غدا بعونه تعالى يتوجه العراقيون في داخل وطننا الغالي الى صناديق الحرية والكرامة , ليؤكدوا ان عظمة الشعوب لا تقاس بحاظرها المادي المتدهور فقط . بل بذلك الأرث الثقافي المتراكم , سبعة آلاف سنة , أنها بداية التاريخ المكتوب والمدون بمختلف الطرق .
ذلك المخزون الذي جعلهم يذهبون بصدور عارية الا من الأيمان وحب الحياة ليسطروا ملحمة الأنتخابات الأولى والأستفتاء على الدستور , رغم أنهم عاشوا معاناة الأنسحاق تحت وطأة الدكتاتورية وحيدين , دون ان يتعاطف معهم القريب والبعيد الا ماندر . نعم , لم يشهد التاريخ ان شعوبا جاورة ,أوغير مجاورة قد خرجت بمظاهرات " كما حصلت مع الحالة العراقية" للأحتجاج على ممارسة العراقيين لحقهم الطبيعي في الأنتخابات السابقة , ليشككوا بعدها بأفرازاتها . أن العراقيين قد عاشوا الوحدة والغربة وهم فرحين بسقوط الطاغية , وعاشوها ثانية وحدهم في معاناتهم من الأرهاب بأسم الجهاد والمقاومة .
مع ذلك يبقى شعبنا المعطاء محبا لغيره ما يحبه لنفسه , دون ان يرفع شعار تصدير الديمقراطية , مع تمنياتنا لأنفسنا وللكثير من حولنا من شعوب الدول المجاورة بأن يمن اللة علينا رشدا أنسانيا وديمقراطيا وحضاريا وأسلاميا . قائما على الأعتدال والعقلانية .
وهنا تأتي اهمية أنتخابات الغد أن شاء اللة , فهي نوع لجهاد الأنفس , لأنه منعطف تاريخي يقع على عاتق كل عراقي أجتيازه رغم عدم أستبعادنا بأن البعض القليل منا لم يدركه بكامل عمقه وكل أبعاده , التي ترتقي بضغط ضرورتها لتلامس الوجوب .
فلينفر أهلنا غدا " انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وانفسكم في سبيل اللة ذلكم خير لكم أن كنتم تعلمون " . نعم انها التجارة التي تنجينا من عذاب أليم ,وتبعدنا من مخاطر الوقوع في دورات الأستبداد , ان لم نحسن وضع أصواتنا في موضعها الصحيح بما يضمن لنا , الأبقاء على أمتلاك تلك الأصوات ,بأختيار نواب قريبين الينا , معايشين لمعاناة الأنسان العراقي المقهور في مناطقهم المختلفة .
وبالتالي مستعدين أن يبقوا على قناة الأتصال المباشر مع المواطن , بعد أن يفوزوا بثقته ويحصلوا على شرف تمثيله لا أن يتجاوزوا معاناته اليومية , ليؤسسوا قوانين لا تخدم الا أنفسهم , الأنا الضيقة , كما في البرلمان المنتهي , مع عدم بخس البرلمانيين أشيائهم , القوانين التي صاغوها , رغم قلتها , ورغم الضعف في التصدي الجدي لحالة الفساد الآخذه مستويات مأساوية .
ومن هنا فالأنتخابات المقبلة فرصة لتعديل بعض الأختيارات التي فرضت على ناخبنا المحترم بسبب قانون الأنتخاب السابق .
انها فرصة عمرنا لأختيار نواب خدمة يتوفرون على العزيمة والوعي , مزكين من قراهم ومدنهم , للسير بالعراق نحو مستقبل مشرق , وأنهاء كل أفرازات الأحتلال , انتصارا لأرادة الشعوب ومنطق التاريخ , أنتصارا للديمقراطية والعقلانية .
لا تكرروا ياأحبتي ويا أهلي المأساة باللامبالاة , فهي التي صنعت صدام, فلم تصنعه أميركا وحدها عندما كان حليفها , ولم يصنعه القمع والأستبداد ودعم الخارج . بل صنعه لامبالاتنا الى حد البلادة عند البعض , وخوفنا المبالغ به لدرجات مضاعفة .
أخي العراقي , أختي العراقية الحرة , دعونا لا تكرر المأساة ونقع في دورات تعاقب الأستبداد .
لنختار من لا يبعد أصحاب الآراء الحرة، ويقرب الضعفاء من الذين لايجيدون الا الأطراء والتملق والتزلف.
تلك الصفات التي تهيأ لأجواء الحكم الشمولي.
