مسرح الجريمة في لبنان ... العرض مستمر

 مهند صلاحات

مواطن مقهور

salahatm@hotmail.com

ذات خشبة المسرح ومكان العرض أو الجريمة، وذات الجماهير الغاضبة المستنكرة للجريمة البغضاء لاغتيال جبران تويني، ذات الأصابع التي أشارت منذ اغتيال الحريري حتى تويني تشير إلى سوريا حتى بدون تفكير، وأنا موقن تماماً بأنه ذات القاتل، وككل مرة سيأتي ميلتس جديد ليحقق بجريمة ويحمل معه للمنطقة تقريراً أعد مسبقاً في مكان ما قبل القيام بالجريمة التي جاء يدعي التحقيق فيها لإدانة سوريا.

ليس دفاعاً عن النظام السوري الذي لا يختلف كثيراً عن أمثاله في المنطقة العربية من الخليج إلى المحيط بقمعه واستبداده وديكتاتوريته، لكن المعالم واضحة والتبجح بدا أوضح وكأن الأدوار بدأت تتقسم بشكل وقح جداً لدخول الفاتح الجديد لبلادنا، وذات الجوقة في كل مكان تغني بصوت أمريكي، ويقود الجوقة كالعادة أحد سادة البيت الأبيض يضبط الإيقاع واللحن الأمريكي كي يغني وينشد البقية رافعين أصابعهم نحو سوريا باتهام، كنوع من الديكور الولائي لأمريكا.

 وكعادته أدان مجلس الأمن الدولي "وبشدة" اغتيال النائب والصحفي اللبناني جبران تويني في تفجير سيارة بإحدى ضواحي بيروت. وندد المجلس في بيان تلاه "المندوب البريطاني" أمير جونز باري رئيس المجلس للشهر الحالي "بأشد العبارات عملية التفجير الإرهابية" التي قضى فيها تويني كما أدان من قبل اغتيال قصير وحاوي والحريري وغيرهم وكما سيدين من سيتم اغتيالهم لاحقاً استكمالاً لمسرحية العرض المستمر.

  وقبل اغتيال تويني تم الكشف عن جرائم وجثث يقال أن الجيش السوري كان وراء هذه الجرائم، والغريب أن البحث في الأرض لا يخرج معه شهداء "تل الزعتر والدامور والمية ومية" الذين قضوا فيه أثناء التحالفات اللبنانية السورية ضد المخيمات الفلسطينية، والغريب أيضاً أن البحث لم يصل حتى الآن لحدود صبرا وشاتيلا ليتم العثور على ألاف الجثث التي خلفها هجوم الكتائب ومليشيات الجميل على المخيمات الفلسطينية بتغطية إسرائيلية في العام 1982م بعد خروج المقاومة الفلسطينية وبقاء المخيمات دون حماية عسكرية.

 وقع اغتيال تويني جاء عادياً بالنسبة للشارع اللبناني، فاللبنانيون في كل يوم ينتظرون التالي وبدأت مسألة توقع التالي حديث العامة، حتى الجماهير المحتجة التي خرجت في مسيرات الغضب والاحتجاج كانت تتوقع ذلك، وربما توقعوا مقتل تويني نفسه لكن ما العمل، طالما أن كل لبناني أصبح عرضة لأن يموت إما اغتيالاً بشكل مباشر أو أثناء عملية تفجير فيكون أحد المارة، والضحية التي لا يسلط عليها الضوء، وكل لبنان على قائمة الاغتيال دون استثناء.

 أنا شخصياً تأثرت كثيراً لاغتيال الصحفي سمير قصير رغم اختلافي في الموقف معه، ليس من ناحية سوريا إنما موقفه من موضوع الحل السلمي الفلسطيني واتفاق أوسلو الاستسلامي، واستنكرت بشدة اغتيال جورج حاوي المفكر والثائر الاشتراكي، إلا أن مسألة اغتيال الكاتب والمفكر بحد ذاتها مسالة مؤلمة ومقززة بذات الوقت بغض النظر عن شخصه وموقفه، فاغتيال القلم أبشع أنواع العنجهية والهمجية ، وبأن يصبح الكاتب كبش فداء هي البربرية الجديدة في القرن العشرين.

 وأنا على يقين بأن قتلة الحريري هم نفس القتلة الذين قتلوا المفكر اليساري جورج حاوي، والذي كان من أنصار فكرة التعايش السلمي اللبناني السوري وكانت فكرته مقبولة جداً في أوساط كبيرة من كلا الطرفين السوري واللبناني.

 القاتل واحد ويختار فرائس مختلفة، فبعد اغتيال الشهيد حاوي قرأت مقالة لصديق لي يتساءل فيها عمن سيكون التالي من الحزب الشيوعي اللبناني في قائمة الاغتيال السوداء في لبنان، فأجبته برسالة: بأن بعد حاوي لن يكون التالي من الحزب الشيوعي، وإنما سيكون من أوساط المعارضة الشديدة لسوريا كي لا يبدو الدور الأمريكي واضح بأن حملة موجهة ضد أنصار الفكرة المعاكسة للرأسمالية الامبريالية الأمريكية من مفكري لبنان الوسطيين من أنصار الحزب الشيوعي .

 لا نختلف جميعاً بأن القاتل الذي سيمر دون عقاب كالعادة هو قاتل مسخ بكل المعطيات، ويختار النخب ليضرب عصفورين بحجر، بأن يغتال مفكر، وبنفس الوقت يكون هذا المفكر وحارساً للفكرة، أو كاتب أو صحفي، وبذات الوقت يجعل من هذه الضحية طُعم لفكرته التي يسعى لتوطيدها وهي إدانة سوريا، فالولايات المتحدة التي تلعب درواً سياسياً وقحاً للغاية في المنطقة العربية وبالذات بعد أن كسرت الإرادة الدولية بعد الحرب على العراق، أدانت بشدة اغتيال تويني ووصفت الحادث بأنه عمل جبان. وطالب المتحدث باسم البيت الأبيض سكوت ماكليلان بتطبيق قرارات مجلس الأمن التي تدعو إلى " إنهاء التدخل السوري في لبنان"، وبدت هذه الإدانة الأمريكية لعملية الاغتيال صيد واضح بالماء العكر بوقاحة واضحة.

 أشعر أن الأمور غدت أوضح من اللازم، وبدا حكم القوي المتسلط الذي يقول ما يريد ويدين من يريد ويبرر دخوله لأي بلد دون أذن أيضاً واضحاً، وقانون الأقوى جعل من العالم الذي حولته العولمة لقرية صغيرة، بدأت هذه القرية اليوم تتحول لمجرد غابة يسود فيها قانون الأقوى فقط، ومعالم الطريق أصبح أوضح بتحويل لبنان كل لبنان على محرقة للسياسيين والكتاب والصحفيين والمفكرين على شاكلة المحرقة التي قامت فيها الــ cia  والموساد بالتعاون مع بعض المليشيات اللبنانية الضالة التي تعاون معها في العام 1982م .

 لبنان الذي استفاد مفكريه من تعدده الطائفي كي يحافظوا على بقائهم فيه محافظين على أنفسهم من قمع السلطات والنظام، الذي يعاني التشتت بسب التركيبة الطائفية للنظام السياسي بعكس بقية الدول العربية كسوريا والأردن ومصر وفلسطين ودول الخليج ودول المغرب، تحولت هذه النعمة لنقمة عليهم حيث أصبح من السهل جداً أن تتحول لبنان بسبب فعل مفتعل إلى مذبحة أو محرقة للمفكرين والكتّاب.

 العرض سيبقى في لبنان مستمراً، وكل لبنان مستهدف في عملية اغتيال بشكل مباشر أو غير مباشر، والقاتل يمر بدون عقاب.

والضحايا الذين سقطوا وسيسقطون دون ذنب يتحولون بسهولة لجواكر لإدانة سوريا فقط لمجرد التبجح الأمريكي في المنطقة، لذلك لا استغرب يوماً أن يتم استخراج جثث شهداء صبرا وشاتيلا من قبورهم ويأتي أحد أنصال الجميل أو بقردوني نفسه ليقول بأن السوريين قتلوهم في مذابح جماعية كان الهدف منها شق وحدة لبنان.

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com