|
هل يحتمل العراق هزة سياسية انتخابية كالتي حدثت في الجزائر؟
علي آل شفاف كلنا يتذكر ما حدث في الجزائر في بداية التسعينات من القرن الماضي, بعد أن تدخل العسكر وألغى ـ عمليا ـ الانتخابات التي فازت بها "جبهة الإنقاذ" بزعامة "عباسي مدني". تعرض الجزائريون بعدها ـ ولأكثر من عقد من الزمن ـ إلى موجات من العنف والذبح والقتل والإرهاب والجريمة, راح ضحيتها حوالي 150000 إنسان. على الرغم من حجم المأساة, إلا أنه لم تكن هناك مخاوف من خطر التقسيم والتفكك, لكون الشعب الجزائري يحمل هوية طائفية وقومية واحدة ـ تقريبا. فهل يحتمل العراق بتركيبته السكانية القومية والطائفية الحالية, هزة سياسية انتخابية, كتلك التي مرت بها الجزائر؟ قبل الولوج في الموضوع, علينا أن نثبت فارقا كبيرا وواسعا بين "جبهة الإنقاذ" الجزائرية المتشددة, وليدة الأنظمة السياسية الرسمية, حيث ولدت وترعرعت بين أحضان "بو مدين", والحركة (الإسلامية) الشيعية في العراق, التي نشأت كمعارضة مهددة ومقموعة ضحت بمئات الآلاف من أفرادها والمتعاطفين معها. وما إن سنحت لها فرصة المشاركة بالحكم حتى أبدت مرونة (غريبة) لا يسمح بها الكثير من العلمانيين, فضلا عن الدينيين أو الإسلاميين, كما في مسألة منح الجنسية لابن العراقية من أب غير عراقي, وكذا في موقفها من البعثيين. فضلا عن أنها تخلت ـ عمليا ـ عن مشاريعها السياسية, وأصبحت لا تفترق عن العلمانيين إلا بالتدين, كونها آمنت بـ "حاكمية الشعب" أو "الديمقراطية" منهجا في الحكم, والتزمت الحريات العامة, وحقوق الإنسان ـ بمفهومها الوضعي الغربي. لذلك فالأصوب ـ برأيي ـ أن نسمي ممثليها بـ "المتدينين", وليس "الإسلاميين". لا يمكن ـ بأي شكل من الأشكال ـ تجاهل النتائج الأولية للانتخابات العراقية, التي تشير إلى فوز "المتدينين" الشيعة بالأغلبية المطلقة, التي تؤهلهم ـ نظريا ـ لتشكيل حكومة لوحدهم, وإن أعلنوا تنازلهم عن حقهم الانتخابي وسعيهم لتشكيل "حكومة وحدة وطنية". فقد سُجّلت هذه النتائج من قبل مراقبي الكيانات, الحاضرين العد الأولي المباشر, الذي جرى في مراكز الاقتراع نفسها, تحت سمع وبصر وكلاء الكيانات المختلفة, ومنظمات المجتمع المدني, والمراقبين الدوليين. وهو ما يعزز مصداقية هذه النتائج. تبقى هناك نسبة خطأ محدودة, تحسمها "المفوضية العليا المستقلة", التي ستدقق ثم تعلن النتائج النهائية, التي ستمثل إرادة وخيار الشعب العراقي. إن عدم توافق هذه النتائج مع رغبات ومصالح ورؤى جهات دولية وعربية معروفة, هو ـ بلا شك ـ العامل الأساس في تعزيز المخاوف من التدخل الخارجي للتلاعب أو لتغيير هذه النتائج. فابتداءا بتصريحات "كيسنجر", وليس انتهاءا بزيارة "تشيني" تتوالى التلميحات الأمريكية والبريطانية والعربية للتلاعب بإرادة الشعب العراقي الحرة, مما جعل الكثير من المتابعين والسياسيين ينظرون بريبة واستغراب إلى طول الفترة الزمنية التي أعلنتها "المفوضية العليا المستقلة" كحد أدنى لنشر النتائج (الأولية). حيث يرى الكثيرون أن ليس هناك من مبرر معقول لتأخيرها إلى ما بعد أسبوعين, في زمن وصلت فيه سرعة انتقال المعلومة إلى ما يقرب من سرعة الضوء. نعم, قد تتأخر النتائج النهائية إلى فترة وجيزة من أجل التدقيق والضبط. إن هذا التأخير غير المبرر, يثير الشكوك في أن هناك تعليمات من جهات معينة من أجل تغيير النتائج غير المرغوب بها, قبل إعلانها. ربما لا يخشى العراقيون التزوير من قبل "المفوضية العليا المستقلة" نفسها, وإنما ممن قد يفرض عليها ذلك, إذ لا يعتقد أحد أن للمفوضية القدرة على الوقوف أمام الضغط الأمريكي أو البريطاني المعزز من قبل دول عربية, مهما حاولت المحافظة على نزاهتها. ومما يعزز هذه المخاوف, هو التلميحات الأمريكية بتحديد أعداد معينة من المقاعد لكيانات سياسية معينة, كتصريح مبعوث الرئيس الأمريكي السابق للعراق "روبرت بلاكويل", الذي (توقع!) فيه أن توزيع مقاعد البرلمان سيتم كالتالي: (100 ـ 125 للائتلاف, 50 ـ 60 للأكراد, 40 ـ 50 للسنة العرب, 40 ـ 50 لعلاوي, و 20 للآخرين). الأكثر من هذا, أنه حدد رئيس الوزراء المقبل وأولويات الحكومة القادمة, بعد أن سبقها بكلمة (أتوقع!). انظر الرابط: http://www.alseyassah.com/alseyassah/international_4.asp ومما يعزز هذه المخاوف ـ أيضا ـ هو تصريح قائد القوات الأمريكية في العراق (الجنرال) "كيسي" بتدخلات إيرانية في الانتخابات! وهي الدعوى ـ عينها ـ التي سبقه إليها "كيسنجر", والتي ما انفك يستخدمها البعثيون والطائفيون, ضد بعض القوائم الشيعية, وقد تستخدم ذريعة للتزوير أيضا.
