اكلت يوم اكل الثور ألأبيض
علي ماضي
alimadhy67@yahoo.com
يُحكى إنّ ثلاثة ثيران ،اسود ،وأحمر وأبيض ،كانت ترعى سويةً،وكان اسدٌ يتحين الفرص ليمارس حقه البايلوجي في الحياة .ولكن عقبة إنّ الثلاثة كانوا دائما معاً تعرقل على الدوام من ان تكمل الحياة دورتها.ليعلن ألأسد تخليه عن منطق الغاب ،ويلجئ الى الحيلة والخديعة . فيوهم الثورين ألأسود وألأحمر من ان الثور ألأبيض بلونه الفاتح مصدر خطرٍ دائم ،وإنّهما سيعيشان الى ما شاء الله لو انهما تخليا عنه .وهكذا يصبح الثور ألأبيض لقمة سائغة للأسد ،وبعد فترة ليست بالوجيزة اعاد ألأسد الكرّة مع الثور ألأسود ،لياكل الثور ألأحمر ،وفي المرة الثالثة كانت الطريق سالكة جدا لياكل الثور ألأسود ،وكانت امنية الثور ألأسود ألأخيرة ان يعتلي اعلى قمة تل ويصيح بأعلى صوته أكلتُ يوم أكِلَ الثور ألأبيض.
ونستطيع القول إنّ شرفَ العراقيين جميعا أُنتُهِك مع شرف اول إمرأة عراقية انتُهكِ شرفها في زمن النظام المقبور ولم يحرك أحد ساكناً،وحقوق ألأنسان في العراق انتهكت مع اول انسان عراقي أُنتُهكت حقوقه ولم يُحرك احد ساكناً . مقلدين ذلك المجتهد الذي كان يرفض أن يعلن الجهاد على الرغم من انتشار الظلم والفساد ، الى ان صفعه احد المارقين على قفاه ،حينها صرخ باعلى صوته الله اكبر الآن حل الجهاد.
لست ادري لماذا فهمنا التغير الحاصل في العراق وكأنه تبادل للأدوار ليصبح الجلاد هو الضحية والضحية هي الجلاد . فما ان تحصل على مبرر تجمل به ما تريد ان تفعل حتى تباح المحذورات ويصبح فعلك جهادا في سبيل الله. وما كان قبيحا بالغد يصبح مقبولا اليوم بل مستحبا . من كان يمارس اعمال التعذيب في ألأمس كان جلادا ومن يمارسها اليوم اصبح بطلا مذهبيا ًيُشار له بالبنان.فمن المؤلم ان اسمع صرخات الشارع الشيعي وهي تنادي اقتلوهم بلا محاكمة ،اية حقوق انسان ؟!تلك التي تتكلمون عنها ،انهم ارهابيون . وهي ذات الصرخات التي كان يعج بها الشارع السني خلال حكم الطاغية صدام ،اقتلوهم انهم عملاء ....نعم فالعين بالعين والجروح قصاص .مفاهيم البداوة القاسية دنست روح الرحمة في هذا التشريع ،فاصبح مبررا للقتل والتطاول على حقوق ألأنسان.
وكأن الصراع ليس من اجل حرية ألأنسان وكرامته وحقوقه بل من اجل المبررات ،فما ان تحصل على مبرر حتى تكون مؤهلا لأن تضع ألأنسان وحقوقه وكرامته في سلة المهملات. كما يروي تاريخنا الأسلامي من ان احد السلاطين صنع منبرا من جثث الكفرة وامر المؤذن ان يؤذن من فوقها فرحين مستبشرين بما اتهم الله . ولا كأنّ هذا الفعل قبيحا بذاته ولو زينته بمبرات اديان الدنيا كلها.
انا ضد الا رهاب ، وضد الظلامية،وضداصحاب الحقائق المطلقة ،التي لايأتيها الباطل من بين يديها أو خلفها ،وضد اقصاء ألآخر ،ولكن ذلك لايعني ان اقبل بوجود سجون سرّية غير خاضعة لوزارة العدل ،اعتقل ألأرهابي ،وليكن ذلك بشكل علني ،اجلد ألأرهابي بقوة الدليل لابسادية التعذيب .
علينا ان ندرك جميعاً ان التغير في المعادلة العراقية لا يكمن بقلب طرفيها ،وإنّما يكمن في التصحيح النتيجة ،ليأخذ ألأنسان مكانته كقيمة عليا ،بغض النظر عن انتمائه الطائفي او العرقي.
إنّ الممارسات القمعية وانتهاك حقوق ألأنسان وأنشاء السجون السرية ‘إن مرّت بسلامٍ على مرتكبيها ستكون بمثابة الثور ألأبيض ،وإذا كان ألأرهاب مُبرِراً هذه المرة فسيكون سبُّ السلطة والتطاول على رموزها مبررَ المرّة المقبلة ،ودور الثور ألأسود سيكون قادمٌ لا محالةَ.