القرج خاتون الطرف ـ الحلقة الرابعة

الدكتور لميس كاظم

lamiskadhum@hotmail.com

سأركز في هذه الحلقة على خمس محاور أساسية من هذا المسلسل الطويل. حاول المخرج ان يغير ادوارهم تبعا للمشاهد المطلوبة.

 

المحور الأول: المتهمون.

وهم أهم محور في أخراج هذه الحلقة. هؤلاءالمتهمون، المشاغبون، الذين تغير دورهم في هذه الحلقة وتحول من المدافعين، المتمسكنين، الباحثين عن بصيص من الرأفة والسماحة، الى مهاجمين، شرسين، يحاولون ترهيب كل من يدينهم، بأستثاء القاضي. ينطبق عنوان المقالة عليهم وخصوصا على المتهم برزان الذي لعب دور* القرج * الحقيقي في هذه الحلقة. وكما هو معروف للعراقيين فالقرج هي المرأة التي تفعل ما تشاء ولا تحستي ويهابها ويتجنبها أهل الطرف عند المواجهة، خوفا من لسانها البذيء، السليط ، لكنها لا تحضى بأحترام وتقدير بين الناس. أخرج برزان، في هذه الحلقة، أخلاقه الرذيلة وعاد الى زمن الشاقاوات والسربلة. كما بين بضوح انه يتختزن الحقد بدمه ضد العراقيين، رغم أنه أكاديمي وعاش سنين طويلة في أرقى المجتمعات الاوربية لكنه لن ينكر جذوره الغاطسة بوحل العلاقات السقيمة وحليب الرضاعة الفاسد.

 كان هذا القرج وصاحب اللغة السوقية الحقيقية، يحاول أن يسخر ويصادر حق الشهود، بل وسيخرج منه الكثير من المفاجأة  قبيل اصدار الحكم. فقد أظهر في هذه الحلقة كل ما تربى عليه، إذ أهان الشهود وأتهمهم بالجهلة وتزوير الحقيقة وطلب منهم أوراق اعتقال أو اعدام أصلية وليس أوراق *أم النعلجة * مال هذا الوقت، على حد تعبيره، ونسى أن هذا الوقت، هو امتداد طبيعي لذاك الوقت الذي زوروا فيه ملكية البيوت والممتلكات والاراضي لجميع من طردوهم من العراق من المعارضين والمهجرين. كما هدد هيئة المدعي العام وأهان الحضور وبصق بملء فمه على أحد الشهود يتهمه بالتهديد من خارج الزجاج.

ورغم حيله القانونية، وتلونه مع كل مشهد، وحذاقته في التزلف للقاضي لكنه وقع في مطب قانوني واضح حين أعترف انه كان موجوداً في الدجيل ليوميين متتاليين في وقت الحادث لكنه كان بمهة أخرى غير مهمة القتل والابادة وشَهّد زميله المجرم* ابو جاسم * الذي معه في قفص الدجاج. هذه الواقعة ينطبق عليها المثل الشعبي * عصفور كفل زرزور واثنينهم طياري*. كما اعترف بجرف البيوت والبساتين لكن ليس للأنتقام وأنما لأعمار المدينة وتم تعويض السكان بمبالغ محترمة لكن واقع الحال لم يعمروا متر واحد في الدجيل على مدى قرنين من الزمن.

لقد اسقطت الكامرة لقطة مهمه، إذ كان المعتوه برزان يوجه هيئة الدفاع بإشارات علنية واضحة من قفصه لزيادة الضغط على المشتكين. كما كان الاتفاق بين المتهمين بأن يكون أغلب الحديث للأخوين * توم وجيري*.

 ولهذا نفش الصنم غبار المعتقل عن ذاكرته المريضة، وتألق بجمله الطنانة. إذ حاول أن يلقي مواعضه النتنه خصوصا بعد أن نفخ به أخوه * جيري* الغير شقيق بكلمات كبيرة، فجعله تارة أب لكل العراقيين، فبئس هذا الأب الفاسد، أخرى أبو العراق ويقف ورائه 12 مليون عراقي غيور ولا أعرف أين هم  هؤلاء الغيارى !! ولمَ لم ينجدوه وقت سقوط بغداد ولن يدافعوا عنه الان وهو في مزبلة العراق.

حاول مرارا أن يتثاقف بجمله الأستعراضية اللاوطنية والتي نحر بها خيرة ابناء العراق. وقتذاك كانت محاكم الاعدام لا تستغرق أكثر من نصف دقيقة. فقسم قليل من العراقيين سلمت جثث أبنائهم في كيس نايلون لكنهم مُنعوا من أقامة مأتم العزاء على أعتبار أن أبنهم خائن للوطن ولم تسلم أية قصاصة ورق حول أسباب أعدامه.

