|
وفروا الارزاق .. قبل توزيع الاوراق ..! هرمز كوهاري في اللغة الاقتصادية والمالية ، إن النقد الورقي ، ليس له قيمة خارج القانون ، أي قيمته من القانون الذي يحميه ، وبمعنى آخر ليس له قيمة ذاتية، فمتى ما سحبت منه الصفة القانونية يصبح كورق الصحف المقروءة أو النفايات ، خلافا للنقد المعدني فله قيمة ذاتية ، كالذهب والفضة فيمكن أن يستعمل كزينة أو يدخل في صناعات كثيرا ، وحتى النحاس له قيمة ذاتية أقل من الذهب والفضة طبعا ، ومع هذا فهذه القيمة معرضة للزيادة والنقصان أي يتحكم بها قانون العرض والطلب . وما يهمنا هنا ليس الدخول في النظريات الاقتصادية بقدر ما يهمنا قيمة هذه النقود بالنسبة للمستهلك ، فهذه أقيامها يتحكم بها توفر السلعة والخدمات ومستلزمات الحياة وندرتها ، فكل أنواع النقود بما فيها الذهب الخالص ، لاتعني شيئا إذا لم تتوفر سلعة أو خدمة للمستهلك لاستبدالها بها ، وخاصة الاحتياجات الضرورية لدوام الحياة كالماء والغذاء والملبس والمسكن والدواء والوقود ...الخ أي كلما يتقدم نمط الحياة تزداد وتتنوع متطلباتها . لنفرض شخصا تائها في الصحراء ، يفتقد الماء والغذاء والسكن أو وسيلة نقله الى مسكنه ، ماذا يختار لو خير بين مئات الملايين من الليرات الذهبية وهو ماثلا للموت البطيء وبين إناء من الماء البارد ووجبة دسمة من الغذاء ووسيلة لإيصاله الى مسكنه ، طبعا سيختار الاختيار الثاني ! أحد السلاطين إنتقم من عدوه الجشع بجمع المال والثروات الطائلة بأن حبسه في الغرفة التي كانت تحتوي على خزانه من الذهب والفضة وتركه دون ماء وغذاء حتى ومات جوعا وهو يفترش أكداسا من الذهب والجواهر !! ذكرت كل هذه المقدمة المطولة نوعا ما ، لأعلق على قرار حكومة الجعفري بتوزيع ، الاوراق وليس الذهب ! لعجزها توفير الحصة التموينية والحجج كثيرة والمبررات متنوعة ، سواء إقتنع بها الناس أو لم يقتنعوا ، مدعية أنها ترفع مستوى المعيشة للسكان ، ولكن إذا هي أي الحكومة لها المال وتتوفر لها الاحوال ، لايمكنها من توفير السلع والخدمات ليستفيد الناس من هذا الدعم الورقي للمحتاجين ، فكيف لهولاء أن يوفروها ، وتقول من السوق ، أي من التجار ! فلماذا التاجر يتمكن من توفير السلعة والدولة لاتتمكن ، وفرضا أنها تلاقي التعقيدات الادارية والروتينية والفسادالمالي والاداري ، بفضل إدارته الحكيمة! ما زال يشرف عليها أحد الحكماء ، وهو الحكيم بالاقوال وليس بالاعمال !إن دل ذلك على شيء إنما يدل على عجز الحكومة من توفير السلع المطلوبة ،التي تقع ضمن الحصة الشهرية إضافة الى الخدمات الاخرى . هذا من جهة ومن الجهة الثانية ، يبقى المستهلك تحت رحمة التاجر الجشع والاحتكاري الظالم ، وكثيرا من القراء رأوا ولمسوا موت الناس جوعا في سنة 1948 في البيوت والشوارع ، ومخازن وعنابر الاحتكاريين المجرمين مليئة بالحنطة وبقية المواد الغذائية ، وكلما كانت ترتفع الاسعار ينتظرون سعرا أعلى!! مع ضعف إنعدام القوة الشرائية عند كثيرا من العوائل نتيجة للبطالة إضافة الى فقدان السلع . إن هذه العشرات من الاف الاوراق التي ستوزعها الحكومة على الفقراء من الشعب ، ستؤول الى جيوب الاحتكاريين دون أن تف بالغرض الذي وزعت من أجله . قبل الحصار كان الموظف البسيط يعيش حتى بعشرين وثلاثين دينار عندما كانت الصمونة ب( عشرة ) فلوس مليئة بالعجينة ! والبيضة الواحدة بعشرة على ما أذكر ،ووزع صدام أوراقه فلم تكفي عشرات الالاف من