ومما يعزز هذه المخاوف ـ أيضا ـ هو استكمال بعض وسائل الإعلام العربية والأجنبية ومعها بعض العراقية ما كانت قد بدأته قبل الانتخابات, من حملة لشق الصف العراقي من خلال التسويق لشخصيات سياسية معروفة, ومدعومة بعشرات وربما بمئات الملايين من "الدولارات", التي استغلتها لشراء الذمم والضمائر (انظر ـ كمثال ـ الخبر المنشور في موقع "صوت العراق" تحت عنوان "مراسل الغارديان يشارك في عملية شراء أصوات" على الرابط : http://www.sotaliraq.com/iraqi-news/nieuws.php?id=13472 وأصله باللغة الإنكليزية من موقع صحيفة "الغارديان" على الرابط: http://www.guardian.co.uk/Iraq/Story/0,2763,1667690,00.html لقد بدأت بعض وسائل الإعلام هذه, محاولة بائسة لتفخيم بعض القوائم, التي لم تفلح في الحصول على نصف ـ وربما ربع ـ ما كانت تأمله من خلال ما بذلته من أموال طائلة, وما تلقته من دعم كبير من دول عربية وغربية. حتى وصل الأمر إلى حد إرسال رئيس الوزراء البريطاني "توني بلير" ـ على ذمة صحيفة "الاندبندنت" اللندنية ـ خبراء في الدعاية الانتخابية لدعم إحدى القوائم. إن محاولات من هذا النوع هي ـ على ما يبدو ـ لجعل الأذهان تتقبل ما سيأتي من نتائج مغايرة للواقع, عن طريق ترسيخ معلومات مزورة في أذهانهم. وهو ما يثير القلق ـ بجدية ـ لدى الشارع العراقي. كذلك عمدت بعض وسائل الإعلام إلى نشر أكاذيب مفضوحة ومستهلكة, من قبيل دخول سيارات تحمل أوراق اقتراع من إيران!! الأمر الذي كذبته ونفته المفوضية, والغرض واضح جدا, وهو تشويه فوز قوائم معينة, وتبرير خسارة أخرى؛ وربما التمهيد للتلاعب بنتائج القوائم الفائزة, أو إلغاء عدد من صناديقها. إن أي تزوير أو تلاعب أو إلغاء ـ إذا حدث ـ يعد بلا شك اعتداء على حق الشعب العراقي في تقرير مصيره, واختيار ممثليه؛ واعتداءا على الديمقراطية التي طالما (شنف) "الأمريكان" أسماعنا بسعيهم إلى نشرها في العراق والشرق الأوسط والعالم. وهي بلا شك ستكون عملا لا أخلاقي, وتعديا فاضحا على حقوق الإنسان, يهدد بفشل العملية السياسية الجارية حاليا, ونسفها من الأساس. كما أن أي فعل طائش ـ من أي جهة كانت ـ لتغيير نتائج الانتخابات التي بانت ملامحها واضحة, ستكون له آثار وخيمة على العراق وبنيته السياسية والاجتماعية الطائفية والقومية, وسيجعل من التقسيم واقعا لا مفر منه. لأنه سيشكل دافعا نحو التطرف والتشدد, والتباعد والفرقة والاختلاف والاحتراب بين مكونات الشعب العراقي. مما سيزيد قتامة الصورة في العراق ومنطقة الشرق الأوسط والعالم كله, وبالتالي سيكون تقسيم العراق هو الحل الذي يخرج الجميع من عنق الزجاجة. ولات ساعة مندم. ولأن "الوقاية خير من العلاج", علينا منع وردع كل من يحاول القيام بعملية من هذا النوع, بكافة الوسائل الممكنة, وأولها فضح التوجهات التي تمهد وتهيئ الأذهان لتقبل أي تزوير مزمع. إن أهم ركن من أركان الديمقراطية هو احترام خيار الشعب, وتقبل نتيجة هذا الخيار مهما كانت, وتقبل الخسارة ـ إن وردت ـ بروح إيجابية تسامحية. لأن الخسارة ستدفع باتجاه تصحيح مسار ومنهج وبرنامج الكيان السياسي الذي لم يحظ بثقة الشعب, لكي يتوافق ـ في الانتخابات التالية ـ مع إرادة الشعب وآماله وتطلعاته. وهذا من أهم دروس الديمقراطية وفوائدها. على الجميع نسيان ـ أو تناسي ـ الخصومات السياسية والتوترات التي سادت أيام الحملات الانتخابية, والتفاعل مع الحكومة التي تنتج عن الخيار الديمقراطي, ودعمها من أجل بناء عراق حر وسيد ومزدهر. فأمامنا الكثير من المصاعب التي لا نستطيع تجاوزها إلا بالتكاتف والتعاضد والتعامل بروح وطنية بعيدا عن المصالح الضيقة. هذه دعوة للجميع للوقوف أمام أية محاولات للتزوير, قبل أن تحدث. لأن وضع العراق الحالي لا يحتمل أية هزة سياسية كارثية من هذا النوع. كما أن مصداقيتنا تتمثل في مدى التزامنا بتعهداتنا في احترام شروط ونتائج العملية الديمقراطية, والقبول بخيار الشعب, الذي يمثل مصدر الشرعية في الدستور العراقي الجديد.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |