الحلقة السادسة * شاهد شاف كل حاجة *

الدكتور لميس كاظم

lamiskadhum@hotmail.com

 

أدلى المشتكي علي حسين محمد الدجيلي الحيدري بشهادته المدعمة بالأدلة القوية. كان شاهدا حقيقيا على كل أشكال التعذيب والقهر الذي مورس بحق عائلته وأهل قريته. هذا الشاهد ذكرني بفلم * التوبة* الروسي التي عالج نفس الموضوع في الحرب العالمية الثانية . كان بطل الفلم طفلا، بعمر المشتكي تقريبا، وهو الوحيد الذي نجى بأعجوبة من المحرقة التي نفذها النازيون بحق أهل قريته. ونجح الطفل في الهروب من الموت الجماعي لكنه رأى اللحظات الأخيرة لأحتراق أمه وأبيه وكل أهل قريته. ظل الطفل يسير أيام وليالي بدون أكل وشرب حتى وصل الى المناطق التابعة للقوات السوفيتية وعندها تفاجأ حين رأى القائد النازي الألماني ومساعديه، الذين حرقو أهل قريته، أسرى لدى القوات السوفيتية. وأنتبه الى شعاراتهم الأنسانية ونعومة تصرفهم. كان القائد النازي يحدثهم عن أطفاله بشفافيه وكم يعشق الحرية وكم كان ديمقراطيا في واجباته ومدى حاجة أطفاله له كأب. بالضبط كما ذكر المتهم المجرم برزان بحاجة أطفاله اليه. وكان القائد الألماني يلتمس منهم توفير الرعاية الصحية ومعاملته كأسيرحرب. لكن الطفل تذكر اللقطات الوحشية لهذا القائد المجرد من الأنسانيه أذ كان القائد الألماني يعيد بيده الى المحرقة كل الأطفال الذين يقذفون من الشباك وهو يضحك بنشوة النصر. حين أستمع الطفل الى خطاب هذا القائد الفظ، جن جنونه فأخذ البندقية وضربه طلقة نارية في فمه. كان يريد ان يسكت صوته الذي كان بالأمس القريب هو الصوت الذي حرق أعداد بشرية هائلة بدون رحمة، واليوم نفس الصوت ونفس القائد يلتمس العدل والأنسانية. أراد الطفل أن يهشم رأسه ليقول له كفاك كذبا وأزدواجية أيها المجرم المجرد من كل القيم. لكن الضابط الروسي منع الطفل من قتل بقية الجنرالات النازية فظل الطفل يضرب صورة القائد الألماني بعشرات الطلقات ليفرغ حقده بما رأي من جرائم أرتكبت بحق أهله وشعبه. واليوم يعيد التاريخ نفسه بعد ستة عقود من الزمن، إذ نرى المتهمون الوحوش، برزان ، صدام، طه والبندر وغيرهم، يلتمسون كل الحقوق الانسانية كمتهمين، متناسون كل الجرائم الوحشية التي أرتكبوها بحق الشعب العراقي. وبمناسبة الحقوق فقد أستفاد المتهم برزان من انسانية وعدالة القاضي، إذ نحج في الحصول على قرار لتحويله الى الفحص الطبي. بل تمادى أكثر ليطالب بأطلاق سراحه بعد اصابته بالسرطان. وعندما سمع الصنم ذلك فز مذعورا وراح يكذب ويلفق القصص عن اساليب التعذيب التي تعرض لها.

 كان الشاهد علي الحيدري يروي بمرارة الجرائم التي أركبها الصنم والأقزام السبعة القابعين معه في قفص الاتهام. كان حضور الشاهد ومعه مذكراته الخاصة ليؤكد أسماء الشهداء. وهذا ما اذهل هيئة الدفاع والمتهمين فهبوا مذعورون، محتجون، يطالبون أن تعاد شهادته بدون مذكراته وقد تناسوا نقطتين مهمتين، الأولى، هي أن قانون القضاء العراقي يسمح للمشتكي بالأستعانة بمذكراته والثانية هو الصنم نفسه سُمح له أن يدخل المحكمة حاملا معه أوراقه الخاصة... فلم العجب إذن؟ أنهم يحاولون أن يسحبوا كل الحقوق من المشتكي كي يضهر أمامهم، مرتبكا، مستضعفا ليتسنى لهم الأجهاز عليه بلغتهم القانونية الخبيثة.

كان الشاهد العلني أكثر وضوحا من الشهود السريين. إذ تميز عن سابقيه بأنه ثبت واقعة أجرامية تدل على جرائم حرب والأبادة الجماعية، إذ حدد بأن هناك جثث كانت مرمية في مقر الفرقة الحزبية وطُلب منه أن يتعرف عليها. فتعرف على تسعة جثث فقط.

كذلك قوة شهادة المشتكي تكمن بأنه الوحيد الذي أثبت بأن المتهم برزان هو الذي نفذ التعذيب بنفسه، ذاكرا واقعة دامغة لا تقبل الشك بأن برزان رفسه برجله في دائرة الأستخبارات وحين أستعلم برزان عن أسمه وأنه ينتمي لعائلة الحيدري، عندها رفض أن يعالجه. هذه الواقعة تؤكد تورط هذا المعتوة في تعذيب المشتكين بنفسه. كما بينت هذه الواقعة دلالة مكان التعذيب الذي يحاول برزان أن ينفيه في كل مرافعاته.

