عندما تفخر الأمة بتراثها وحضارتها

الدكتور طالب الرمَّاحي

info@thenewiraq.com

لقد درجنا في أدبياتنا، في مجالسنا ومناسباتنا، بإذاعاتنا ووسائل إعلامنا، أن نذكر بفخر واعتزاز أن عقيدتنا هي أحسن العقائد وتراثنا الإسلامي والقومي بما يتميز به من قيم سماوية وإنسانية يشكل خزينا وثروة ضخمة، ومشربا نقيا وعذبا يكفي لأن تستقي منه أمم الدنيا جميعا لتنهي به ضمأها والجدب الذي بدأ ينخر بأوصالها. أما حضارتنا فهي الأساس الذي ابتنى العالم الغربي منه حضارته، فمنها أخذ الكثير من المبادي العلمية والإجتماعية والخلقية، ولا يعاب على الأمم من أن تفخر بما تمتلكه من تراث إنساني أو سماوي، فهذا حق مشروع، وخاصة إذا استطاعت الأمة أن تحافظ على هذا التراث وتستثمره باستمرار وتستفيد وتفيد منه، ثم تعمل جاهدة على استغلال منابع القوة والنور فيه لبناء حاضر أكثر إشراقا ومتانة، فيكون الأمس في خدمة اليوم واليوم في خدمة الغد، دون أن تعيش الأمة انفصاما زمنيا يضيع معه جهد الأجداد، فتكون حضارتهم وما خلَّفوه من تجربة غنية، أشبه بقصائدهم وحكاياتهم، أخبارا يتغنى بها جيلنا في المناسبات والأعراس.

الذي يؤلم في واقعنا الحاضر أننا نعيش هذا الإنفصام بكل أبعاده المؤلمة، وشعرنا نتيجة لذالك بخواء اضطررنا معه أن نستنجد بالآخرين، ونبني حضارتنا باستجداء اللبنات من حضارات الأمم الأخرى، أمم الغرب والشرق على حد سواء، أخلاقنا، طبائعنا، طبيعة التفكير، فكل شيء اصطبغ بصبغة أعدائنا. أما مدنيتنا الحاضرة فتدل بوضوح على كبر مأساتنا، فهي واقعة في أسر أعدائنا منذ زمن اكتشفوا فيه أننا أغنياء بأنهار البترول وأسراب العملاء، فكل خيوط مدنيتنا أصبحت بأيديهم، حتى إذا أردنا أن نقاتل بعضنا نقتتل بسلاح منهم.

حضارتنا الماضية التي بناها أجدادنا كانت تربطها بالسماء وشائج عدة، فهي حضارة كانت تستقي معينها من السماء، فتنامت لهذا السبب، وعندما انقطعت تلك الوشائج والصلات السماوية، فقدت أقوى مقومات وجودها وديمومتها. نحن إذن بحاجة إلى إعادة تقييم جريئة لواقعنا وطبيعة تعاملنا مع تراثنا السماوي والإنساني مع أهمية تشخيص الإسباب التي أدت بنا الى هذا الإنحدار الرهيب والذي انتهى بتسلط ( أوباش ) الأمة على مقدراتها أمثال ( صدام) وعبد الناصر وما شاكلهما من الحكام حيث ما زال نظرائهما يمارسون أدواراً خطيرة من شأنها أن تعمق التخلف والوهن في أوصال الأمة وتأخرها من اللحاق بركب العالم المتمدن. فالآن وبعد أن حصلت تغيرات خطيرة وغير متوقعة في العالم، وبعد أن اصبحت منطقتنا العربية الإسلامية محور الصراع العالمي وأصبحنا نحن مادة لهذا الصراع أو قل أصبحنا ( الآلية) للغير في الوصول الى أهدافها، علينا أن نستيقظ من غفوتنا التاريخية والتي امتدت قرون عديدة، علينا أن نبحث عن وعي جديد، يستنقذنا من جل تلك القرون الغابرة، إننا نعيش في هذه الأيام فرصة تاريخية نبحث فيها عن ذاتنا الحقيقية ونعيد صياغة ثقافتنا وطريقة تعاملنا مع بعضنا ومع الآخرين، وكل ذلك يقع على عاتق مفكرينا وطبقتنا المثقفة الواعية، فثمة حلقة مفقودة بيننا وبين تراثنا الماضي وثقافة أجدادنا علينا أن نبحث عنها، وأن نخوض مرة أخرى غمار تراثنا وثقافاتنا، وأن ندقق في كل الخسارات والإخفاقات لنستفيد منها في حاضرنا.. إذ لاجدوى من كتاب لا تقرأه أو أن تقرأه ولا تأخذ العبرة منه.

 

العودة الى الصفحة الرئيسية 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com