الأرهاب الأنتخابي والترويع السياسي

الدكتور لميس كاظم

lamiskadhum@hotmail.com

 دخل المرشحون العراقيون حملاتهم الانتخابية بطرق مختلفة. فمنهم من كثف حملاته الاعلامية وراح يستغل كل ما يمتلك من أمكانات أعلامية وفكرية ليسخرها خدمتا للتعريف ببرنامج قائمته، مركزا على اهم أهدافها وسبل تنفيذها. ومنهم من راح يفكر في كيفية تقوية وسائل ترويجها وتسيلط الاضواء عليها. ومنهم من اتخذ خطوات عملية لتعريف الناخب بقائمته. كما خصص الأعلام العراقي برامج عن الانتخابات وفسحت بعض الفضائيات العراقية فترة زمنية محدودة لكل قائمة للتعريف بنفسها بالوقت الذي افردت قنوات عراقية فترات زمنية طويلة لمحبيها من القوائم والمرشحين المتماثلين مع توجهاتها وهذا يدخل ضمن الود والتعاطف الفكري. كما كان للصحف العراقية اليومية والصفحات الألكترونية شأنا مميزا في نشر برامج القوائم الأنتخابية والمقالات التي تنمي الوعي الانتخابي وتدعم هذه القائمة أو تلك. وقد نشهد في الايام القربية مناظرات أنتخابية ساخنة. كل هذه الفعاليات تدخل ضمن التنافس الانتخابي العلني والشرعي. وكل الاطياف لها الحق في ذلك، وأن اختلفت السبل، فهذا هو التنافس الانتخابي الديمقراطي.

 هذا التنافس يدخل ضمن تسويق كل كتله أو مرشح برنامجه الانتخابي بلغة ديمقراطية سليمة. إذ يحاول كل طرف أن يبرز أهمية أهدافه ويقرء ويحل مشاكل المجتمع العراقي ضمن برنامجه الانتخابي، وهذا هو من صلب العملية الانتخابية الديمقراطية التي لا يختلف عليها أحد، بل بالعكس فهو شيء مفرح، أن نرى العراقيون يتناظرون، يختلفون ويتناقشون بلغة سلمية، حضارية، شفافة ويحاول كل طرف ان يسحب البريق الانتخابي لجانبه وأن نجح فهذا عين الصواب شرط أن تكون الوسائل شرعية وبطرق ديمقراطية ومنسجمة مع القانون الأنتخابي.

 لكن من غير المألوف أن تتخلل الممارسات الديمقراطية عمليات ترهيب أنتخابي، بلغة الملثمين الحاقدين على العملية السياسية برمتها. فقد جرى أعتداء سافر على مقر الحزب الشيوعي العراقي أدى الى استشهاد عضوين من اعضاء الحزب في مقره في مدينة الثورة في بغداد، نتيجة قيامهم بمظاهرة تدعم القائمة الوطنية العراقية 731. كذلك تم الاعتداء على عضوين في حركة الوفاق ادى الى استشهادهما وتم أغتيال مرشحون من بقية الاحزاب العراقية. هذه الاعمال لا تنسجم مع الجو الأنتخابي الذي يطمح له العراقيين. فالقوائم تمتلك الحق الشرعي في التعبير الصريح عن برامجها ونقد البرامج الأخرى بلغة المنطق والمحاججة وهنا تكمن قوة جذب المرشح وسلامة منطقه وثقافته السياسية والمدنية وبنفس الوقت تنسجم مع ادارة العملية الأنتخابية بشكل سلمي.

لكن من غير المقبول، اللجوء الى نحر وقتل أنصار هذه القائمة أو تلك لمجرد انهم مختلفين في البرامج والفكر مع القوائم الاخر. هذا ينطبق عليه المثل القائل * كأنك يا بو زيد ما غزيت* فأن كانت الانتخابات ستفضي بنا الى الاغتيالات والفرقة والترويع وتهديد السلم الاهلي، فمن الافضل أن لا تتم، فلا خير في انتخابات ستزرع وستوّطن الاحقاد والضغائن. نحن نبغي من الانتخابات ان نخرج موحدين في الهدف المشترك لبناء الوطن والمواطن، ومختلفين في الفكر لأغناء التجربة السياسية الجديدة، ومتنوعين في ممارسة حرياتنا الأجتماعية والمدنية لملأ لوحة المجتمع العراقي بكل انواع الطيف الأجتماعي. لكن الذي يجري هو نوع من الارهاب الأنتخابي الذي تمارسه بعض القوى التي لم تتخلص من اساليب البلطجة السياسية التي اعتادت عليها، في محاولة لبث روح الهلع بين صفوف مرشحي وناخبي هذه القائمة أو تلك. مستفيدون من دور الملثم التكفيري، ليلبس هذا التنظيم أو ذاك الحزب، قناعه السياسي ويغتال ويقتل ويهدد عراقيون وطنيون لمجرد أختلافه معهم في الفكر أو أنه سيسحب منهم الموقع الحكومي المغري. والأهم ان هذه الممارسات يتنقدها الجميع وينسبها البعض الى الملثمين التكفيرين.

