هل سجن الجادرية بداية الحلم ..؟!

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktoob.com

فضيحة سجن الجادرية لا زالت تتفاعل نتائجها على الساحة العراقية، وخصوصا بين أجنحة القوى السياسية الحكومية والوطنية، فبعد اكتشافها، وبضغوط من كافة أطراف القوى الوطنية، السياسية العراقية، ومنظمات المجتمع المدني، وحقوق الإنسان، تم تشكيل لجنة تحقيق رسمية عن هذه الفضيحة، ترأسها نائب رئيس الوزراء نوري شاويس، حليف الحكم من القائمة الكوردستانية، وخلال الأيام القليلة الماضية أكتمل التحقيق، وقد طرح رئيس اللجنة أمام آخر اجتماع لمجلس الوزراء، التقرير النهائي وما توصلت إليه اللجنة من نتائج عن هذه الفضيحة . مصادر مقربة من السيد نوري شاويس أفادت، أن رئيس اللجنة رأى ضرورة إعلان نتائج هذا التقرير على الرأي العام العراقي، ونشره في وسائل الإعلام المحلية، يضفي الشفافية على عمل وأداء الحكومة الحالية، ونهجها في مصارحة الشعب عما يدور بين أجهزتها، وهذا ما ينزه اللجنة عن حجب الحقائق التي توصلت إليها، وينفس من احتقانات ذوي وأهالي الضحايا والمعتقلين، خصوصا وإن الشعب العراقي قد شغلته هذه القضية عند اكتشافها ولا بد من كشف كل الحقائق أمامه عن هذا السجن السري، وقد أيد هذا المقترح كل من الدكتور أحمد الجلبي نائب رئيس الوزراء من كتلة الائتلاف العراقي الموحد، واللواء عبد مطلك الجبوري، غير أن الجعفري رئيس الوزراء، وبقية وزرائه من قوى الائتلاف الشيعة رفضوا مقترح نشر التقرير، وطالبوا بتأجيل نشره إلى ما بعد الإنتخابات، فالفضيحة لن يتوقف أثرها على شخص أو شخصين وإنما ستعم وتشمل كل قوى الائتلاف، التي لا يزال قادتها يتمشدقون بخدمة الشعب، وخصوصا للقوى الطائفية، التي يسعى بعض قادتها إلى تحويل العراق إلى إقطاعية يشيدون عليها سجونهم، كما يحلو لهم،لإقامة دولة دينية ـ طائفية تتمتع بكل ما كان يتمتع به النظام السابق من مظالم وقهر وافتئات على الخلق والعباد، فهل سجن الجادرية هو بداية المشوار لتحقيق هذا الحلم لتغييب كل المناوئين لهذا النظام ؟ فبناء السجون السرية، بداية المشوار لهذا الحكم، وهذا ما بدأ به النظام الفاشي، فهل يتحقق من جديد عندنا ؟ أرى انهم قد استعجلوا قطف الثمار قبل نضوجها، وهذا ما ستضرس له أسنانهم لاحقا ..!
لقد أظهرت نتائج التحقيق عن هذه الفضيحة ( قصر النهاية، عفوا سجن الجادرية )ما يلي :ـ
1 ـ السجن لا يخضع لوزارة الداخلية، بل يرتبط بالوزير باقر صولاغ شخصيا، وهو الذي اختار هيئة الإشراف عليه .( وكان من المفروض أن يجري معه التحقيق )
2 ـ اللواء كمال علي حسين وكيل الوزارة، المسؤول عن السجون والمعتقلين، فوجئ بوجود السجن عند الإعلان عنه، ولم يكن يعرف به من قبل .( وهذا ما يدلل أن هناك سجونا أخرى مشابهة في مناطق أخرى من العراق وضرورة التحري والتفتيش عنها وكشفها )
3 ـ أحد مسؤولي السجن، يحمل عدة أسماء ـ مستعارة ـ منها أبو كرم الوندي، إيراني وضابط في ميليشيات بدر، الجناح العسكري، للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية الشيعية، امتنع عن الحضور لأداء شهادته أمام لجنة التحقيق، ويعتقد أنه غادر العراق، عقب الكشف عن الفضيحة إلى جهة مجهولة ( وهل هناك غير إيران من يخدمها ويلوذ بها، كما يعني هذا أن هناك آخرون يختفون خلف أسماء مستعارة، وفي مواقع أخرى من المسؤولية في الحكم )
4 ـ اعتراف ثلاثة ضباط شرطة نسبهم الوزير صولاغ للعمل في السجن، وتلقيهم الأوامر من المدعو \" أبو كرم \" عند التحقيق وممارسة التعذيب على المعتقلين .
