المشتقات النفطية هي التي سوف تحرق العراق

حمزة الجواهري

hjawahri@hotmail.com

لم يكن تهريب النفط والمشتقات خارج العراق أمرا جديدا على العراق، فقد بدأ فعلا التهريب منذ فرض الحصار على العراق قبل أكثر من أربعة عشر عام، كان صدام وأبناءه أول من هرب النفط والمشتقات بأسعار زهيدة جدا لا تصل إلى ربع سعرها الحقيقي. واستمر التهريب بعد سقوط النظام لتتولاه عصابات مرتبطة بمليشيات وجهات نافذة في السلطة في جميع مناطق العراق. وحين تحركت الحكومة الحالية لتحارب التهريب في الجنوب لأن المهربين معروفين والجهات التي يعملون لصالحها معروفين أيضا وكذا موانئ التصدير وأساليبه عبر الخليج، كانت الحكومة قد حققت بالفعل نصرا كبيرا على شبكات التهريب هناك وكادت أن تقضي عليها، لكن ومن خلال نفوذها في السلطة العليا وسلاح المليشيات التي تنتشر في الجنوب والتي تمول بالكامل من المشتقات المهربة إضافة إلى أموال تصب في أرصدة القادة لهذه المليشيات والجهات التي تدعمها في المنطقة الخضراء، كانت هذه العصابات قد استطاعت من خلال نفوذها أن توقف الحملة الحقيقية والشريفة في الجنوب بذريعة أن المناطق الأخرى تهرب النفط أيضا، فلم تحرم مليشيات الجنوب ومهربيه والسياسيين المرتبطين بهذه العصابات من التهريب وتترك باقي المناطق دون أن يتعرض لها أحد؟ حيث أن التهريب مستمرا في المنطقة الغربية من قبل مراكز نفوذها ومسلحيها وكذالك تهريب المشتقات من منافذ كردستانية أيضا، فهو ماضي بلا ضجة تذكر وكل من يتجرأ ويشير بإصبعه لهذا الأمر، تقطع اليد بالكامل وليس الإصبع فقط.

رضوخا عند هذه الحقائق أوقفت الحكومة حملتها على مهربي الجنوب لعدم قدرتها على الوصول إلى المناطق الأخرى ليكون النهب هو الآخر مبني على أساس المحاصة الطائفية والعنصرية في العراق كنوع من أنواع التوزيع العادل للثروة والفساد الإداري والإثراء الغير مشروع بذات الوقت!!

وهكذا بقي الشعب وأبناءه الفقراء يزدادون فقرا، وترك الأثرياء يزدادون ثراء وقوة ومنعة من خلال مليشياتهم المنتشرة في كل شبر من أرض العراق، ولمعالجة الأمر لم يبقى أمام الحكومة سوى العراقي المسكين لتشل حياته بالكامل تاركة أصل المشكلة والمتسببين بها.

في الواقع إن المشتقات تهرب من البلد ليعاد بيعها للحكومة من جديد بالأسعار العالمية، وبعد أن يضاف لهذه الكميات ما تنتجه المصافي العراقية، تعود الحكومة بيعه مدعوما، وفي الحقيقة هو ليس دعما، لأن سعر البيع لا يمثل شيئا من السعر الحقيقي، حيث لتر البنزين على سبيل المثال يقدر بسبعمائة وخمسين دينار، لكن الحكومة تبيعه بمبلغ خمسة وعشرين دينارا فقط، وهذا يعني أنه يباع بسعر يقدر بثلاثة بالماءة فقط من سعره الحقيقي، أي إن الدعم يصل إلى97% وهذا لا يمكن اعتباره دعم، وإنما نستطيع القول إنه يوزع بدون مقابل ليس على الشعب وإنما على المهربين أيضا. ومع كل الأسف ركزت وسائل الإعلام العراقية ومنها الفضائية العراقية على هذا الجانب فقط ولم تتطرق لصلب الموضوع، بهذا فقدت هيئة الإعلام العراقية استقلاليتها بالكامل وتحولت على بوق إعلامي للسلطة المتواطئة مع المليشيات وعصابات التهريب، لتسهم هي الأخرى بتغذية الإرهاب في العراق، ربما دون أن تعي ما تفعل، أو على الأقل الإعلاميين الذين ساندوا حملة الحكومة للدفاع عن مواقفها اتجاه قرارها الأخير برفع أسعار المشتقات، والمراقب المنصف يشعر أن ذلك الإعلامي وطني حقيقي ونظيف، لكن تنقصه المعلومات والحقائق عن أكبر قضية فساد إداري تتفجر في أرض العراق، والتي تعتبر من أكبر ملفات الفساد الإداري والفشل للحكومة الحالية والحكومات التي تعاقبت، ولو استمر الأمر هكذا فإنه سوف يستمر في الحكومة الدائمة، وليس كما يصوره البعض على أنه نوعا من الحلول الاقتصادية لحالة العراق، خصوصا بعد أن تمسك المسئولين بذريعة البنك الدولي وموقفه من ديون العراق.

