التشويه الاعلامي: الشيعة طابور خامس رغم أنفه!

نزار جاف

nezarjaff@gmail.com

لم يشهد الإعلام العربي إخفاقا وتدليسا وتزويرا وتحريفا كالذي مارسه ويمارسه في اسلوب تناوله وطرحه لقضية الاقليات العرقية والدينية والطائفية. وإذا كان الإعلام العربي"الرسمي" قد فعل ويفعل ذلك بدافع من تبعيته وإنقياديته المباشرتين للنظم الحكمة، فإن ظاهرة الإعلام العربي"الحر"أيضا قد سار على نفس النهج ولم يستطع تجاوزه وإحداث نوع من التغيير الملموس فيه. ومشكلة الإعلام العربي الاساسية، إنه يتصور طروحاته حول مختلف المواضيع هي المعيار الاهم للحكم على جوهر تلك القضايا، كما إنه يسلك نهج يجمع بين التصفيق لسيف الجلاد والبكاء على الرأس المقطوع للضحية! فهو في الوقت الذي يبدي قدرا واسعا وغير محدودا من التشبث بأردية"الوطنية" والقيم"المثالية"التي يضفيها على أنظمة الحكم، فإنه لا يألو جهدا لبيان أن الاقليات العرقية والدينية والطائفية هي بمثابة سيف ديموقليس المشهور"عند الطلب" على الاقطار العربية. ومن هنا، فقد كانتا الطائفتان المارونية والقبطية في لبنان ومصر، والجنوب السوداني عبارة عن جيوب صليبية في الجسد العربي، كما أن الكورد والامازيغ والشعب الصحراوي هم جبهات حرب وعمالة للصهيونية، في حين أن الطائفة الشيعية التي تشكل الكثافة السكانية الكبر في العراق، كانت ومنذ عهود غابرة تضرب في أعماق التأريخ العربي ـ الاسلامي بمثابة طابور خامس يحترف الخيانة وضرب العرب بسيف الغدر من الخلف! ولم يشهد التأريخ العربي طائفة مظلومة ومهضومة الحقوق ومشوهة لصورتها الحقيقية كما هو الحال مع الطائفة الشيعية في العراق تحديدا. وبرغم مرور عهود طويلة على إنتهاء فترة الخلافة الاموية، فإن روح تلك النظرة المشبعة بالحقد والكراهية للطائفة الشيعية مازالت تشرئب بها مختلف القنوات الاعلامية العربية كما أن سياق تحريف وتشويه الحقائق بالنسبة للأساس التأريخي لنشوء هذه الطائفة الاسلامية الاصيلة"والتي تمتلك حججا وبراهين شرعية ـ تأريخية قاطعة تستند على ركائز قوية لم توهنها قساوة العهود الطويلة" مازال يداف في عشرات المقالات والبحوث التي لا هم لها سوى التعرض والنيل من هذه الطائفة. وقد سعى الإعلام العربي وبكل قوته للربط بين التشيع والعرق الفارسي وجعل الاخير العلة الاساسية في نشوء وترعرع الاول! وإن هذا الجهل الفاضح للإعلام العربي بالتأريخ العربي ـ الاسلامي ذاته، يقود الى التشكيك بمصداقية العديد من طروحاته وأفكاره التي يطبل لها ليل نهار. ذلك أن التشيع حين ظهر أول أمره بعد وفاة الرسول الكرم وإنتشر بشكل واسع في العراق، كانت بلاد فارس وحتى عهود إستمرت طيلة فترة الحكم الاموي وجانبا من الحكم العباسي تعتنق المذهب السني وكان هذا الامر مستمرا حتى ذلك الإنقلاب المذهبي الذي أحدثه الشاهات الصفويون في بلاد فارس وغيروه الى مذهب التشيع. ووفق هذه الحقيقة التأريخية الدامغة، تسقط تلك التهمة الواهية والمزيفة التي طالما طبل لها الإعلام العربي ورددها بجهل مطبق العديد من الكتاب هنا وهنك ولاسيما أولئك النفر الذين إحترفوا معادات الشيعة والتشيع ومحاولة ربطه بأعماق التأريخ الفارسي. وهنا لابد من الاشارة أيضا الى أن الاساس الفكري والعقائدي للتشيع قد كان مستقرا"ولايزال" بالحوزة العلمية في النجف الاشرف، وإن الحوزة العلمية لمدينة"قم"الايرانية وبرغم تراثها الفكري العقائدي الثر، قد كانت دوما تأتي في المرتبة الثانية بعد حوزة النجف بل وقد لا نغالي إن قلنا إنها كانت تابعة لها في الاساس. أما وصم الطائفة الشيعية بالخيانة وجعل حادثة الوزير"أبن العلقمي"كقميص عثمان الذي يرفع كلما دعت الحاجة الى ذلك، هو الاخر نوع من الجمع الغبي وغير العلمي بين تصرف فردي"هذا إذا سلمنا جدلا بصحة الحادثة" وبين مشيئة جماعية لا علاقة لها بالامر! هنا في أوربا، حين يبحثون في التأريخ العربي ـ الاسلامي، فإنهم يقفون عند المفترقات المهمة في الحقب التأريخية والتي تشهد حدوث تحولات نوعية في المسار التأريخي ويسعون لدراسة