تلك الاوراق لسد رمق العائلة ، لماذا لقلة المواد الغذائية وقد وصل سعر الصمونة الواحدة وبدون لب ! ب( سبعون دينارا )!! قبل إذاعة موافقة العراق على مشروع النفط مقابل الغذاء ! فأصبح مشروع النفط مقابل الاثراء !! أي إثراء المتطفلين والدخلاء ! من الابعدين والاقرباء !! ومن المنتصرين للامة العربية والقضية المركزية !! كل هذا ومواد الحصة كانت تصل لكل عائلة بصورة تكفيه إسبوعا أو عشرة أيام من الشهر ، فكيف إذا لم تتوفر الحصة ولا السلعة الكافية في السوق ، ليس المطلوب أن تكون السلعة كافية فقط بل تكون فائضة لتتحقق المنافسة وبالتالي يقضى على الاحتكار. فمثلا في الدول الاوروبية ليس بإمكان كائن من يكون أن يحتكر الزبد والجبن والخبز أو الفواكه مهما بلغت إمكانياته المادية وذلك لوفرتها ولها مدة محدودة تصبح غير صالحة للاستعمال ، وإذا ما زيدت رواتب واجور العاملين يشعر بالفرق لأن السلعة متوفرة ، فيزيد في مستوى معيشته وهكذا . وكما يقال ، العراقيون يقرأون الممحي ، فكل تصرف من هذا القبيل يجب أن نفتش عن المستفيد ، فالنقص في الكهرباء يستفيدون أصحاب المولدات الكهربائية ، حيث أصبحت تجارة رائجة ، بفضل حكومة الجعفري بتأسيس محطة تلو المحطة لتوليد الكهرباء!! وهناك الجارة المخلصة إيران الاسلامية ! تستفيد من بيع الكهرباء بالسعر والشروط وحتى السياسية التي تريدها ، وهناك مهربي الوقود من أزلام العهد الجديد يستفيدون من قلة محطات التكرير ومستوردي الوقود التي تصرف الحكومة شهريا ما يعادل كلفة تأسيس محطة للتكرير أو نصف أو جزءا منها! وهناك تجار جملة للمواد الغذائية " بدّم يستفيدون " ألخ . ولكل نقص في السلعة والخدمة هناك يقف المستفيدون من إطالة الازمة والشعب العاطل الجائع هل من بديل لهذا الوضع ولهذه الحكومة ، حكومة أشباه الملالي ؟ أيام الحصار مد أحد الموظفين المستفيدين من الحصار ، مد أمامي يديه الى السماء داعيا ربه لإطالة أمد الحصار ! وقال لي" عمي قبل الحصار كنا ميتين من الجوع والآن الحمد الله يطلعلي يوميا ( خمسة الآف دينا ر من هذه السيارة!!) ومد يده الى السيارة بيكآب الواقفة في كراج مسكنه والعائدة الى الدولة !! والآن كذلك كثيرا من مالكي المولدات الكهربائية ، يتوسلون من الله ومن وزارة الكهرباء !أن تعطف الاخيرة عليهم بتأجيل تنفيذ المشاريع الكهربائية " حتى شويا يتريشون ! ويسولهم رصيد يسوا !!" وهكذا بالنسبة الى المنتجات النفطية رحمة وعطفا بالمهربين والدلالين . في بداية الخمسينات وماقبلها كان في لندن بورصة الشعير العراقي ! والان نستورد كل شيء ولم يبق إلا إستيراد التمر !، وقد ضربنا الرقم القياسي في إستيراد الارهابيين بفضل كرم وضيافة الارهابيين المحليين ! على أساس أن العراقيين كرماء ! وتطبيقا لقول " ساعد أخاك المسلم ظالما أو مظلوما. ليس المهم تضخيم الجيوب بالاوراق بل تكديس السلعة في الاسواق وبخلافه يكون الضحك على الذقون ، وصار هذا فنا من أكثر الفنون في الانتشار والانبهار، وربما يعتقد بعض المسؤولين أنها دعاية أنتخابية ، ولكنها دعاية فاشلة ، ومغرضة . والخلاصة ليس هناك شخص ضد زيادة مدخولات العوائل وخاصة الفقيرة منها ولكن الى جانب ذلك زيادة السلع والخدمات الضرورية ، وعدم ترك المستهلك تحت رحمة الاحتكاريين والمهربين والدلالين وأتباع المعممين من الاحزاب والمليشيات الحكيمية والصدرية .
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |