ملاحظات حول تقرير بلاتفورم عن نهب الثروات النفطية

حمزة الجواهري

hjawahri@hotmail.com

نشر قبل أقل من أسبوعين تقرير يحذر من مخططات لنهب ثروة العراق النفطية من خلال اتفاقيات المشاركة في الإنتاج التي تتبناها وتروج لها واشنطن ولندن على حد زعم التقرير، وأكد التقرير على أن هذه النوع من الاتفاقيات يجتذب شركات نفط كبرى، لأنها تحقق من خلالها أرباحا قد تصل إلى 194 مليار دولار، وهذا عائد ضخم على استثمارات ربما تعتبر محدودة!

كاتب التقرير كريدج موتيت وهو محلل في جمعية خيرية مقرها لندن تدعى بلاتفورم، وهي مؤسسة تدرس الآثار الاجتماعية والبيئية للنفط، دعمته جمعيات خيرية ومؤسسات من بينها (الحرب على العوز) و(منتدى السياسات العالمي) و(معهد دراسات السياسات). ذكر التقرير أن حملة الولايات المتحدة وبريطانيا تهدف من حيث الأساس إلى تحقيق الأمن في مجال الطاقة. واتهم التقرير سياسيون ومتخصصون يتمتعون بنفوذ قوي في وزارة النفط العراقية بأنهم الذين يضغطون لتسليم جميع الحقول العراقية غير المستغلة لشركات نفط متعددة الجنسيات لكي يتم تطويرها وفقا لاتفاقيات مشاركة في الإنتاج.

قبل كل شيء إن المؤسسة التي نشرت التقرير والمؤسسات التي دعمته، جميعها من مؤسسات الخيرية (جارتيز) التي لا تسعى للربح من وراء عملها، وهذا ما يقلل من مصداقية هذه التقرير، لأن هذا النوع من الشركات تكون بمثابة واجهة لدوائر سياسية لها مصالح محددة من وراء نشر أعمالها، صحيح أن الكثير منها خيرية الطابع فعلا، لكن حين يتعلق الأمر بالنفط العراقي يكون الأمر مختلفا بعض الشيء، لكن لابد لي أن أعترف بأني لا أستطيع أن أحدد الهدف الأساسي من وراء نشر هذا التقرير.

السيد موتيت قد أعطي فرصة لعرض وجهة نظره حيث ظهر إلى جانب خبراء عراقيين كبار في برنامج على فضائية الجزيرة أمس كان قد خصص لهذا التقرير بالذات، لكن السيد موتيت لم يفلح بالدفاع عن مضامين تقريره، وهذا ما يزيد من حدة الشكوك حول أهداف عرض التقرير. هذا بالرغم من أني لا أدعم فكرة منح عقود لتطوير النفط على أساس المشاركة في الإنتاج وأتفق مع ما جاء بالتقرير من توصيات تؤكد على ضرورة الابتعاد عن التعاقد بهذه الصيغة لتطوير حقول جديدة في العراق، وهذا ما سأحاول أن أشرحه من خلال السياق في هذا المقال، لكن مازلت أقول أن الغرض من التقرير ليس بريئا بأي حال من الأحوال.

الأرقام التي ذكرها التقرير حقيقة غير مقبولة وينبغي نشره كاملا لكي نستطيع تقييم مدى واقعية الأرقام التي اعتمد عليها، وبغير هذا يكون العمل برمته فاقد للمصداقية. عموما الرقم الكبير الذي ذكره التقرير وهو 194 مليار دولار كأرباح تجنيها الشركات عن مجموع التعاقدات على أساس المشاركة بالإنتاج، فهو رقم يبدوا كبيرا للوهلة الأولى، وربما يمكن وصفه بالمثير للهلع. لكن يمكن أن يكون قريبا من الواقع فيما لو نظرنا له من خلال هذه الطريقة المفترضة للحساب، فلو كان حجم الاستثمارات30مليار دولار لبلوغ مستوى تصدير يصل إلى ستة ملايين برميل يوميا كما أشار المسئولين العراقيين لذلك، حيث أن الإنتاج الحالي بمستوى مليوني برميل يوميا لا تدخل ضمن هذا الرقم، أي أن حجم التطوير المعني هو أربعة ملايين برميل يوميا وهو ما يتفق تماما مع نتائج الدراسات التي أصدرتها الحكومة لبلوغ مستوى إنتاج ستة ملايين برميل يوميا.

