محاكمة صدام والأنتخابات ودورات الأستبداد المحتملة

المهندس صارم الفيلي

ماجستير هندسة توليد طاقة
 sarimrs@hotmail.com

sarimrs@tele2.com

 الشائع أن الأستبداد عملية تتم من جانب واحد، الفاعل وهذا بعيد عن الواقع الذي يفرض علينا ان ننظر الى الجانب الآخرمن الصورة، أو الطرف الآخر من معادلة جدلية الأستبداد وهو المفعول به، أو المستبد به الذي تقع عليه أيضا مسؤولية وان لم تكن ذات بعدا جنائيا، لكن من حيث تهيئة الظروف لبروز حالة الأستبداد وتفاقمها مع ان الطرف الثاني من المعادلة هو الذي سيدفع فاتورة الأستبداد.

 أكتب هذه السطور ونحن نشاهد سلسلة محاكمات صدام حول قضية واحدة، ربما تكون أصغر القضايا من جهة الأرواح البريئة التي ذهبت بسبب طاغية العصر المجرم صدام.

 الذي ألحق محاكم العراق بثرامات الأستخبارات العسكرية، وبأديم المقابر الجماعية التي كانت تصدر الأحكام عندها، بعد سنين من قتل الضحايا الأبرياء.

 هناك مناسبة أهم دعتني الى فتح موضوع المقالة ولو بشكل مختصر، وهي الأنتخابات العراقية القادمة، والظروف والأحداث اليومية التي تسبقها من عنف في الموقف، ليمتد الى عنف في الفعل، وربما أرهاب أنتخابي، بسبب الخروقات الكبيرة التي تحدث هذه الأيام أبتداءا بتمزيق الملصقات الدعائية للأطراف المتنافسة أو المتصارعة وقتل بعض الأعضاء في حملاتهم الدعائية، بغض النظر من موقفنا ضد أومع، هذه القائمة أوذلك الأئتلاف، مرورا بالأتهامات التي تبتعد بدرجة أو أخرى عن دائرة الموضوعية،وانتهاءا بالمحاولات التي تريد ان تضع ملايين الناخبين في قوالب مذهبية أو قومية معينة، وتحفظها في صناديق مختوما عليها بعناوين "لمحرمات" مختلفة، كتشتيت الأصوات، وشق الصفوف وغيرها تمهيدا لتأسيس بدايات لدكتاتوريات جديدة قائمة على تلك المسميات، لكن بمضامين متفقة مع سلب المواطن حقة في التفكير واتخاذ القرار الأنسب لحاضره ومستقبله.

 تلك الملكة التي لم تسلب منا من قبل خالقنا عز وجل الذي أمرنا أن لا نقلد في أصول الدين.

 بل نصل الى درجة أيماننا بها عن طريق التحكيم العقلي والعقلائي الحر.

 دعونا أن نستقرئ الأستبداد لغويا وهل يتفق مع المضامين أو قل الأنطباعات المتكونة عند سماعه في وقتنا هذا، حيث تستعمل حاليا للتعبير على الظلم والقهر والتعالي المتغطرس.

 في حين يشير أصلا الى التفرد في الرأي أو العمل دون أستشارة من تجب قانونا أو عرفا أستشارتهم.

 ففي اللغة أستبد بالرأي أي أنفرد به " أنظر لسان العرب " وهذا المعنى اللغوي يتحرك ليمتد الى حكم الفرد، والرأي المتفرد، وان كان صاحبه مستمعا جيدا لبقية الآراء، العبرة تكمن بالأخذ بها أن وجد فيها صوابا هو أو الآخرين، لا أن يبعد أصحاب الآراء الحرة، ويقرب الضعفاء من الذين لايجيدون الا الأطراء والتملق والتزلف.

 تلك الصفات التي تهيأ لأجواء الحكم الشمولي.

 وبتعبير آخر, لا أحد يولد فرعونا وان كان أبن فرعون، بل للفرعنة آلية تكوين من شروطها وجود من يسمح بها يزكيها وينميها.

 دون ان يتوفر بالمقابل الشرط المضاد وهو وجود المنتقد, المشاكس.