الامر بمنظور نقدي يخضع للعوامل العقلية ـ المنطقية والمرتكزات العلمية بعيدا عن كل أنواع التعصب"ومكثرها في بلادنا"، وقد تسنى لي اللقاء بالعديد من طلبة الدراسات العليا الالمان والتعرف على وجهات نظرهم الرصينة بخصوص العديد من الامور التأريخية المثيرة للجدل والخلاف ومن بينها مسألة التشيع والاسس التأريخية التي ترتكز عليها، ووجدتهم يطرحون المسائل من زوايا هي كثر علمية وموضوعية من تلك التي تطرح من خلالها الامور في بلداننا. ولم يحدث إن وجدت باحثا عربيا سنيا"غير قلة قليلة يأتي على في طليعتهم الشيخ محمود شلتوت"قد تصدى لتأريخ الشيعة ومرتكزاتهم العقائدية بروح علمية بعيدا عن كل أنواع التعصب التي تلجم البصيرة وتحرف الاحكام النهائية وتبعدها عن جادة الصواب والحق. وإذا كانت الطائفة الشيعية قد فرحت لقيام الثورة الاسلامية في إيران عام1979، فإن هذا الامر قد ساد في معظم البلاد العربية والاسلامية وإستبشر الجميع خيرا بالامر، لكن الذي حدث هو تأويل الفرحة الشيعية وإدخالها في أنفاق مشبوهة تقود جميعها الى عزل الشيعة ورميهم بالخيانة والتبعية للفرس العنصريين"كما كان الاعلام البعثي العراقي يردد". هذا الامر قد أدى الى إقحام قسري للشيعة العراقيين في السلة السياسية الايرانية برغم تحفظ تيار عريض من الشارع الشيعي العراقي"على صعيد المرجعية والصعيد العام" على التجربة السياسية ـ العقائدية الايرانية، فإن الإعلام العربي قد غض طرفه عن هذه الحقيقة وظل متشبثا بتلك الاخرى. لكن الذي يلفت النظر هو لماذا لا يقوم الإعلام العربي بدراسة الاسباب الكامنة خلف تهافت قسم من الشارع الشيعي العراقي على التجربة الايرانية؟ وماهي الجذور التأريخية الحقيقية للقضية كيف آلت الامور الى هكذا إنعطاف؟ إن حصر قطة أليفة في زاوية غرفة مسدودة الابواب والشبابيك والهجوم بضراوة عليها من الطبيعي جدا أن يقود الى رد فعل سلبي من قبل القطة بالمبادرة بالهجوم للدفاع عن نفسها أولا ووجودها ثانيا، هذا الامر، هو بالظبط ما حدث مع الشيعة حين تم حصرهم في زاوية ضيقة مع إستمرار كيل التهم الجزاف بحقهم ورميهم بشتى التهم الباطلة التي لا أساس واقعي لها يضاف الى ذلك تلك الحرب الشعواء التي أعلنها الحكم البعثي العراقي على الشيعة وإستهدفت وجودهم في خطها العام. وحين تقوم بقطع كل خطوط الاتصال والحوار والتفاهم مع طرف وتصر على كون طروحاتك هي الصحيحة وأن الطرف الاخر على باطل في كل طروحاته، فمن الطبيعي أن يلجأ هذا الطرف الى كل السبل المتاحة للدفاع عن نفسه ووجوده لا البقاء تحت رحمة طروحات ظالمة غير منصفة من كل الوجوه. ومن الاخطاء الشنيعة التي وقع فيها الإعلام العربي، هو خلطه بين التشيع كحركة عقائدية أصيلة لها أصولها ومبادئها المستمدة أساسا من الكتاب والسنة، وبين ظاهرة الفكر السياسي الشيعي الذي هو شئ آخر قد يتقاطع في أحيان كثيرة مع الأساس الاصيل للتشيع، وفي السياق ذاته، قام الإعلام العربي بإعتبار كل شيعي عراقي محسوب على التيار السياسي الشيعي لا العراقي فحسب وإنما حتى على الايراني! وهما أمران متباينان من العديد من الجوانب، فهنك تيار محافظ ليس من الهين تجاوزه بين الشيعة العراقيين يرفض الخلط بين العقائد الشيعية"المقدسة"وبين الطروحات السياسية للأحزاب الشيعية المتواجدة على الساحة. الإعلام العربي وبدلا من دراسة الواقع السياسي للمنطقة والظروف المتغيرة وتلك المعادلات الدولية المعقدة التي قد لاتحمل في طياتها الخير الكثير لطهران، يقوم بالنظر للأمور وكأن الحكم الايراني باق الى الابد وأن مسألة إنضمام الشيعة العراقيين لإيران هي قضية وقت لا كثر! إن نظم الحكم قد تتغير وحتى تسقط"لأسباب ودوافع متباينة"، لكن الشعوب بأطيافها المختلفة سوف تبقى وهي التي ترسم شكل ومحتوى سنن ونواميس الفعل الذي يصنع التأريخ، ذلك أنها تشكل الأصالة الحقيقية لحركة الواقع لا أنظمة الحكم التي هي في واقع أمرها"وفي أغلب الاحيان" أمر طارئ لن يستمر طويلا.

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com