربية، إلا أنها تحت إدارة حكومة منظمة التحرير، كما يشتد أوار المنافسة على مقاعد المجلس النيابي عندنا، بعد أسبوعين، أو أقل قليلا، والعراق تحكمه حكومة ائتلاف طائفي ـ عنصري، والاحتلال الأمريكي فاقع تواجده، بواجهة القوات متعددة الجنسية . رغم اختلاف الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية والمعاشية السائدة في هذه البلدان، إلا أن شعوبها تشترك، جميعا، في سمة العنف والتزوير، وبيع وشراء أصوات الناخبين، والتعدي على حقوق الغير، عند الممارسة لحقهم الانتخابي، ولإيصال ممثليهم إلى الجمعية الوطنية أو المجالس النيابية، وهذا ما نشاهده على الفضائيات العربية المختلفة . وما يحصل عندنا في العراق، من تعديات على حقوق الناخب والُمنتَخَب، متعدد الأشكال والصور والألوان، و ما نشاهده عندنا أكثر إيلاما وفضاعة مما هو عند الآخرين، فإن كان يكتفى في مصر وفلسطين بتمزيق صورة أو شعار مرشح، وشراء ذمة ناخب والضغط عليه لأن ينتخب الغير رغم إرادته، بتزوير ورشوة وبلطجة، أو بممارسة إرهاب فكري أو مادي كالتهديد بالضرب مثلا، فعندنا يتمثل بكل هذا إضافة للخطف والتفخيخ، وتفجير البهائم لأجسادها وسط الحشود، والتهديد بالقتل، والقتل نفسه تحرمه كل الأديان، وبخاصة الإسلام، إلا أنه أصبح سائدا ومباحا لمن يعتقد أنك تخالفه في الفكر والمعتقد أو حتى بالمذهب أو الطائفة التي ينتمي إليها . والدولة، في أي مكان بالعالم، إن كانت أجهزتها الأمنية، السرية والعلنية، مسؤولة عن حماية المواطن، أيا كان، وضمان ممارسته لحقه وحريته، والحرص على استتباب الأمن والنظام في هذه الدول، فهي عندنا منحازة بالكامل للحكومة وللقائمة التي تمثلها، وهي تمتلك المليشيات الحزبية والطائفية، المخولة رسميا من قبل الحكومة وباستخدام أدواتها، للخطف والاعتقال والتعذيب والقتل، ولكل من يناهض هذه التوجهات له مثل هذا المصير، فالإعتقالات تجري بأمر من هذا السيد أو ذاك الشيخ أو الوزير المسؤول مباشرة، دون أن يعلن عن المعتقلين وهوياتهم، ففي محافظة ديالى لوحدها جرى بالأمس إعتقال 580 شخصا، في يوم واحد، من بينهم العديد من ممثلي القوائم الانتخابية، دون إسناد تهمة معينة ودون أمر القضاء بالاعتقال، من قبل أجهزة الأمن والشرطة وميليشيات بدر، التي تتربع قياداتها على قمة هرم المسؤولية في الحكومة والبرلمان، وقد ازدادت الجرائم من هذا النوع في الأسابيع الأخيرة أضعافا مضاعفة عما جرى قبلها، ففي تلعفر وجدت سجون سرية فيها 119 سجينا بينهم طلاب كليات وعلماء دين ومدرسين، تم اعتقال عدد من المشرفين على هذين السجنين وكلهم من منظمة بدر، وفي الجادرية والنجف والبصرة وغيرها الكثير من هذه السجون ارتكبت بها فضائع وجرائم، ليس أقل مما كان يجري في عهد النظام السابق . يمارس التمييز القومي والديني في الكثير من المحافظات، إضافة لبث روح التفرقة الطائفية، عن طريق إقحام الرموز الدينية والطائفية في الدعاية الانتخابية، وعلى الضد من موافقة هذه المرجعيات . وبشكل علني وملفت للنظر تخرق تعليمات المفوضية العليا للانتخابات . فتعليق ملصق لقائمة انتخابية منافسة لنهج طائفي يكون ثمنه شهيدان في مدينة الثورة، وهذا يعتبر أمرا عاديا، في ظل حكومة تحكمها المليشيات في وسط العاصمة بغداد . وثمن تمثيل القوائم الوطنية، أو الترشيح عنها في الموصل، القتل للشيوعيين وأعضاء من الحركة الديموقراطية الآشورية .، وفي مدينة الحرية يقتل 30 مواطنا و36 آخرين في إسكان غربي بغداد، ثمن خروجهم عن الصف الطائفي وانحيازهم للصف الوطني، و24 شخصا تعتقلهم قوات بدر وبعد ستة أسابيع تكتشف جثثهم عند الحدود الإيرانية، لتبرهن هذه المنظمة لأسيادها أنهم على الطريق الصحيح سائرون ..! كما عثر على العشرات من الجثث ملقاة في الأنهر وفي مشاريع الصرف الصحي وعلى الطرق، وليس هؤلاء الضحايا، إلا من هذا الشعب، المناوئ لكل فرقة طائفية أو تمييز قومي .. أما ثمن ممارسة المهنة بشرف وحيادية تامة وبشفافية و دون اصطفاف مع هذا الحزب أو ذاك، فثمنه في