خصال المرشح الأنتخابي

الدكتور لميس كاظم

lamiskadhum@hotmail.com

( 3 )

يستعد المرشح العراقي لخوض الانتخابات الثانية المزمع أجرائها في 15.12.2005. سيكون امام المرشح، كما كانت أمام من سبقه، حملات أنتخابية قصيرة المدى ومحدودة الأنتشار بسبب الوضع الأمني المتدهور، يعد فيه ناخبيه بتحقيق مطاليبهم الأساسية والملحة ملوحا بوعود عسلية إذا ما تم انتخابه. ولكن بعد انتخابه هل سينفذ المرشح وعوده التي قطعها أمام ناخبيه هذا ما ستثبته السنين الأربعة القادمة؟.

 أن أسلوب الكتل الأنتخابية والتي تمثل مجموعة أحزاب سياسية مختلفة الأفكار والبرامج سوف تساعد على العمل ضمن القاسم الأنتخابي المشترك لبرامج القائمة المقدمة. لكن لن يسمح لا الوقت ولا حتى التزاحم الأنتخابي أن يقدم كل حزب على انفراد برنامجه الأنتخابي الذي قد يختلف نسبيا مع برامج القائمة العام.

 هذا التداخل بين البرنامج الخاص لكل حزب مع البرنامج العام للقائمة سيخلق بعض التشويش الأنتخابي لدى المرشح . فهو سيتكلم عن البرنامج العام وبنفس الوقت سيكون مجبر على الدفاع عن سلوك وتاريخ الاحزاب المؤتلفة في قائمته مما سيقلل من قوة المحاججة وسيسبب له بعض الحرج في الاجتماعات العام. أن هذا الأسلوب سيخلط الأحزاب كلها في برنامج واحد ويذوب الخاص في العام مما يقلل من اهمية دور كل حزب على أنفراد وبالتالي فأن اي فشل في القائمة سيعم مستقبلا على كل الأحزاب بنفس القدر رغم ان المحاصصة متباينة بين أحزاب القائمة الواحدة.

أننا يجب ان نسلم بحقيقة هو أن العراق الديمقراطي الجديد سيبنى على أنقاذ تركة سياسية، أقتصادية، أجتماعية، مدنية، مؤسساتيه ثقيلة وممارسات فردية، لا ديمقراطية، سابقة لم يشهد لها العراق السياسي على مدى قرن من الزمن. لذلك فالمرشح العراقي الذي دخل المعترك الأنتخابي سيولد من جديد وبمواصفات ديمقراطية جديدة ( رغم الرحم الموبوء الذي نشأ فيه) وسيتصلب عوده وخبرته ووعيه الأنتخابي في خضم المعارك الأنتخابية السلمية المتعاقبة. لكننا سنرى في هذه الدورة الأنتخابية ثلاث نماذج من المرشحين لهم خصال مختلفة عن سابقيهم:

 

المرشح الاول:

 ولنسمية جدلا المرشح الوطني، وهو امل كل الناخبين والوطن الجريح في النهوض بمهامة التي وعد بها جمهوره وان يستمر المرشح بنفس الحماس الوطني الذي خاض تجربته الأنتخابية وبجهادية عالية ونهج وطني مخلص ونزيه طيلة فترة أنتخابه. وهو سيسعى الى تنفيذ وعوده الأنتخابية التي قطعها على نفسه وأمام ناخبيه وسيحول خطاباته الى فعل يومي ملموس. وهذا الفائز سيكون قد اختار اصعب الطرق الدمقراطية لتنفيذ برامجه وبتقديري في هذه الدورة الأنتخابية سيشكلون هؤلاء الفائزون نسبة مئوية قليلة بالمقارنة مع بقية الفائزي  لأسباب كثيرة ومعقدة لكن سأمر على أبرزها:

  • طبيعة البيئة السياسية الفاسدة التي تربى بها هذا الفائز في عهد النظام البائد الذي شجع لولادة مناخ سياسي يكثر فية المتلونين والأنتهازيين والفاسدين والعابثين والسراق ويقل فية المحسنين والخيرين والأصلاحيين. وشاء أم ابى هذا الفائز فأن هذه الأمراض ألتصقت بجزء من سلوكه الوظيفي رغم كل محاولات التشذيب لكن أربعة عقود من ممارسات سلطوية فاسدة لايمكن ان يتطهر منها الفائز بسهولة. هذه ليست محاولة للتشكيك بوطنية هذا الفائز أطلاقا وأنما سلوك الماضي البغيض سيفرض بعض ضلالة المعتمة شاء أم أبى.