 أن هؤلاء لازالوا يمارسون الأزدواجية السياسية في حياتهم اليومية، فهم يقمعون كل من يقف في طريقهم بلغة الماضي، الصنمي، ويخطبون ويهتفون بين الجماهير بلغة الدستور والديمقرطية الحالية، وهذه الازدواجية سترافقهم لفترة زمنية طويلة، طالما هناك عدم استقرارا سياسي وخلط متعمد للوضع الأمني وضعف واضح لمعالم الدولة وغياب القانون. فهناك لازلت عقول لا تقتنع ان تنزل من كراسي الحكم بلغة ديمقراطية نزيهة.

 وما نشهده ضمن الأرهاب الأنتخابي، هو ملاحقة قادة القوائم لقتلهم وبعث روح الهلع عند مرشحهم وناخبهم. كان أبرز تلك الحالات، هي محاولة أغتيال د. أياد علاوي رئيس الوزراء العراقي السابق ورئيس القائمة العراقية الوطنية، يوم السبت الماضي. تلك المحاولة التي خطط لها اكثر من 60 سيافا وذباحا ومسلحا، اثناء ادائه مراسم الزيارة لمرقد الامام علي بن ابي طالب "ع ". ترى من كان يعرف بزيارته؟ وكيف سمح لهذا العدد من السيافين والقتلة أن يدخلوا الصحن الحيدري؟ وكما نقل عن د. أياد علاوي أنها نفس الطريقة التي تم فيها اغتيال السيد الخوئي في محاولة واضحة منه لوضع اصابع اليد على المعنيين بشكل غير مباشر.

 أن هذا الأرهاب الأنتخابي الذي تمارسه أحزاب وفئات عراقية، وليست قوى أجنبية تكفيرية، كما يحاول البعض أن يصورها. أن هذه القوى العراقية لازالت عقولها تحمل لوثة الانتقام من اصدقاء الأمس وتحاول ان تصفي مشاكلها معهم بلغة الموت المنتقم وليس بالحوار الديمقراطي. هذه الفلسفة التي بنيت عليها منطلقاتهم الضيقة والمريضة والمحملة بفايروسات وثنية غير عراقية، يراد بها تضيق والغاء فرص بعض القوى الوطنية وفرض نفسها بالقوة والترويع الأجتماعي المبطن والتمسك بالمنصب والموقع مهما كان الثمن. فمن يضحي بأبناء شعبه ويقتلهم خدمتا لمصالحة الضيقة لا ينم عنه دوافع وطنية حقيقة وانما هي حالة أنتقام سادية من أفكار ومعتقدات تتنافر مع افكارهم وتضيق الفرص الدميقراطية عليهم وهم بذلك يديرون هذا الصراع الفكري والأنتخابي بلغة غير سلمية ومتعارضة مع الشرعية الدستورية.

 أنها محاولة لأسدال الحجاب السياسي على المشهد الأنتخابي وفرض نفسها بطريقتها المروعة وهذه منافية للتحولات الديمقراطية الجارية في البلد. فمن يدخل المعترك الأنتخابي عليه ان يحترم قوانين الأنتخابات والانصياع لأليته، لا أن يستغل الأضطراب الأمني ليمارس البلطجة الأنتخابية التي مارسها الصنم منذ أكثر من نصف قرن. أنه ترويع انتخابي بائس يعبر عن حالة الفزع من بعض القوى الوطنية الموجودة على الساحة، في محالة لسحب البساط منها بطرق غير أنسانية. فهذه الجماعة لا تقوى على مجابهة الحقيقة بلغة حضارية وحوارات مدنية، بل تلجأ الى اساليب صنمية وتكفرية يرفضها المجتمع العراقي الحالي وبالتالي تدعي انها تحضى بقوة جماهيرية.

