هل أطاح تصريح "علاوي" "للأوبزيرفر" بآماله في الإنتخابات؟

علي آل شفاف

talib70@hotmail.com

 صرح رئيس الوزراء السابق الدكتور "أياد علاوي"  لصحيفة "الأوبزيرفر" اللندنية, في عددها الصادر يوم الأحد 27.11.2005  ـ عشية انعقاد الجلسة الثانية لمحاكمة طاغية العراق ـ مقارنا بين الوضع أيام صدام, والوضع حاليا, على خلفية ما حدث في ملجأ "الجادرية", بما يلي:

(انظر http://observer.guardian.co.uk/international/story/0,6903,1651789,00.html )

 ". . . إنهم يفعلون كما في أيام صدام وأسوأ . . .  الناس يتذكرون أيام صدام, لقد كانت بالضبط نفس المبررات التي قاتلنا صداما من أجلها والآن نرى (حصول) نفس الأشياء . . . وحشية عناصر قوى الأمن الجديدة تنافس (تجاري) تلك التي (أظهرها) الأمن السري لصدام . . . وأضاف أن إيمانه بدور القانون قد ضعف بحيث أنه أعطى تعليمات لأفراد حمايته بأن يطلقوا النار على أي سيارة شرطة تحاول الاقتراب من مقره بدون سابق إنذار. . . ".

 لقد أبدى الدكتور "علاوي" حرصا شديدا على كرسي الحكم ـ وهذا من حقه ديمقراطيا ـ إلا أن  شغفه به أفقده التوازن المفترض, ليجعله يدلي بتصريح خطير ـ يهدد بصورة جدية ـ بانكفاء العملية السياسية الجارية, أو انحرافها ـ على أقل تقدير ـ إذا ما أضفنا إلى هذا التصريح, التصرف الغريب باستعراضه الجيش العراقي في مطار المثنى. إذ أنه قانونيا: مواطن عراقي كباقي الموطنين, وليست له أية صفة رسمية أو قانونية تسمح له بدخول أي موقع عسكري, فضلا عن استعراض الجيش أمام أعين وسائل الإعلام!! الأمر الذي يعيد إلى الأذهان أيام الانقلابات العسكرية, التي عانى العراق منها الويلات. إن موضوع الاستعراض هذا, يحتاج ـ لوحده ـ إلى مقال, بل ـ قل ـ مقالات متعددة, تُبيّن وتفضح الاستهانة بشرعية الشعب الممنوحة للحكومة الحالية ـ مهما كان موقفنا منها ـ وكذلك تُعَرّف البعض أن لا سلطة لأحد فوق القانون.

 وبالعودة إلى تصريح الدكتور "علاوي" الذي يهون فيه مما حدث من مآس وكوارث ومجازر ومقابر أيام صدام, فمن الواضح أن تصريحا من هذا النوع يؤيد ـ شئنا أم أبينا ـ دعاوى مجرمي البعث, وقوى الأمن (الصدامية), في أن المقابر الجماعية كذب, وانتهاكات حقوق الإنسان أيام "صدام" هي مبالغات, وأن عمليات التعذيب والحرق وانتهاك الأعراض والاغتصاب, ودفن الأحياء والتذويب بـ "التيزاب", والظلم والاضطهاد والتعسف, وخنق الحريات السياسية والفكرية والإعلامية, ومنع أي حق للاحتجاج والتظاهر والتعبير عن الرأي؛ هي أفك مفترى على "صدام" وأزلامه . . والدليل . . اعترافات الدكتور "علاوي". لذا فمن حق البعثيين (المضطهدين) و (المظلومين) أن ينتقموا من الشعب العراقي الذي اتهمهم وكذب عليهم, ظلما وزورا وبهتانا وإثما, وأن يبيدوه عن بكرة أبيه!!

 بهذا المنطق يمثل تصريح "علاوي" تمهيدا وجسرا يعبر عليه طغاة جدد يحكمون شعبنا البائس بالحديد والنار؛ ولا أدري إن كان خافيا عليه, أم لا؛ أن هؤلاء الطغاة, سوف لن يسمحوا له ـ بكل تأكيد ـ أن يكون أحدهم؟ لأن المعادلة المعروفة التي حكمت العراق سابقا, والتي يمهد ـ هو ـ لإعادتها ـ عمدا أو جهلا ـ لن تستوعب أمثاله أبدا, مهما تهالكوا في إرضائها. وسيكون هو من أوائل ضحاياها. فلينظر لنفسه ـ أولا ـ ومن ثم للشعب العراقي . . في أي مسلك يسير؟ وأي منهج يحاول أن يعيد؟

فالعوامل التي تشجع على الانكفاء (والردة السياسية) لا تزال موجودة, وقوية, ولا ينقصها إلا  "حصان طروادة", تعود من خلاله للعب الدور الذي ما انفكت تلعبه, حتى قيام الساعة!