الديوانية، الاعتقال والطرد من الوظيفة، إضافة لوضع أسماء موظفيها القدامى على لائحة الاغتيالات السياسية . حرية الممارسة لمثل هذه الجرائم وفي وضح النهار لم تكن خافية على أحد من الحكومة، فنائب المحافظ رافق مليشيات مسلحة أقدمت على مداهمة الإذاعة المحلية في مدينة الديوانية، واعتقلت كل منتسبيها، واستبدلتهم بإدارة جديدة، من لون سياسي ـ حكومي معين، دون وجه حق، منتهكين حقوق الإنسان والعمل الصحفي، وهذه الإذاعة لم تكن تنطق باسم حزب أو جهة معينة . أما في العمارة فالثمن لمن يرشح نفسه عن القائمة الوطنية العراقية القتل في وضح النهار ووسط المدينة أمطره الطائفيون وابلا من الرصاص، ودفع هذا المواطن حياته ثمنا لجهل وتخلف من يقف وراء تصعيد العنف ضد القوى الوطنية، فأي إرهاب أسود هذا ؟ وأي انتخابات ديموقراطية هذه ؟ وهل صدقا سيمثل، هؤلاء الطائفيون، الشعب ويحققون إرادته الوطنية في يوم من الأيام ؟ فإرادة الوطن والمواطن، تتمثل باحترام كل طوائف ومفردات الشعب العراقي، دون استثناء لطائفة ما، ودون تفضيل فئة على أخرى، كما تتمثل في نزاهة و عدل الحاكم وشفافية أعماله وأحكامه، وهذا لم نجده في الأشخاص المسؤولين عن توفير أجواء الحرية والأمان للمواطن عشية الانتخابات في كل المناطق التي تتمثل فيها سيطرة الحكومة، أما المناطق الخارجة عن سيطرتها، فتتمثل بنشاط \" الزرقاوي \" وفصائل \" المقاومة \" البعثية حيث يأخذ أشكالا مختلفة ومتعددة . في مختلف المناطق العراقية، تمارس جرائم بحق مواطنين لا علاقة لهم لا بقوات الاحتلال ولا بقوات الحكومة وميليشياتها، الهدف منها الإرهاب وإظهار عجز الحكومة وعدم قدرتها على حماية مواطنيها، وهذا ما حصل بالأمس حيث سيطرت قوى الإرهاب، سيطرة كاملة على مدينة الرمادي بقوة قدر تعدادها ب 400 إرهابيا، لتؤكد تواجدها الفعلي، على الرغم من كل الفعاليات التي قامت به القوات الحكومية والقوات المتعددة الجنسية، من مطاردة وقتال وقصف، طيلة الفترة الماضية على طول إمتداد نهر الفرات والمدن الواقعة عليه، إلا أن قوى الحكومة والقوات المتعددة الجنسية، بدت عاجزة عن حماية المدينة، رغم التواجد الدائم لهذه القوات فيها، وهذا ما أرادت أن تثبته قوى الإرهاب في استعراضها العسكري، تمهيدا لخلق المبررات للجرائم القادمة، بحق كل القوى التي لم تذعن لمطالبها مستقبلا، وهي قادرة، وأساليبها هذه ليست أقل فاشية وقذارة من مليشيات الأحزاب الطائفية، وممارساتها للقتل على الهوية وبمجرد الشك، هدفه إثارة الذعر والرعب لدى الناس، وهذا الأسلوب تلتقي عنده كل القوى الظلامية . فالمنطلقات الدينية ـ الطائفية بنوعيها، الشيعي والسني، واحدة، والجذور مشتركة، تلتقي بالفاشية والعنصرية في الممارسة والأسلوب، وتعاملها مع الطرف الآخر يتمثل باقصائه ونفيه، فالمفاهيم الديموقراطية لا وجود لها في القاموس الطائفي، وهذا ما تتحمل مسؤوليته سلطة الائتلاف وتعميقها، للنهج الطائفي ـ اللاوطني، وسياساتها الخاطئة تجاه القوى السياسية الوطنية والديموقراطية، بالتحريض ضدها، وتكفير من يخالف منطلقاتها الطائفية، والعمل على إظهار مظاهر وتقاليد طائفية غريبة عن الشعب العراقي، في كل مؤسسات الدولة، بما فيها الجمعية الوطنية . مارست وتمارست الحكومة وميليشياتها ضغطا على الناخبين، عن طريق التزوير والتهديد والابتزاز والتحريض على القتل، وباستخدام كل الطرق المشينة وغير النظيفة للوصول إلى الحكم، وهذا أسلوب لا يقره الدين ولا مبادئ مظلومية الطائفة، التي تخفي تحتها استغلال المواطن البسيط، كما هو نهج مدان لن ينخدع به الشعب العراقي طويلا، ولن يحقق للحكومة أهدافها اللاحقة، المناقضة لأهداف الشعب العراقي المتطلع نحو الديموقراطية، والتعددية والفدرالية ووحدة قواه الوطنية العراقية، بكل تلاوينها . الظاهر والجلي، أن حمى الانتخابات وحرارتها، لم تنس القوى الطائفية وطنيتها فقط، بل أنستها حتى إنسانيتها ..!


العودة الى الصفحة الرئيسية 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com