الدولة تنتج فقط ثلث احتياجات العراق الحالية من المشتقات، وفي واقع الأمر إن إنتاج المصافي العراقية من المشتقات يفوق حاجة السوق المحلية بقليل، لكن الكميات التي يتم تهريبها من جديد تقدر بثلثي المطروح في الأسواق من هذه المشتقات. ربما يسأل سائلا أن كيف استطعت الوصول إلى هذه الرقم، وهذا حق لا ينبغي تجاهله.

دعونا نعود ليوم السقوط، حيث قبل هذا التاريخ كان النظام المقبور يوزع على الشعب تقريبا نصف ما تنتجه المصافي العراقية من المشتقات ويبيع النصف الآخر عبر منافذه المعروفة في الأسواق السوداء، أي باتجاه سوريا والأردن وتركيا والجزء الأعظم يباع عبر الخليج بمعونة إيرانية حيث هي التي تصدر له ما يسمى بالمانيفست مقابل ستة دولارات لكل برميل من المشتقات أو النفط الخام يهرب عبر الخليج. آن ذاك لم يكن النظام يشتري المشتقات ليوزعها، فما ينتجه العراق منها يكفي لتجهيز الداخل وعمليات التهريب معا. لكن بعد يوم واحد من السقوط، صار العراق لا يصدر المشتقات بل يشتري ضعف إنتاجه منها! وهنا المفارقة الحقيقية، أي من هنا نستطيع أن نقدر الكميات التي يتم نهبها من العراق، فهي حسب هذا التقدير، وبعمليات حساب بسيطة جدا، نستطيع القول إن حاجة السوق المحلي الحقيقية تشكل أقل من خمس ما تطرحه الحكومة، ولكن بأخذ عدد السيارات التي استوردها العراق بعد السقوط بنظر الاعتبار إضافة إلى التحسن الملحوظ في الحالة المعيشية للعراقي مما ساهم بزيادة الاستهلاك المحلي قليلا، هكذا نستطيع تقدير ما يحتاجه السوق المحلي فعلا، لذا يمكن القول إن الحاجة الحقيقية لسوق العراقية من المشتقات هو الثلث من المطروح فعليا، وربما أقل بقليل، والباقي يعاد تهريبه ليتحول على أموال في جيوب المهربين وسلاح بأيدي المليشيات الجنوبية والغربية لترهب وتقتل العراقيين، وما يؤكد صدقية هذه الأرقام، هو ما تعلنه الحكومة هذه الأيام من أنها تستورد ضعفي ما تنتجه تقريبا المصافي العراقية، وتعلن أيضا أن حجم الدعم الذي تقدمه للمشتقات يقدر بسبعة مليارات دولار سنويا، يضاف له المنتج في العراق والذي تقدر قيمته بنحو أربعة مليارات دولار، أي إن الدعم الحقيقي للمشتقات يقدر بحدود أحد عشر مليار دولار سنويا وليس سبعة مليارات كما تحاول أجهزة الإعلام أن تقلل من شأنه، ولو أردنا توزيع هذه المبلغ على ثلاثة ملايين عائلة تعيش دون حد الفقر في العراق وفق برنامج تكافل اجتماعي سخي، فإن عدد المستفيدين منه سيكون تقريبا خمسة عشر مليون عراقي، بواقع خمسة أفراد كمعدل عام لعدد أفراد العائلة الواحدة، فإن ما سوف يصل العائلة الواحدة سنويا بحدود3700دولار سنويا، أي مبلغ300دولار شهريا لكل عائلة من هذه العائلات الفقيرة.