 وأهم هذه العوامل هي:

أولا: الوسط العربي, الذي يعادي أغلبية الشعب العراقي (الشيعي منه خصوصا), والذي يسعى بكل ما أوتي من قوة, لإعادة زمن الاضطهاد والحرمان والتهميش لأسباب معروفة. وهذه حقيقة لا ينكرها إلا مكابر, أو هارب من تهمة الطائفية, التي ستلاحقه ( وما هو بمزحزحه عنها أن يقتل أمه أو أباه أو بنيه!!), والواقع الدامي أول من يكذبه.

 ثانيا: حاجة أمريكا لنجاح في العراق, بأية طريقة!! حتى لو عاد البعث و"صدام" بوجوه جديدة, وقد عرف البعثيون والعرب هذه الورقة المكشوفة, فلعبوها وأجادوا, ليشعروا أمريكا أن العراق لا يحكمه إلا أقلية ( سياسية و\أو طائفية) تعتمد على دعمها. دون هذا لن يستقر العراق, ولن تحلم أمريكا بالنجاح.

 ثالثا: ميزان مصالح أمريكا لن يكون لصالح العراق على حساب العرب ـ بكل تأكيد ـ إذ لا يمكن لأمريكا أن تفرط بمصالحها مع جميع الدول العربية, من أجل العراق وحده.

 رابعا: الإعلام العربي المعادي للشعب العراقي ـ واقعيا ـ وللعملية السياسية الجارية في العراق ـ ظاهريا. فقد أثبت أنه يستطيع قلب وتشويه الحقائق, واللعب على عقول البسطاء, ومن ثم تحريك الرأي العام ـ حتى في بعض مناطق العراق ـ بالاتجاه الذي يدفع الناس للوقوف ضد مشروع بناء العراق الجديد.

 خامسا: خوف بعض الدول المجاورة من أمريكا, يدفعها إلى خلخلة الوضع الأمني والاقتصادي في العراق؛ عن طريق تسهيل مرور قتلة الشعب العراقي, وتوفير الدعم الكامل لهم؛ للقتل, والتخريب, وضرب البنى التحتية للبلد. مما يعطي انطباعا بأن الحكومات التي أتت بعد "صدام", غير قادرة على حكم العراق, وأن العراق لا يحكم إلا عن طريق حاكم مستبد.

 لقد حاول الدكتور "علاوي" أن يلعب على هذه المتغيرات وغيرها, مما لم نُشِر له ـ كوننا في غير دور الاستقصاء ـ بطريقة يظن أنها ستعيده إلى السلطة, بفعل إرضاء حاجات وأهداف الجهات أعلاه. دون النظر إلى النتائج الكارثية التي يخلفها مسلكه هذا, في إعادة البعثيين, وتلميع صورة "صدام", والتقليل من جسامة وفداحة جرائمه؛ وكذلك محاولة اختراقه للجيش والقوى الأمنية, إلى غير ذلك من تصرفاته الأخيرة.    

إن (التهالك) في عرض الخدمات على جميع الجهات المؤثرة في المشهد العراقي؛ ابتداء بالغرب, فالعرب, وانتهاء بالبعثيين والتكفيريين؛ على حساب دماء ومشاعر وكرامة وقيمة الإنسان العراقي, يعد مؤشرا خطيرا, يستوجب من الشعب العراقي التأمل, وإعادة الحسابات. خشية أن تتكرر مآسي الماضي!! وهو واع بالدرجة الكافية, التي ستكشف لـ "علاوي" أن تصريحات من هذا النوع قد تكون "القشة التي (ستقصم) ظهر البعير", والغلطة التي تطيح بآماله وآمال المؤتلفين معه في الانتخابات القادمة. لأن أبناء الشعب العراقي لن يرضوا بأن يستهين أي شخص بدمائهم, التي لا تزال مستباحة من نفس أزلام "صدام" السابقين, الذين لن تفلح أية تصريحات من هذا النوع في غسل أدرانهم.

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com