 فالقانون الأنتخابي الجديد يرفض الخلط بين الأساءات الشخصية والدعاية الأنتخابية. لقد تم توزيع ملصقات يظهر صورة وجه د. اياد علاوي، ممثل القائمة الوطنية العراقية 731، بنصفين أحداهما له والاخر للصنم. هذه ليست أساليب أنتخابية ديمقراطية وإنما جزء من حملات التشهير والأساءة الشخصية المتعمدة للمرشح وتعتبر خرق واضح لقانون الأنتخابات. ترى من له مصلحة في ربط تأريخ د. علاوي، الذي استقال من مؤسسة الصنم منذ اكثر من ثلاثة عقود، مع الحملة الأنتخابية؟ هذه ليست منافسة أنتخابية وأنما أحقاد فكرية مريضة يمارسها عباد الرأي الواحد. فمن منكم لايحمل خطيئة سياسية؟ فالرجل ترك مؤسسة الصنم بقناعة كاملة وناضل من اجل اسقاطها منذ عقود من الزمن، فهل هذه الخطيئة ستلاحقة مدى الحياة ولمَ د.علاوي بالذات يستهدف في هذه الحملة، بالوقت الذي هناك الكثير من القادة الحكوميين الحاليين كانوا متورطين في جرائم عسكرية ومدنية في مؤسسة الصنم وتركوها كما تركها الغير. لمَ يتم أثارة هذه النعرات وأحقاد الماضي على شخص رئيس القائمة بالتحديد؟ هذا هذا هو الخوف من البديل القادم لكنه هذا الخوف يحمل جزء من الحقد العتيق والخطاب البائس الذي يستميلوا فيه مزاج وميول الناخب الذي يكره مؤسسة الصنم لحد اللعنة.

 كما نشهد حالات اخرى لا تعبر عن المنافسة الأنتخابية كالأتهامات المباشرة بين مسؤولين سابقين وحاليين في الحكم، إذ يتهم كل طرف تصريحات الاخر ويرفض كل طرف نشاطات الاخر. أن هذا ينم عن اضطراب واضح في وعي بعض القادة والساسة العراقيين لمفهوم الانتخابات والديمقراطية.

إذ لا يجوز أن تتم التراشق والاتهامات الشخصية مطلقا في الحملات الانتخابية.

 لا يجوز أن تسخر المواقع الحكومية والاعلامية خدمتا لهذا القائد الحكومي الحالي دون غيره.

 لا يحق لهذا المعارض أن يسرح ويمرح كما يشاء في مؤسسات الدولة زيبث برنامجه ووعوده الانتخابية.

ولا يجوز ان تستحدم المنابر الأعلامية في خدمة المسؤولين الحاليين لبث احقاده على بقية المنافسين.

يجب أن يقر الجميع بأن الدولة وأجهزتها الأعلامية والادارية وسلطاتها الثلاث، هم خارج عن حدود اللعبة الأنتخابية ولا يحق لأي مسؤول حكومي أو خارج الحكم أن يستغلها. أنها مؤسسات تابعة للوطن وبعيدة عن الولاءات والمنافسة الانتخابية.

 كما شهد الاسبوع الماضي حالات لتمزيق الملصقات الأنتخابية لكثير من القوائم وأحلال محلها ملصقات أنتخابية أخرى. ومن المضحك المبكي ان ممثلي أغلب القوائم استنكرت هذا العمل لترفع عن نفسها الشك وهذا هو نفس الاسلوب السابق، إذ أن الكل يطالب بمحاسبة الفاعلين وينطبق المثل القائل * يقتل القتيل ويمشي في جنازته*

هذا الهرج والهلوسة السياسية تدل على ان هناك من يريد ان تبقى هذه الأنتخابات تسير في زوبعة مضطربة غير منظمة لحين يوم الانتخابات وبعد الفوز وحصد الاصوات يتم النقد والاستنكار لهذه الاجراءات في محاولة لسحب فتيل التوتر.

 أذا استمر هذا الأضطراب الانتخابي في اسبوعه الاخير على هذا النحو أو تسارع في سلبياته، فستشهد الانتخابات نتائج غير متوقعة وسيتم ترهيب الناخب أكثر من المرشح وستنتهك قواعد وقوانين الانتخابات بشكل أكثر عنفوانا وهذا ما سيرجح كفة الأنتخابات لقوى ضهر عليها بعض الارباك الواضح في أدائها الحكومي، وسيترك المشهد ظلاله المظلمة على مجمل الحياة المستقبلية القادمة. خصوصا بعد ان وصل الى المسامع الكثير، بأن بيان مجهول التوقيع يفسر عبارة أنتخبوا القائمة (المتدينة) على أساس ان هذه العبارة وما يماثلها تعني أنتخاب قوائم معينة دون القوائم الأخرى ونسب هذا التصريح الى المراجع الدينية ( نقلا عن صحف اليكترونية) التي تحرص على بقائها خارج اللعبة السياسية. لكن أن صحت هذه التصريحات ومضى هذا التصريح المبطن في طريقه نحو، إنما سيتناقض مع التصريح الاخير للمرجعية الذي يفضي بعدم تدخلها في الشأن الأنتخابي. هذا سيدل على أنحياز واضح من المرجعية لهذه الكتلة دون غيرها وان سكتت المرجعية، كما فعلت في المرة السابقة، فأنها ستسمح بشكل غيرمباشر، لقوائم معينة، أن تستغل اسمها في الأنتخابات القادمة، وهذا يعتبر تدخل واضح في العملية الأنتخابية. لذلك يتطلب من المرجعية توضيح الأمر وكذلك يتطلب منها أن ترفض الاسلوب العتيق السابق في استخدام صورة السيد على السيستاني في الحملات الأنتخابية.