5 ـ ثبت أن هناك ممارسات لجرائم تعذيب وقتل متعمدة وقعت على المعتقلين، إضافة لسوء استخدام السلطة على بعض مواطنين متهمين، لم تثبت إدانتهم، ولم ُيحالوا للقضاء، ولم يصدر حكم بحقهم بعد .
6 ـ قرر السيد مسعود البرزاني، رئيس إقليم كوردستان، ضرورة نشر هذا التقرير ليطلع عليه الرأي العام، ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، وعدم الموافقة على تأجيل نشره . ( وهذا شيء رائع لتطبيق مبدأ الشفافية، كان المفروض أن يتم مثل هذا الأسلوب منذ بداية حكم الائتلاف، لكان في الإمكان تلافي التجاوزات التي حصلت في الكثير من المناطق العراقية .) إن الأسباب التي دعت رئيس الوزراء ووزرائه من الائتلاف الشيعي على عدم الموافقة على نشر هذا التقرير، وفق ما دفع به، أمام اجتماع مجلس الوزراء، خوفه ومعرفته من أن مثل هذه الفضيحة تزلزل نظاما بأكمله، وليس وزارة تمثل طيفا طائفيا فقط، في الدول التي يحمل جنسيتها، حيث قال الجعفري \" إن إعلان النتائج الآن يندرج ضمن الحملة الدعائية الانتخابية وسيتم استغلاله ضد قائمة الائتلاف الشيعي التي يتمثل فيها الوزير باقر صولاغ، ...كما أن نشر هذا التقرير في هذا الوقت بالذات يعزز التصريحات الأخيرة لأياد علاوي التي وصف فيها انتهاكات حقوق الإنسان في عهد الحكومة الحالية بأنها فاقت الانتهاكات في زمن صدام حسين ..!\" فهل نتائج التقرير واقع أم إدعاء ؟إن كانت واقع ونتيجة لتحقيق رسمي، فلم التدليس عليها، والتستر على القائمين بها، ولمصلحة من ؟ السيد الجعفري لا يهمه من هذه الفضيحة سوى تأثيرها على نتائج الانتخابات فقط التي ستؤثر على واقع حزبه أو التشكيلة التي يمثلها، أما حرية المواطن العراقي وكرامته ولقمة عيشه، وأمنه وحقه في العيش في وطن آمن هو وعائلته، فما عادت من أولويات الحكومة، كما لم تعد ذا بال، فيما إذا لم تعد تتوفر في الوطن ولساكنيه وسائل عيش كبقية البشر في العالم، من أمن وعمل وماء وكهرباء وأمور حياتية أخرى، فهذه أمور تافهة ولا تشغل بال السيد الجعفري أو الائتلاف الذي يحكم باسمه، فما يشغله ويشغلهم، شيء آخر أهم، هو إقامة الدولة الطائفية الخالية من مفاهيم الديموقراطية، وحقوق الإنسان وحريات المجتمع المدني، فكل هذه الضوابط غريبة عن المجتمع الذي يرسمون التأسيس له، وهذه كلها أمور تعيق هذا التوجه . ولا ندري نسى أم يتناسى السيد الجعفري ورهطه، أن عالمنا اليوم، تحكمه المبادئ الديموقراطية التي جاء على أساسها هو وقائمته للحكم، حيث تتنافس فيه القوى السياسية على تقديم أفضل الخدمات ووسائل العيش للمواطن، بغض النظر إن كان هذا المواطن من مؤيدي هذه القائمة أم من معارضيها، أما بمفهوم الجعفري وقادة الأئتلاف الشيعي، كالسيد عبد العزيز الحكيم، فالخدمات والرفاهية ليس لكل مواطن عراقي، ولا ليس للمواطن البسيط المؤيد له من طائفته، فهذا عليه تنفيذ واجب الحكم الشرعي فقط، وللسادة الحق في العيش الآمن الرغيد، في دولة الولي الفقيه، والتمتع بالسلطة والوجاهة وبكل مباهج الحياة، حق لهم وحدهم في الحياة، وهذا ما لمسه ويلمسه المواطن البسيط، ولم تعد الحقائق تحجبها ادعاءات أو تصريحات كاذبة ومزيفة .