وبتعبير آخر, لا أحد يولد فرعونا وان كان أبن فرعون، بل للفرعنة آلية تكوين من شروطها وجود من يسمح بها يزكيها وينميها.
دون ان يتوفر بالمقابل الشرط المضاد وهو وجود المنتقد, وربما المشاكس.
تتكون الشخصية المستبدة في الظروف التي أشرنا لها، حتى لو تخفت وراء ظلال من دماثة في الخلق أو ميوعة الغموض وادعاء قبول الآخر وزعم الحرية بدون شروط.
من مظاهر المراحل الأولى لتكوين الشخصية المستبدة، هو مايظهر منه على سطح وعيه في أرساء قواعد الضعف والأعتمادية وتسطيح وعي الدوائر المتسعة حوله بأستمرار، ليكون هو مركزها جميعا.
عندها يبرز عنده الرأي البدء غير القابل للجدل والتحريك والمواجهة على الصعيد العملي لا الكلامي المستهلك بألفاظ قبول الآخر والحوار والشفافية وما أليها.
المستبد به كما قلنا يخلق بأستمرار أجواء ملائمة أكثر لمشروع تكوين المستبد" بكسر الباء" بتضخيم حجمه، وتعظيم شأنه وأضفاء صفات تقترب من القداسة اليه, ان لم تلامس القداسة لهذه الشخصية.
لدوافع متعددة تكون المصلحة في بدايتها والخوف من زوال النعمة أحدى مراحلها لتصل الى الخوف من بطشه الشخصي.
هنا قد يكون المستبد شخصا أو مؤسسة، لافرق، مادام الضعف البشري أمامه موجود ليتحول الى أسوء مراحله وهو الأستضعاف.
ان التسليم التسليم بالطبخات الجاهزة من قبل الغير مهما يكون هذا الغير، طبعا خارج دائرة العصمة التي محصورة بأهلها(ع)، على مختلف الخلفيات، كالطاعة العمياء، والتسليم غير المشروط المستند الى غريزة حب الراحة بعيدا عن أجهاد العقل والنفس في التفكر والتأمل بغية الوصول الى مايقترب من الحقيقة بنسبيتها الزمانية والمكانية، كل ذلك تعتبر من ممهدات جدلية الأستكبار والأستضعاف.
تقول الآية الكريمة في فرعون " فأستخف قومه فأطاعوه " وممكن أن نعكس المعنى أيضا بأن القوم حين أطاعوا الفرعون، أستخفهم, ثم تمادى في أستخفافهم، وهم أستغرقوا في طاعته، لتتشكل دائرة مغلقة من الأستبداد وما يقابلها من طاعة عمياء.
ثم هناك حقيقة أخرى يجب أن نحذر منها لنكون كلنا على بصيرة من أمرنا، لنتحكم بحاضرنا ونوجه مستقبلنا على قاعدة العلم والحرية المسؤولة والمشروعة في أطار ثقافتنا الأصيلة لا بعض التراث المشوه أو الثقافة الوافدة المشوهة.
وهي ان نكون في أقصى درجات الحذر وأعلى مستويات تحمل المسؤولية، تفاديا من الوقوع في السنة الأجتماعية التاريخية.
وأقصد بها تبادل أدوار الأستبداد والأستضعاف .
يقول أمير المؤمنين(ع) : "لا تكن عبدا لغيرك.. "لم يحدد الأمام علي(ع) هذا الغير ولم يحدد معنى العبودية ليترك كل ذلك منفتحا على خط الزمن الطويل.
هل هم أشخاص ؟ أم أحزاب مغلقة تقترب من صفات الأحزاب الماسونية ؟ أم أفكار خاظئة مورثة .
أم أصنام في طور التكوين مثل :
القوي الأمين إإ
رجل المرحلة إإ
القائد الضرورة , جرذ العوجة .
الأمثلة تضرب , ولا تقاس , ولا نقصد بها المطابقة ولا حتى المقاربة .
لكن خوفنا مشروع .يلقي علية السلام بأنواره الكاشفة لتضئ قلوبنا وتنور عقولنا ونحن أمام أنتخابات الأربعة أعوام.هل نكون غدا أحرارا بالعمق , نمارس جذر أنسانيتنا ومعنى عبوديتنا للواحد الأحد، أم نخلد الى الراحة الأبدية لنترك عقولنا في أسر آخرين يخططون لنا أويأمروننا.
بل ربما يرهبوننا في اللحظات الأخيرة، لنظلم أنفسنا من جديد بتقييد أرادتنا بعد أن من اللة علينا بالحرية من صدام وبعثه المجرم ؟