  • طبيعة العقل السياسي المعارض الذي جاء من المهجر محمل بعقدة الحرمان من المناصب القيادية في زمن الصنم مما أفرز الواقع بعض النماذج السياسية التي همها هو الظفر بالموقع القيادي والحكومي والأحتفاظ به. هذا التزاخم سيفقد معايير الكفاءة المهنية وبحكم موقعه في قيادة حزبه وكتلته الأنتخابية سيحاول التنافس مع كل من يحاول ان يزيحه من هذا المنصب الذي حرم منه طوال فترة نضاله السياسي. 

  • الأنفلات الأمني والأغتيالات المنظمة المستمرة بعد سقوط النظام الصنمي سيقلل الفرص أمام الفائزين الوطنيين النزيهين ان يشقوا طريقهم بوضوح وعلنية في تنفيذ برنامجهم المتعارضة مع الاكثرية المتمترسة في مؤسسات الدولة. هذا الفائز سيكون اكثر من غيرة عرضة للأغتيال والأبتزاز والطعن، لانه سيواجة أعداء حقيقين وعلى عدة جبهات في أن واحد، أثناء تأدية مهامة الوطنية النزيهة.

  • غياب ثقافة الوطن وطغيان ثقافات طائفية، قومية، عرقية، حزبية ضيقة مما سيبيح لممثلي هذه الثقافات أن يصهروا ثقافة الوطن ضمن مشروعهم الضيق  ويتلاعبوا بمقدرات البلد وخيراته بأسم الدفاع عن الوطن والأخطر أنهم سيبررون هذا السلوك بشرعية ديمقراطية ومبدء الحزب أو الكتلة الفائزة والمسؤول المدعوم والمحسوبية الطائفية والقومية والحزبية. وبالتالي سيحاول مروجي هذه الثقافات أن يقفوا حجرة صلبة امام الفائز الوطني ويوهموه بأنه يشكل أقلية ونشاز ضمن سياق المجتمع العام.

  • ضعف دولة المؤسسات الشرعية والأجهزة الرقابية والامنية النزيهة التي تحمي المؤسسات الحكومية من اللصوص الفاسدين والمرتشين وبنفس الوقت يتطلب أن تحمي الفائز نفسه من الأبتزاز والتضييق الحكومي.

  • أنتهاك السلم الاهلي وعدم حماية الفائز نفسه أمنيا مما يسهل لكل أعداء الديمقراطية أن يمارسوا لغة الترهيب والأختطاف والقتل ضد كل الفائزين الوطنيين.    

 هذه الأسباب وغيرها ستعرض الفائز الوطني الى ضغط شديد من عدة محاور قد تؤدي الى استنزاف طاقته وأرهاقة بمشاكل أكبر من طاقته الشخصية والأدارية مما يجعلة يدور في دوامة مرهقة. وأهم أبرز هذه الضغوط هي:

    1. القوات الأجنبية صاحبة القرار السياسي في تأسيس هذه التجربة الديمقراطية والمخططة لها بحدود واضحة لشكل النظام الديقراطي القادم في العراق. هذه القوات ترغب في أقامة نظام ليبرالي عراقي يحمي مصالحها بالدرجة الأولى ويؤمن أستمرار النهج الديمقراطي في العراق بالشكل الذي ينسجم مع خططها الأستراتيجية. وهنا قد يدخل الفائز الوطني، المحدود الصلاحيات، في صدام غير متكأفئ مع أحزاب وشخصيات عراقية وطنية مدافعة، بشكل غير مباشر، عن سياسة وبرامج هذه القوات وتمتلك صلاحيات أكبر من صلاحيته الأنتخابية مما قد تحجر على نشاطه وتضيق الخناق على صلاحياته كما شهدنا ذلك في فترة حكومتي علاوي والجعفري.