نتائج التحقيق يجب ألا تنسحب لاحقا فقط، على سجن الجادرية، بل على كل السجون والمواقع الأخرى، كما في تلعفر وديالى والبصرة والنجف، وغيرها من المناطق، التي عاثت وتعيث فيها ميلشيات الأحزاب الفساد، واُنتهكت وُتنتهك فيها حريات المواطنين وحقوقهم، فحقوق الشعب تتمثل بأن يطال التحقيق أداء الحكومة وقصورها في معالجة الكثير من الانتهاكات التي طالت الكثير من المواطنين وحقوقهم، وخصوصا الجرائم الأمنية التي ازدادت وكثرت في الآونة الأخيرة، والتي حدثت في مناطق مختلفة من العراق، مما أثرت سلبا، حتى على أداء المحكمة الجنائية العليا، التي تجري لمحاكمة صدام ولأركان نظامه الساقط، بانسحاب المحامين أو هروبهم من العراق، وعدم قدرة الحكومة على توفير حفظ الأمن الذي يضمن حرية حضور الشهود للشهادة أمام المحكمة، مما انعكس على عدم حضور الكثير من أهالي الدجيل الذين عاشوا المجزرة والمأساة في مدينتهم، ويحتفظون بالكثير من المعلومات عن القائمين بهذه الجريمة، إلا أنهم يحسبون حسابات الخوف من متربص ومجرم قاتل، وحكومة غير قادرة على ضبط الأمن وحماية المواطن . الواقع الفاسد هذا يستدعي معالجة الكثير من ملفات الفساد و فتح التحقيق في كيفية إشغال المراكز الحكومية، أمنية وغير أمنية، وإعادة الحقوق لكل المفصولين السياسيين، في عهد البعث الفاشي ونظامه الديكتاتوري، بغض النظر عن الطائفة والقومية والفكر أو العقيدة، والتدقيق في تعيينات الوظائف الحكومية في مختلف أجهزة الدولة، التي ُشغلت بعناصر غير موالية للوطن، ولا تتمتع بالكفاءات المطلوبة . فهروب كبار ضباط وزارة الداخلية، وأغلبهم من قوات بدر، إلى إيران، هذا يعني أن الوطن مخترق بالأعداء، والكثير من مفاصل الدولة، تتحكم فيها وتحكمها عناصر غير موالية للشعب وللوطن، ولا يهمها من أمر العراق، غير ما يحقق لدول الجوار، وبالذات إيران، هيمنتهم وسيطرتهم وبقاء العراق ضعيفا وفقيرا وعاجزا حتى عن توفير لقمة العيش وهو يعوم على بحار من النفط والغاز .
فتح ملفات الفساد يتجسد واقعها في كل شأن من شؤون الحياة العراقية، وأصبحت معالجتها ضرورة وطنية وليست رغبة، أو منة من هذه الجهة أو تلك، فلن يتحقق استقرار للعراق وهناك حق لمواطن مغتصب، فإعادة مصادرة دور وعقارات وأملاك المواطنين التي صادرها النظام السابق، حيث قد تم تسجيلها بأسماء عمار الحكيم ووالده عبد العزيز الحكيم، وبقية رجال هذه الأحزاب والمليشيات . ودور وقصور وأملاك النظام السابق يتربع عليها شخصيات ومسؤولون، من هذه الأحزاب الطائفية، وقد تحولت بعضها، لمقرات لقوات بدر، وبعضها سكن لقادتها من الضباط الإيرانيين، فلهذه الأسباب وغيرها لم توافق وزارة الجعفري على نشر نتائج التحقيق، لاعتقادها أن هذا يعرضها لفضيحة أمام الشعب، تؤثر على نتائج الانتخابات التي ستجري في الخامس عشر من هذا الشهر، فهل سنرى تنفيذا لإصرار السيد مسعود البرزاني، على نشر نتائج التحقيق عن هذه الجريمة، قبل أن يذهب إلى صندوق الاقتراع، ويدلي المواطن بصوته، ليطلع الشعب العراقي على الجرائم التي تسببت ويتسبب بها قادة الحكم الطائفي عندنا، وإن من يحكم العراق هم ليسوا كلهم عراقيين أو وطنيين، كما أنهم غير مخلصين للشعب والوطن ..!

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com