ما يقرب من200مليار دولار كأرباح تحصل عليها الشركات بعد أن توظف مبلغ ثلاثين مليار دولار خلال فترة زمنية قد تزيد على30عاما، فإن هذا يعني أن الشركات تحقق أرباح أعلى بمقدار النصف تقريبا من الأرباح العادية التي يمكن تحقيقها في حال تم توظيف هذا المبلغ في أي مجال استثمار آخر غير النفط العراقي، فلو تم الاستثمار بواقع15%سنويا، وهو الرقم العادي للأرباح، فإن المتحقق من مجموع الأرباح خلال فترة ثلاثين عاما سيكون تقريبا135مليار دولار، محسوبة على أساس الربح السيط وليس الربح المركب حيث أكبر من هذا الرقم بكثير، ولو تم توظيفها بواقع20%سنويا بسبب قلة الأمان بسبب الواقع العراقي، فإن مجموع الأرباح خلال الثلاثين عام يكون180مليار دولار وهذا الرقم يقترب من الرقم الذي ذكره التقرير على أنه194مليار دولار والذي اعتبرناه مثيرا للرعب. لكن التقرير قد تجاوز على الكثير من الحقائق التي كان ينبغي أن يتعرض لها وعرض الموضوع بهذا الشكل الذي يثير رعب القارئ العادي بالفعل.

من خلال ما تقدم، نستطيع القول أن ليس هناك ما هو مخيف لكن التهويل الذي تم عرض الموضوع به هو الذي يشير إلى أن وراء الأكمة شر مستطير. ولكن مع ذلك يجب أن تكون هناك شفافية كافية في هذا الموضوع لتعريف الشعب كيفية التعامل بأمواله فيما لو تم التعاقد مع أي شركة أجنبية للعمل في النفط.

عموما البرلمان العراقي المنتخب هو الجهة التي يمكن أن يكون لها دور كبير بقبول هذه العقود أو رفضها، لأن الضوابط الدستورية الجديدة سوف لن تسمح بالتفريط أو التلاعب بمثل هذه العقود بسهولة، كما وأن التقرير نفسه أشار إلى ضرورة أن يكون دور للمجتمع المدني، دور رقابي بهذه المسألة، وهذا يعتبر من أهم الأدوار التي تقوم بها هذه المنظمات خصوصا في هذه المرحلة.

بشكل عام، الأرباح ليس المعيار الوحيد في قبول الاستثمار، فهناك جوانب كثيرة منها مستوى التكنولوجيا التي يستخدمها الاستثمار، وما إذا كان الاستثمار يهدف إلى تطوير قوى بشرية عراقية أم لا، وما هي الضوابط التي سوف يلتزم بها المستثمر لحماية البيئة العراقية لأن هذه الصناعة تعتبر من أكبر ملوثات البيئة؟ وكذا مدى التزام المستثمر بالتعاون مع المستثمر المحلي الذي يرغب بتقديم خدمات لهذه الصناعة من أجل الارتقاء بالقطاع الوطني الخاص وإدخال قيم عمل جديدة متطورة، إلى أخره من هذه اللوازم الضرورية لتطوير الصناعة النفطية. لذا، يجب الحديث أولا عن قانون للاستثمار قبل الحديث عن عقود من هذا النوع، وكذا قانون لحماية البيئة وقوانين أخرى للسلامة العامة والسلامة الصناعية، لأن هذه القوانين تعتبر في جميع الأحوال مكملة لأي عقد استثماري في أي مكان من العالم ولا يجب أن يكون العراق استثناء.

حقا كان هناك أكثر من مسعى لمسئولين عراقيين بهذا الاتجاه، ومازالت هذه المساعي مستمرة، حيث إن نائب رئيس الوزراء الدكتور أحمد الجلبي لم ينفي بشكل قطعي وجود هذه المفاوضات لكنه أكد على مسألة أن ليس هناك لحد الآن عقدا قد تم توقيعه على أساس المشاركة بالإنتاج، وهذا ربما يعني أننا سوف نجد أنفسنا، يوما ما قريب، أمام جملة من العقود وقد تم التوقيع عليها، وربما حتى التصديق عليها من قبل الجهات المعنية في الدولة، دون أن يعرف أحد أو يشارك بالرأي، آن ذاك لا أحد يستطيع أن يفعل شيئا على الإطلاق. وهذا ما يمكن اعتباره تجاوز على حقوق الشعب والدستور ومستقبل العراق.

الاستثمار مرغوب به ولا مفر منه، ولكن ليس في البنية التحية للحقول المطورة، لا على أساس منح الإمتيازات كما كانت في السابق ولا عقود المشاركة بالإنتاج، لكن يمكن ذلك في الصناعات الأخرى غير الاستخراجية.