 أنه أثبت أصابته بمرض انفصام الشخصية، إذ لايزال يعتقد انه لم يرتكب جرما ولم يعذب او يقتل أي مواطن بيده. وقد اعجبته كلمة المدافع العربي الذي كان يستنطق الشهود حين يسألهم * هل شاهدت الرئيس يقتل بنفسه* لكن السؤال هو مَن من الدكتاتوريين، الفاشيون، يقتلون بأياديهم ؟ هل رأى أحدا أن موسليني أو هتلر أو فرانكوا او هيلاسي لاسي يقتل بشرا. هؤلاء يكونو رومانسيين، شفافين، يعشقون الحياة التي تلبي ملذاتهم الخاصة لكنهم يزهقون روح كل من يفسد عليهم متعتهم السادية.

ظل الصنم  يكذب حتى وهو في قفص الدجاج. بل راح يصدق كذبه حين ادعى أن هذه المقابر الجماعية هي من صنع الأعداء ودول الجوار. وهل يعقل ان دول الجوار تعتقل المعارضين له وتقتلهم وتدفنهم نيابة عنه وهو في السلطة؟ انه لا يخجل حتى حين يكذب بل يكذب بوقاحة.

خرج الصنم عن موضوع الدجيل مرارا، ليهتف بجمل فاسدة، مستهلكة، حين يقول * ارجوك سيادة القاضي لا تسمح بالأساءة الى العراق* وهل اكثر منك حاكم سفاك اساء للعراق.  فقد شردت أربعة ملايين مواطن وقتلت مليونين وانتهكت حرمة الوطن والمواطن بأسوء حالة.

 أهان الصنم نفسه في أكثر من مرة، لكن أقبحهن وضوحا حين قال * أنا لا أقف لأي شخص*   

فهذا اول، متهم، وقح وعنده شروط بل يطلب من الجميع ان يقف له عند قدومه، هذا ما دار في الجلسة السرية التي عقدت بعد هذه الجلسة الرابعة، وهو نسى نفسه ان المحكمة أنصفته حين تركته في سجن خمس نجوم.

أنه نسى نفسه أثناء أسترساله في الحديث حين قال * أنا لا أعمل لنفسي دعاية انتخابية مثلما يفعل الأخرين* هذا الخطاب له دلالة كبيرة ويبين عقدته من الديمقراطية التي لم يتذوق طعمها لا في طفولته المشردة ولا في حكمه الشمولي.

و قبيل أنتهاء الجلسة صاح * لن احضر الجلسة القادمة، ليذهب الجميع الى الحجيم، هذا ارهاق بالنسبة لي* كان ينقصه ان يقف ويقول نقطة نظام يا سيادة القاضي لقد انتهى الوقت ويجب أنهاء الجلسة. كان خياله المريض يصور له أنه جالس في منتجع سياحي أو في مؤتمر من مؤتمراته الأرهابية التي يقرر بها كيف ما يشاء والكل يصفق له.

ختم حديثة بجملة كاذبة لعمره لم يمارسها في حياته حين قال * طولتوا الجلسة وروحتوا علينا الصلاة* أية صلاة أنت تأديها، وكنت غارق في الفجور والجرائم ولم تعرف يوما ذكر الله ولا عتباته المقدسة.  فالذي يعرف الله لا يقصف عتباته المقدسة في الأنتفاضة الشعبانية عام 1991.

 

المحور الثاني: الشهود

كان الشهود الخمس الجالسين خلف الستائر يدلون بشهادتهم ويبدوا عليهم الارتباك رغم قوة شهادتهم وخصوصا، تلك المرأة العراقية الشجاعة، التي فضحت جزء من أساليب تعذيبهم البربرية وأنتهاكهم لأدنى حدود الشرف والأخلاق في المعتقلات اللاأنسانية. كانت أجواء القاعة تسير بعكس أتجاة رغبة الشهود. إذ جرى مقاطعتهم أكثر من مرة من قبل القاضي لكونهم يخرجون عن الموضوع. كما كانت اعتراضات برزان تثير القلق وحتى أسئلة المدافع العربي الخبيثة الذي يكرر نفس الاسئلة * هل شاهدت الصنم يرتكب جرائم حرب أو أبادة جماعية بنفسه* وكذلك دخوله في تفاصيل مربكة في الأسئلة بل وتعجيزية أحيانا، كلّون دشداشة المشتكي لحظة اعتقاله، قبل أكثر من عقدين من الزمن. أما أن أسئلة المدعي العام فظلت تيراوح في مكانها. كل هذه الاسباب وغيرها ولدت حالة ارباك نفسي وشعور مستضعف لدى المشتكين ولهذا جاءت قرائنهم مرتبكة غير متماسكة ولا يمكن مقارنتها بقوة بالشاهد الأول.