    2. دور المؤسسات الحكومية المؤبوءة بأمراض حكومية مستأصلة في جذور مؤسسات الدولة العراقية لعقود من الزمن كالرشاوي والفساد الاداري والأختلاس ونهب المال العام وهدر ممتلكات الوطن والبيرقراطية والتسيب والمحسوبية والتزلف والتقرب من المسؤول واخرهم هو ضعف ثقافة القانون. هذه العوائق ستشكل جدارا قويا ضد كل من يحاول ان ينظف هذه المؤسسات من تلك الأمراض. إذ لازال الكثير من مؤسسات الدولة مختنقة بهذة الأمراض ومكتضه بشخصيات من ذلك الزمن الغابر الذين لم ولن يوافقوا على تسهيل عمل هذا الفائز الوطني القليل الخبرة الادارية بالمقارنة مع تلك القطط السمان .

    3. طبيعة الكتلة الأنتخابية التي يمثلها الفائز الوطني نفسه. فهي خليط غير متجانس حزبيا وفكريا لمجموعة أحزاب وحركات سياسية ومهنية ومؤسسات مجتمع مدني ألتقت في الخط العام لخوض إنتخابات مشتركة وبأهداف وطنية مشتركة عامة. لكن بعد الفوز ستحاول رئاسة الكتل فرض شروطها على المرشح الفائز مما قد تضيق الخناق عليه وتلزمه بضرورة الالتزام بثوابتها  العامة التي قد تختلف عن ثوابته الوطنية والحزبية. كما ستظهر قادة الكتل،  بعد الفوز، تحالفات جديدة لتشكيل كتل الجمعية الوطنية والحكومية الجديدتين مما يتوجب ظهور شروط اخرى قد تختلف عن شروط الأتفاقات السابقة والتي قد تزيد من المشاكل أمام  الفائز الوطني.

    4. تمتع القوى الظلامية والتكفيرية والأرهابية والعصابات المنظمة والقوى الرافضة للعملية السياسية بسلطة محسوسة في الشارع العراقي ستساعد على اشاعة ثقافة الخوف والترهيب والأعتداء وستعرقل مسيرة كل فائز وطني شريف يحاول أن يخدم وطنه بشرف وينفذ برامجه بإخلاص وأن أقتضى الأمر ستشرع بإغتياله أو خطف أحد أفراد عائلته.

 

 المرشح الثاني:

هوبطل في كل الازمنة  وفي كل الانظمة وهو يجيد قرأة اللوحة السياسية بحذر شديد في محاولة للتوفيق بين مصالحة الشخصية وبرنامج القائمة التي يعمل تحت لوائها. وسيمثل هذا المرشح نسبة غير قليلة في سلوك الفائزين. إذ سينطلق من الصعوبات الكبيرة التي ستواجه الفائز الوطني متخوفا من هذا الموج العارم المحفوف بالتحديات والضغوطات وبالتالي سيجد التبرير العقلاني بين طموحه الشخصي والأجواء العامة مع مراعاة أسلوب اللباقة المنمقة والتزلف المحترف لمسؤولي وصناع القرار، مكرسا كل خبرته وحيله الوظيفية والفكرية التي أكتسبها في المؤسسات النظام السابق أو في عمله في المعارضة العراقية.

هذا الفائز هو الاوفر حضا، في هذه الدورة الأنتخابية، في تسلق المراكز القيادية وحصد النجاحات الواحده بعد الأخرى بخطاب وطني شفاف وحذاقة سياسية متمرسة. فهو  ببساطة شديدة أستطاع ان يفك رموز المشهد السياسي العراقي المتخبط بين الواقع والأحلام، إذ لا يمكن ان تنفذ برامج كل الفائزين في بلد غني وحيوي مثل العراق ولا يمكن انتهاج سياسة وطنية حرة وسيادة كاملة في ظل الدبابة الاجنبية المنتشرة في كل شوارع ومدن العراق. لذلك سيحاول هذا المرشح ان يحقق ذاته اولا ضمن ثقافة الوطن وسيتثاقف ضد كل من يحاول أن يحيده عن هدفه.