 يمكن القول أن البنية التحتية للصناعة النفطية تتضمن الآبار بكل أنواعها، والأنابيب ومحطات الضخ ومحطات عزل الغاز والماء والكبريت عن النفط ومصبات التحميل العميقة والمنشآت التابعة لها. وهذا الجزء من الصناعة النفطية هو ما نعني به الصناعة الاستخراجية، أو ما يسمى بصناعة الأب ستريم، وهي الجزء من الصناعة الذي يتعلق باستخراج النفط من الحقول النفطية والذي يتضمن مجموع الأعمال التي تتعلق بهندسة المكامن وإدارتها وإدارة العملية الإنتاجية، حيث لا يمكن اعتبار هذا الجانب من الصناعة النفطية على أنه كأي جزء من الصناعة النفطية، فالمشاركة بملكية هذه المنشآت وإدارتها وإدارة العملية الإنتاجية يفقد معنى التفرد بملكية النفط من قبل المالك الأصلي وهو الشعب، لذا فإن الاستثمار في هذه البنية أو خصخصتها يتعارض مع مفهوم ملكية الشعب العراقي للنفط، الذي اقره الدستور أخيرا، فهل يعقل أن يبقى مالك المصنع مثلا مالكا له لو أراد أن يشارك الآخرين بملكية المنشآت التابعة للمصنع، أو يفقد حق اتخاذ القرار بكيفية إدارة العمل؟ لكن ما يمكن الاستثمار به أو خصخصته هو جميع الخدمات النفطية التي تتعلق بالعمليات الإنتاجية، وهذه الخدمات تحتاج إلى استثمارات هائلة ربما تفوق بكثير الاستثمارات على البنية التحتية للحقول النفطية أو الغازية، على سبيل المثال وليس الحصر، فقط خدمات حفر وصيانة الآبار قد تحتاج إلى ثلاثة أو أربعة مليارات دولار في الوقت الحالي، هذا فضلا عن الخدمات الأخرى التي تعد بالمئات وتحتاج إلى استثمارات هائلة يمكن أن يساهم بها الرأسمال الوطني والأجنبي بما يضمن المنافسة الحرة وتقديم أفضل الخدمات واستعمال أرقى التكنلوجيا العالمية على أساس عقود الخدمة المعروفة عالميا.

حجم الاستثمارات في هذه القطاعات المصاحبة للعملية الإنتاجية يمكن أن يعتبر أكبر بكثير من الاستثمار في البنى التحتية. خلاصة القول يجب أن نترك أمر ملكية النفط والبنى التحتية للحقول المطورة للشعب العراقي، شرط توفير مناخ استثماري يغري الشركات للعمل في العراق في مجال الخدمات ومجالات التطوير في الصناعة النفطية غير الاستخراجية، أي صناعة الداون ستريم التي تشمل مصافي النفط والصناعات البتروكيمياوية والصناعات التحويلية والخدمات التخصصية أو العامة التي يجب أن ترفد هذه الصناعات والتي يمكن أن تحتاج في الوقت الحالي على أكثر من مائتي مليار دولار، وقد تزيد في المستقبل لتصل إلى آلاف المليارات من الدولارات.

مما تقدم يمكن القول أن الاستثمار في الصناعة الاستخراجية يعتبر فقير جدا، وهناك مجالات أوسع بكثير من هذا المجال الضيق للاستثمار في النفط، على سبيل المثال وليس الحصر، يمكن الاستثمار في بناء خطوط عملاقة للغاز تنقل الغاز إلى المستهلك في البلدان الأخرى مثل أوربا أو آسيا، حيث أن العراق أقرب لهذه الأسواق من سيبيريا بكثير، فلماذا نرى الغاز السيبيري في أوربا ولا نرى الغاز العراقي؟ ونرى الغاز القطري في آسيا ولا نرى الغاز العراقي؟ في حين أن الاحتياطي الغازي للعراق قد يفوق الاحتياطي السيبيري أو القطري بكثير؟ إن هذه القطاعات من الصناعة النفطية تحتاج إلى استثمارات تزيد بعشرات المرات تلك التي تستثمر في الصناعة الاستخراجية، قد يشارك بها العالم أجمع، وتحقق أرباح قد تصل إلى25%سنويا ودرجة الأمان الاستثماري أعلى بكثير من الاستثمار بصناعة الاستخراج.

هنا يأتي السؤال المهم، لماذا تسعى هذه الحكومات، أمريكا وبريطانيا، إلى الاستثمار في الصناعة الاستخراجية دون سواها في حين هي متاحة لهم في المجالات الأخرى ذات الجدوى الاقتصادية الأعلى كون العراق لا قبل له بتمويل كل هذه الصناعات وليس بإمكانه تجهيزها ولا إدارتها؟! 

العودة الى الصفحة الرئيسية 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com