البصرة \"تتونس \" وكركوك تدفع الخاوة ..!

 

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktoob.com

هذا المثل الشعبي العراقي ، الذ ي جعلته عنوانا لموضوعي ، حاولت أن أحرف كلماته ، مع الإبقاء على الغرض الذي يقصده ، وأخفف من تجاوز حروفه على الذوق العام ، التي تخرز عين القارئ بما فيها من قبح ، إلا أن الحقيقة هي دائما وعرة الهضم على من يحاول أن يجانبها بتعسف ، فليعذرني القارئ إن استخدمت كلمة \" يتونس \" خفيفة الظل ، والجميلة عندما تنطلق ، باللهجة العراقية \" المتبغددة \" بعذوبة وعفوية من بين شفاه العراقيين والعراقيات ، صغارا وكبارا على حد سواء ، عندما يطلقونها على لهوهم ، أو عندما يحاولون قضاء وقتهم في تسرية نفوسهم المحاصرة بالهموم ، فهنا ألبست هذه الكلمة وحملتها معاني الكلمة القبيحة ، التي يخدش صوتها أذن سامعها ، وتجرح حياء العذارى , وعين من يقرأها ، ولكن أملي أن أجد من القارئ عذرا ، فالأمثال تضرب للدلالة على الهدف والمضمون ، وليس على الحقيقة الحرفية للمثل ، ومأساتنا نحن العراقيين عصية على الحل في مثل وضعنا الراهن . أقول ، الفساد قد عم واستشرى بين رجال الحكم والمسؤولين ، وحديثي ليس عن النظام السابق ورجاله فهذا شأن قد استغرق عشرات السنين من النهب و\" السلبطة \" على حقوق الآخرين ، إلا أني أتحدث عن عصرنا الأمريكي ، الطائفي والقومي ، الجديد ، فخلال السنتين والنصف المنصرمة ، تشكلت طبقة مترفة ومتخمة الغنى ، وأصبحت تمتلك ملايين ، إن لم تكن مليارات الدولارات الأمريكية ، وليس الدنانير العراقية ، نتيجة لنهب المال العام السائب ، والتهريب الذي شمل كل السلع ، من العراق إلى الدول المجاورة الشرقية والغربية ، وإلى العراق من هاتين الجهتين ، وخصوصا النفط ، لو تعقبنا طريق خروجه خاما ، وعودته مشتقات نفطية مختلفة ، لوجدنا الإشراف على تهريبه ، علنا ، يتمركز بيد أمراء المليشيات وقادة الأحزاب الحاكمة والمتنفذة في الوزارات والمؤسسات الأمنية ذات الارتباطات المشبوهة علانية ، بجهات إما أن تكون إيرانية أو عربية أو أمريكية ، وهذه الجهات الثلاث ليس من مصلحتها استقرار العراق ، ولا ازدهار حياته الاقتصادية ، وبالتالي تسعى ، هذه الجهات ، متواطئة مع الحكومة ومراكز اتخاذ القرار ، لأن يبقى الشعب العراقي بعيدا عن استغلال ثرواته بمختلف الأشكال والصور ، يعتاش على صدقات المتصدقين والدول المانحة ، وعلى ما يقدمه البنك الدولي بشروطه الجائرة ، وبفوائد عالية ، على القروض وعلى الديون ، التي بذمة العراق وفوائدها المتراكمة للدول الدائنة ، مثل الشقيقة إيران ، وما تطالب به هي ، من تعويضات للحرب بمبالغ طائلة واجبة الدفع ولها الأولوية ، خصوصا إذا كانت حكومتنا هي من تتصدر المطالبة قبل أن تطالب بها الشقيقة ، وهكذا تبقى الخزينة على الدوام فارغة ، وليس من يملأها غير فرض ضرائب جديدة ، مباشرة وغير مباشرة على السلع الاستهلاكية ، وهذا ما أقدمت عليه الحكومة الحالية ، وقررته عندما رفعت تسعيرة الوقود ثلاثة أو أربعة أضعاف على ما كانت عليه ، وهذا ما يؤثر بشكل مباشر ومحسوس على مستوى حياة العائلات الفقيرة والشعبية ، لاستخداماتها الكثيرة والمتفاوتة لهذه المادة الهامة يوميا ، في الطبخ والتدفئة والتنقل ، وما يترتب على هذه الزيادة من رفع في الأسعار لكافة السلع ، المصنعة محليا والمستوردة على حد سواء ، وهذا ما وحد الشارع العراقي بوجه الحكومة الطائفية ، أكثر مما لعبت ، هي ، على فرقته وترسيخه أثناء الانتخابات ، فانطلقت الجماهير الشعبية يوحدها الدفاع عن مصالحها ضد إجراءات رفع الأسعار التعسفية ، في مظاهرات واعتصامات ، من شمال العراق لجنوبه ، لمقاومة هذا الهجوم على لقمة العيش . إن الحكومة تتذرع بذرائع واهية وغير منطقية عندما تحاول تبرير الزيادة في الأسعار ، فالعراق بلد منتج للنفط ، والنقص الحاصل في مشتقاته ، يمكن تلافيه خلال أشهر قليلة لو كانت الحكومة حريصة على حل مشاكل الشعب ، حيث كان بالإمكان بناء أكثر من مصفى خلال الفترة المنصرمة ، وهذا ما يحول دون وقوع أزمات ، وبنفس الوقت يخفف من أزمة البطالة ، وتنتفي الحاجة لاستيراد ما يحتاجه العراق من المنتجات النفطية ، إلا إن الفساد المستشري داخل أجهزة الدولة ، واعادة تهريب ما هو مستورد ، يدر أرباحا مضاعفة وأسرع ، وبعيدا عن كل إشراف للدولة وأجهزتها فيما لو بوشر في البناء بمصاف جديدة ، خصوصا عندما تكون الفترة الزمنية للوزراء قصيرة في موقع النهب ، ولا أحد يتكهن بظروف بلد وضعه السياسي غير مستقر ، فاليوم لي وغد بظهر الغيب . إن الاموال المسروقة والمنهوبة من قبل الوزراء والمتنفذين في الدولة ، ومن قادة المليشيات وأمرائهم ، وعصابات التهريب ، الرسمية وغير الرسمية ، يدفع الشعب استحقاقاتها ، من لقمة عيشه ، وعلى حساب أمنه ، وتعليم اطفاله ، وصحة وعلاج مرضاه . سنشهد استمرارا لتدني أوضاع الجماهير المعاشية ، لفترة الحكم اللاحقة ، فتشكيلة الحكومة القادمة هي من نفس النسيج السابق ، إذا ما نهجت نهج سلفها في التغاضي عن الوضع المعاشي المزري لعموم العراقيين ، وتسترت على بؤر الفساد والرشوة والتهريب ، فالقادم من الأيام يؤشر على المزيد من البؤس والحرمان ، ونقص في الخدمات وغلاء للأسعار ، والمحطة اللاحقة من نهج الحكومة ، إلغاء البطاقة التموينية ، على الرغم من قصورها في معالجة الأوضاع المعاشية للجماهير المسحوقة ، وهذا ما سيفسح في المجال للقطط السمان الجدد ، لأن تعبث باقتصاد البلد وأمنه ، ولا من يدفع الثمن ، غير الضحية ، الشعب العراقي لا غيره ، وآنئذ تنطبق حكمة المثل الشعبي العراقي ، على واقعنا في ظل الحكومة الطائفية القادمة ( البصرة \" تتونس \" وكركوك تدفع الخاوة ) .مع تسجيل الإعتذار لكلا المدينتين الرائعتين ..!

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com