 تتكون الشخصية المستبدة في الظروف التي أشرنا لها، حتى لو تخفت وراء ظلال من دماثة في الخلق أو ميوعة الغموض وادعاء قبول الآخر وزعم الحرية بدون شروط.

 من مظاهر المراحل الأولى لتكوين الشخصية المستبدة، هو مايظهر منه على سطح وعيه في أرساء قواعد الضعف والأعتمادية وتسطيح وعي الدوائر المتسعة حوله بأستمرار، ليكون هو مركزها جميعا.

 عندها يبرز عنده الرأي البدء غير القابل للجدل والتحريك والمواجهة على الصعيد العملي لا الكلامي المستهلك بألفاظ قبول الآخر والحوار والشفافية وما أليها.

 المستبد به كما قلنا يخلق بأستمرار أجواء ملائمة أكثر لمشروع تكوين المستبد" بكسر الباء" بتضخيم حجمه، وتعظيم شأنه وأضفاء صفات تقترب من القداسة اليه, ان لم تلامس القداسة لهذه الشخصية.

 لدوافع متعددة تكون المصلحة في بدايتها والخوف من زوال النعمة أحدى مراحلها لتصل الى الخوف من بطشه الشخصي.

 هنا قد يكون المستبد شخصا أو مؤسسة، لافرق، مادام الضعف البشري أمامه موجود ليتحول الى أسوء مراحله وهو الأستضعاف.

 ان التسليم التسليم بالطبخات الجاهزة من قبل الغير مهما يكون هذا الغير، طبعا خارج دائرة العصمة التي محصورة بأهلها(ع)، على مختلف الخلفيات، كالطاعة العمياء، والتسليم غير المشروط المستند الى غريزة حب الراحة بعيدا عن أجهاد العقل والنفس في التفكر والتأمل بغية الوصول الى مايقترب من الحقيقة بنسبيتها الزمانية والمكانية، كل ذلك تعتبر من ممهدات جدلية الأستكبار والأستضعاف.

 تقول الآية الكريمة في فرعون " فأستخف قومه فأطاعوه " وممكن أن نعكس المعنى أيضا بأن القوم حين أطاعوا الفرعون، أستخفهم, ثم تمادى في أستخفافهم، وهم أستغرقوا في طاعته، لتتشكل دائرة مغلقة من الأستبداد وما يقابلها من طاعة عمياء.

 ثم هناك حقيقة أخرى يجب أن نحذر منها لنكون كلنا على بصيرة من أمرنا، لنتحكم بحاضرنا ونوجه مستقبلنا على قاعدة العلم والحرية المسؤولة والمشروعة في أطار ثقافتنا الأصيلة لا بعض التراث المشوه أو الثقافة الوافدة المشوهة.

وهي ان نكون في أقصى درجات الحذر وأعلى مستويات تحمل المسؤولية، تفاديا من الوقوع في السنة الأجتماعية التاريخية، وأقصد بها دورات التبادل عندما يصبح المستضعف مشروع مستبد، وهذا يكون فقط أذا أحترمنا عقولنا، وجاهدنا في الحفاظ على حقوقنا الأنسانية في العيش أحرار " لاتكن عبدا لغيرك.." صدق أمير المؤمنين (ع).

 لم يحدد الأمام علي(ع) هذا الغير ولم يحدد معنى العبودية ليترك كل ذلك منفتحا على خط الزمن الطويل.

 ليلقي علية السلام بأنواره الكاشفة لتضئ قلوبنا وتنور عقولنا ونحن أمام أنتخابات الأربعة أعوام.

 هل نكون بعد أيام معدودة أحرارا نمارس جذر أنسانيتنا ومعنى عبوديتنا للواحد الأحد، أم نخلد الى الراحة الأبدية لنترك عقولنا في أسر آخرين يخططون لنا أويأمروننا. بل ربما يرهبوننا في اللحظات الأخيرة، لنظلم أنفسنا من جديد بتقييد أرادتنا بعد أن من اللة علينا بالحرية من صدام وبعثه المجرم ؟

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com