 

المحور الثالث: هيئة الدفاع عن المتهمين

كانت هئية الدفاع تدير اسئلتها بثلاث او اربعة جبهات في أن واحد. كانت جبهة النعيمي هي الاقوى، والتي تعتبر خرق واضح لنظام ادارة الجلسة، على اعتبار أن المحامي خليل الدليمي هو المكلف الرسمي لتوجيه الاسئلة. لكن النعيمي تجاوز هذه الحدود وتسابق مع الدليمي لتضيق الخناق على المشتكين. وجبهتي الدليمي ومحامي برزان وطه رمضان وأخر الجبهات هي جبهة * توم وجيري*. كل هذه الجبهات كانت ترهق المشتكين، الغير متمرسين لحيل ومطبات هيئة الدفاع. وهذا ما سبب اضعاف في كثير من الأجابات. كانت هيئة الدفاع منسقة لخطواتها وحججها.

 

المحور الرابع: هيئة المدعي العام

كانت الهيئة في هذه الحلقة أقل نشاطا وخصوصا بعد اتهامها بالتحقيق خارج المحكمة والأيماء للشاهد على ذكر  جريمة القتل أثناء التعذيب، التي لم يجدها القاضي في محضر التحقيق الأول، كما ادعت هيئة المدعي العام.

كما لزمت الهيئة الهدوء النسبي في هذه الحلقة خصوصا بعد التهديد العلني الذي فجره المتهم برزان حين نادى على المدعي العام * رفيق جعفر!! علينه* ولم يتورع * جيري *عن كشف سره، حين قفز الى المكرفون واراد أن يتكلم لكن القاضي رفض ذلك. ورغم اعتراض السيد جعفر بأنه لم يخف من  تهديده لكن الموضوع اثر على المجرى العام للجلسة.

 

المحور الخامس: القاضي

كان القاضي يتحلى بخلق رفيع وثقافة مدنية هادئة وسعة صدره وهدوء يحسد عليه، إذ أستطاع أن يسحب فتيل التوتر في أكثر من مرة . لكن حالت التراخي والديمقراطية السائبة في ادارة الجلسة غيرت رياح الجلسة بالكامل، إذ أعطى فرص ذهبية للمتهمين، سمح لهم بالخروج عن الموضوع، والتهاف العالي، مما شجعهم الى قص نسيج شرنقتهم بسرعة والتحول من حالة الدفاع المستضعف الى حالة الهجوم. كان القاضي يسمع بملء اذنه تجاوزات المتهمين الغير ادبية لكنه كان لا يرد عليهم إلا في مرة أو مرتين. بالوقت الذي كان واقفا بالمرصاد لأي خروج عن النص من المشتكين وهيئة الدفاع، الامر الذي فُهّم بأن القاضي كان متسامحا مع المتهمين.  وقد استغل الاخوان * توم وجيري* هي الخصلة السمحة في شخصية القاضي مما وصل الامر ببرزان ان يبصق بوجه أحد الشهود وصدام يرسلهم الى الحجيم وهذا منافي للديمقراطية الجديدة للمحكمة العراقية الجديدة.

كما أن لغتة العربية كانت غير مسبوكة تماما في توجيه الاسئلة مما لم يفهمها المشتكين بشكل صحيح،  وعليه جاءت أجاباتهم مشوشه. كما كان يطلب من الشاهد السري اسم أخيه دون أن يذكر اسم ابيه وعنوانه ومحل عمله وهذه الأسئلة تسهل حصر كيان الشاهد بسهولة. أرجوا ان لا يعتبر نقد شخصي لكن القاضي يجب ان تكون تعابيرة واضحة ودقيقة.

في مثل هذه المحكمة يتطلب ان يكون قاضي حاسما، بليغا، فصيحا وبنفس الوقت روزخون ويفضل أن يكون * حسجة* باللهجة البغدادية، كي يعرف كيف يتعامل مع هذه النماذج من المتهمين، الذين كَسروا كل كحوف الكلّجية والصابونجية والميدان على رؤوسهم.

كانت هذه الجلسة نقطة أنطلاق جديدة للمتهمين، إذ أضافت اليهم نقاط واضحة في أضعاف جو المحكمة وخرج المتهمين من هذه الحلقة بنتائج مرضية، الأمر الذي قلب بعض الموازين لصالحهم، مما غير من رياح الحلقة، وظهر أستياء كبير في مزاج العراقيين. كان مخطط لهذه المحكمة ان تستثمر لصالح الأنتخابات القادمة لكنها ولدت أنفعالات سلبية فأجلت المحكمة الى ما بعد الانتخابات.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com