 بالوقت نفسه يفترض من كل القوى السياسية العلمانية والليبرالية ان لا تكن حسنة النية، كما في المرة السابقة، وتكتفي بالأستنكار والشجب الأعلامي، وانما عليها ان تتحرك بشكل سريع لوقف هذه الكارثة وقبيل الانتخابات لأستبيان الأمر من المرجعية نفسها، وبنفس الوقت، أن تقدم الطعون والأحتجاجات الى المفوضية العليا المستقلة للأنتخابات، والسيد اشرف قاضي ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، لوقف هذه الحملات الباطلة. فالمفوضية هي المسؤولة عراقيا فقط عن سير وتنظيم الانتخابات بشكل نزيه ومستقل ويتوجب على المفوضية أن تثبت عدالتها في هذه المرة وخلال هذه الايام القادمة من خلال مجموعة أجراءات عملية ابرزها:

· لن تسمح المفوضية العليا للأنتخابات لأي مسؤول أو قائد ان يستخدم أجهزة الدولة الاعلامية والعسكرية والمدنية وسلطاتها الثلاث لمصلحة قائمته أو برنامجه الأنتخابي.

· يفترض ان يكون للمفوضية برامج عادل لتوزيع الملصقات الاعلانية لكل القوائم، إذ يفترض بها أن تفرد نفس المساحة الانتخابية لكل الملصقات بدون تمييز ويتم ذلك من خلال تصاريح مرخصة يحدد موقع كل ملصق في شوارع المدن العراقية، على أن تتفق مسبقا مع أمانة المدينة في كل مدن العراق. ونفس الشيء مع الأعلام والفضائيات العراقية. لكن الذي يجر لا ينم عن تنظيم مبرمج للحملات الانتخابية التي تقع على عاتق المفوضية العليا المســتقلة.

· حماية أنشطة القوائم الانتخابية من خلال تنظيم مسبق لمواعيد الندوات والمهرجانات والفعاليات الأنتخابية وتوفير الحماية الامنية للناخب والمرشح من خلال تنسيقها مع أجهزة الدولة الأمنية.

· أن تطالب المرجعية الدينية بموقف واضح من الانتخابات وتعلنه رسميا لترفع عن نفسها المسؤولية الكاملة. أما بقاء المفوضية بهذا الصمت فهو لا يعفيها من المسؤولية في ضبابية المشهد الأنتخابي والذي قد يؤدي الى نتائج غير مرضية.

· أن لا تسمح لأي من اعضاء الكتل المرشحة الأنخراط في لجان المفوضية الأنتخابية ولكن تسمح لهم بالمراقبة فقط. فالذي جرى في مدينة البصرة وفي اطراف الموصل في الانتخابات السابقة، يجب أن لا يتكرر، لأنه غيّر من كفة موازين القوى الفائزة.

· أن تهتم المفوضية بحالات القتل والاغتيالات والترويع المتعمد للمرشحين وأنصارهم وتفتح التحقيق الفوري بالامر وتعلن عن نتائج التحقيق أن توصلت الى شيء محدد.

· أن تحسم موقفها الصارم ضد أية أساءة شخصية مباشرة بحق المرشحين وأية حملات منافية للقواعد الانتخابية وأن لا تقف موقف المتفرج السلبي، من الاحداث.

· أن تمنع حالات الاتهامات المباشرة بين المرشحين وتلزمهم بالتقيد الصارم للقانون الأنتخابي وتحاسب كل من يحاول أن يتجاوز سلطتها وقوانينها مهما كان موقعه من الحكومة.

 أن هذه الجولة ستشهد أخفاقات وتجاوزات قد تنذر بعواقب غير مرضية. لكن الشعب العراقي سيرحب بأي فائز مهما كان لونه السياسي وفكره العقائدي شرط أن يحصد أصواته الطرق الأنتخابية الشرعية وضمن الدعاية التي توضح برنامجه الأنتخابي.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com