إن هذه المبالغ يستأثر بثلثيها المهربين والمليشيات المسلحة ومراكز النفوذ التي تدعمها في المنطقة الخضراء، نعم المنطقة الخضراء، أي إن ما يستأثر به هؤلاء المجرمين من أموال يقدر بحدود سبعة مليارات وثلثماءة مليون دولار دولار سنويا، والباقي الذي يستفاد منه الشعب يقدر بثلاثة مليارات وسبعماءة مليون دولار، يستفيد منها الغني والفقير على حد سواء، وبكلمة أخرى، إن ما يستفيد منه الفقراء لا يزيد على مليار ونصف المليار إلى مليارين دولار سنويا فقط، أما الباقي كما أسلفنا، يوزع على من لا يحتاجونه من العائلات الغنية، أو لمن يقتلون العراقيين بهذه الأموال!

لنعود إلى موضوع البنك الدولي وشروطه لشطب الديون العراقية، إن البنك لا يستهدف العراقي الفقير أبدا، بل العكس تماما، فإن ما يرمي إليه البنك الدولي هو إطلاق هذه السلع، أي المشتقات، في السوق الحر وأن تكف الدولة عن أي دعم يقدم لها، ولكن لو أرادت الدولة أن تضع برنامج للتكافل الاجتماعي سخي جدا ليرفع من المستوى المعيشي لأبناء الشعب، ومهما كان برنامج التكافل الاجتماعي سخيا، فإن البنك سوف لن يعارض مثل هذا الإجراء أبدا، بل سوف يدعمه إلى حد بعيد بمعونات ومنح سخية أخرى مع شطب كامل للديون وليس جزءا منها، وينبغي القول إن هذا السخاء من البنك الدولي ليس كرما حاتميا، وإنما، هو أحد آليات ما يسمى باقتصاد السوق، هو أن لا يكون هناك دعما حكوميا على أي سلعة مهما كانت، لأن الدعم سوف يزيد من فقر الفقراء ويعطل حركة الأموال والتجارة الخارجية على أبعد حدود، وبذات الوقت يوفر فرصا كبيرة جدا للفساد الإداري الذي ينجر على كل شيء في العراق.

لذا نقول إن الذريعة التي تتذرع بها الحكومة بأن شروط البنك الدولي لشطب الديون هو رفع الدعم عن المشتقات، ما هو قراءة منقوصة للآية الكريمة أن "لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى"، لذا كان على الحكومة أن تصارح الشعب بالحقيقة كاملة وليس بعض الحقيقة متسترة بذلك على المليشيات والعصابات المسلحة ومن يدعمهم في المنطقة الخضراء.

من أهم أدوات النظام الديمقراطي هي الشفافية، فهي المفتاح لفتح جميع الأبواب المغلقة على مصراعيها، وبالتالي مشاركة الشعب بحل المشاكل المستعصية مهما كان نوعها، أما إذا بقي التعتيم مستمرا هكذا، فإنه سوف يفضي بلا أدنى شك إلى ما لا تحمد عقباه، وضياع العراق أرضا وشعبا.

دعوني أكون أكثر صراحة معكم أيها السياسيون في المنطقة الخضراء وخارجها، من جميع المكونات الطائفية والعرقية بلا استثناء، الممثلين في الحكومة أو البرلمان، الذين يقفون بصف الحكومة أو في صف المعارضة، إن مشكلة العراق الحقيقية هي أنتم، ومن ثم تأتي باقي المشاكل، لأن جميع المشاكل لها حل سوى أنتم ومليشياتكم وعصاباتكم المسلحة ومناطق نفوذكم المغلقة وصمتكم وتكتمكم على بعضكم البعض، لأن فضح أي طرف منكم للآخرين يعني فضيحته أيضا، ولا يوجد ملاك بينكم حتى لو أقسمتم بكل نسخ القرآن المطبوعة في العالم.

إن حل مشكلة المشتقات التي سوف تحرق العراق إن عاجلا أم آجلا، يكمن بصراحتكم وفتحكم لجميع الملفات التي مازالت مغلقة، ولا تسمحون بفتحها للشعب ليستطيع قراءتها وتحديد مواقع الخلل الحقيقي، ولو استمر أي طرف منكم بالتكتم على صلب الموضوع، وهو حل جميع المليشيات والقضاء على المقاومة اللقيطة وإعادة جميع الأموال المنهوبة من المتنفذين في السلطة حاليا والذين هم خارجها، والقضاء على رؤوس الفساد والتهريب في العراق، سوف لن تحل مشكلة المشتقات أبدا، ولا الفساد الإداري ولا الإرهاب، وسوف لن يبنى بيت جديد ولا مستشفى كاملة التجهيز ولا فقير يأكل لقمة تسد رمقه بشرف ولا ولا ولا أبدا.

المشكلة فيكم وحسب. 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com