قد تثير هذه المفارقة مضاجع الكثير من الساسة والقادة ويتخوف البعض منها كونهم يرفضون الوجود الاجنبي وشعاراتهم وبرامجهم الأنتخابية هي وطنية بحتة. لكننا نحن في العراق كما في غيرنا من البلدان، الواقعة تحت الأنتداب الأجنبي الديمقرطي، لا يمكن أن نحقق أستقلال سياسي كامل ونمو أقتصادي وطني متكامل يلبي طموح العراقيين. لكن ممكن ان يتحقق أستقرار برلماني، أجتماعي، مدني وأزدهار أعماري، سياحي، خدمي، وحركة مصرفية واسعة وسنمضي بطريق جديد أختط معالمه لنا حماة الوطن الغرباء الذين خلطوا كل المفاهيم والأفكار والأحزاب في بودقة العراق الديمقراطي الجديد. عراق يبنى بوجة ليبرالي وفق سياسة أقتصاد السوق الحر وقوانين صندوق النقد الدولى والتجارة العالمية التي ستضعف كل اشكال الأنتاج الصناعي والزراعي الوطني والخاص والعام وسينام الأقتصاد العراقي تحت خيمة الدول الصناعية الكبرى ويتحول المواطن الى مستهلك  من الطراز الجديد وهذا ما سيرضى به العراقيين إن تحقق السلم الأهلي وطبق نظام دولة القانون.

 

المرشح الثالث

وهو المرشح المنتفع، سيكون هذا المرشح هو الذي وضع الأنتخابات هدفا واضحا لتحقيق هدفة الشخصي. إذ بمجرد فوزه سيشرع لتحقيق طموحه الشخصي وطموح عائلته وعشيرته التي وصلته الى هذا الموقع والأستفادة القصوى من هذا الموقع القيادي المتميز الذي قد لا يتحقق مرة ثانية. هذا الفائز ستكون نسبته قليلة بالمقارنة مع بقية الفائزين. إذ سيلجأ هذا الفائز الى اسوء أستغلال لمنصبه الحكومي والبرلماني، وسيحاول أن يستنزف اقصى طاقات الوطن خدمتا لمشاريعه وممتلكاته ومشاريع ناخبية من ابناء عشيرتة ومنطقته. وهو مستعد للتعامل مع كل من ينفذ له مصالحه. هذا النوع من الفائزين لا يبحث عن مواقع سيادية وشهرة اعلامية بل يسعى الى وجاهة اجتماعية وبرلمانية تمكنه من الحصول على مشاريع تحقق له ثروة كبيرة وبفترة زمنية قصيرة. إذ سيسخر كل طاقات وخيرات المؤسسات التي تحت أدارته وباقي مؤسسات الوطن لمصالحه الشخصية أما هموم المواطن البسيط الذي منحه صوته فسيكتفي بالوعود وتوزيع الفتات القليل من خيراته.

 قد تكون تكون التجربة الأنتخابية الأولى، التي ستنتهي قريبا، قصيرة في عمرها الانتخابي وجديدة في ممارستها الديمقراطية لذلك لا تعتبر مرجع منهجي ممكن الأستفادة منها في استخلاص الملاحضات المهمة للبحث والتدقيق في سلوك المرشح الفائز. لكن رغم كل الصعاب يمكن تسجيل ملاحضة أولية هامة هو أن أغلبية المرشحين الفائزين في الدورة  الأنتخابية الأولى لم ينفذوا الوعود الأنتخابية بل ابتعدوا عن هموم ومطاليب الناخبين بحيث بات الناخب يؤنب نفسه لانه أنتخب مرشحين لايفون بوعودهم ولم يحققوا برنامج الحد الأدنى من المطاليب الأساسية.

 هذا المؤشر السلبي ليس يتحمله الفائز الأنتخابي لوحده بل هناك جملة من العوامل والمعوقات التي حالت دون تنفيذ برنامجة الأنتخابي.

 هذه الأشكال الثلاثة من الفائزين سيستمرون لتجربة إنتخابية ثالثة وحتى رابعة  لكن نسب تمثيلهم ستتغير مع كل دورة إنتخابية جديد ومع كل أنجازات وأصلاحات توفر الأمان الأقتصادي والاجتماعي والسياسي للناخب. وعندئذ سيولد مرشح من طراز جديد وبثقافة انتخابية مختلفة عن سابقاتها.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com