 في هذه الشهادة ركز المشتكي على أساليب التعذيب البربرية التي مورست بحقهم وفضح أشكالها اللأأنسانية كالتعذيب بالعصا الحديدية والصعقات الكهربائية التي سببت الأغماء وحرق وأذابة البلاستك على جلودهم، وتعرية المواطنين ومحاولات الأغتصاب وكذلك التعذيب الجماعي وامام أعين أمهات ونساء المعتقلين وعدم السماح لهم بالنوم إلا  لساعات محددة.  كذلك أشار المشتكي الى موت الأطفال وكبار السن في  دائرة الأستخبارات وسجن أبو غريب ومكان الأبعاد في صحراء السماوة. رغم أن أسئلة المدافع القطري ركزت على تثبيت حالات الموت بشكل طبيعي. وهو ألتفاته ذكية من قبله لكنه نسى الظروف اللأأنسانية التي تعرض لها المعتقلين. ومن أولى واجبات السلطات هو حماية ورعاية المعتقلين بطريقة أنسانية لحين خروجهم من المعتقل وهذا ما تنص عليه كل لوائح حقوق الأنسان. مثلما يطالب الأن المتهمين * الصنم والاقزام السبعة* بحقوقهم كمتهمين.  

 أكاذيب الصنم.

قال الصنم:

ـ *أن الذي حصل مع هؤلاء السادة في الدجيل كان خطأ بسيطا حدث قبل 23 سنة وسبب هذا الخطا هو تبديل مسؤولي  جهاز الأمن. إذ كان يعتقد أن المسؤول السابق قد أخلى سبيلهم ولكن حين علم الصنم، من مصدر غير حكومي بالأمر، أمر على الفور بأطلاق سراحهم  والذين صدر بحقهم قرار الأعدام *

أذا كان سهوا بسيطا يكلف العراقيون 148 قتيل وتشريد أكثر من 400 عائلة وحرمان الأطفال والشباب من المدارس حق العيش وتجريف مئات الدونمات من البساتين. وقد أستمر هذا الخطأ خمس سنوات.. .فما بالك بالخطأ الكبير وكم كلف العراقيون من ضحايا ؟؟؟ لقد نسى الصنم انه يتحدث فقط عن المعتقلين لكن ماذا عن الضحايا هل كان خطأ أيضا؟

 قال الصنم.

ـ * أن المبعدين في صحراء السماوة كانت تصلهم بطاقات تموينية مثلما تصل الى كل العراقيين*

نسى الصنم ان البطاقة التموينية أستحدثت بعد الحصار وليس في زمن الحرب العراقية الأيرانية.

قال الصنم.

ـ * عليكم أن تحترمون العراق حتى تحترمون * وهنا استدرك القاضي فأجابه أننا محترمون.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل أحترم الصنم العراق اثناء حكمه لعقدين ونصف من الزمن؟ أنه أذل كرامة العراق وأستباح كرامة المواطن.

قال الصنم.

ـ * أكو أعز من الأبن. والله أنا اتذكر العراق أكثر مما أتذكر أبنائي*

 لك هذا مو بس كذب مصفط لكنه ناعم أيضا.

 أنه فعلا يتذكر العراق في كل لحظة لكن ليس لخير الأمة وأنما ليقتل ويشرد كل يهمس بكلمة ضده أو من يذكر نكته بحقه وحق أولاده. وكانت عينيه يقضه على كل أبناء العراق ليجلدهم بسيفه وبطشه.

سأله القاضي .

ـ هل تعرضت للضرب.

ـ  *أرجوك سيادة القاضي !! لا لا أنا مو طالب مدرسة عندك...شلون ما تعرضت للضرب... هي أبن الحلال، انا ضُربت في كل مكان في جسمي*

حاول أن يمزح مع القاضي بلغة لا تليق بمتهم يخاطب القاضي بهذه الجملة * أبن الحلال*  لكنه سمح لنفسه أن يكسر الحواجز مع من يحاكمه على جرائمه بالوقت الذي لم يسمح الصنم لشعب بكامله أن يتفوه بكلمة لا ضده.

في هذا الادعاء يحاول الصنم توجيه التهم الى أسياده لكن هذا الادعاء كُذب من قبلهم بعد ساعات من أنتهاء المحاكمة. أنه لا يستحي حتى في كذبه.

أن الذي يدحض كذبهم هو منظهرهم من خلف القضبان والذي يوحي بأنهم قابعون في معتقل خمس نجوم. متوفر فيه كل المستلزمات الضرورية للرفاهية. فالصنم يظهر في هذه الجلسة ببدلة سوداء داكنة. كذلك لباس بقية الاقزام السبعة الذين أرتدوا دشاديش جديدة وعُقل عربية. حتى أن المعتوه طه ياسين كان لابسا دشداشة أم اليلك وهي من أحدث موديلات الدشاديش العربية.

 أعتراضات الصنم.

أعترض الصنم بأن يذكر أسمه موصوفا كرئيس الجمهورية وقد وفق في ذلك.

أعترض الصنم مرتين لوقف جلسات المحكمة كي يكمل صلاته في أوقاتها المحدده . لكن لم يوفق بذلك لأن القاضي أكتشف كذبه. فهو من خلال هذه الأستراحة يحاور هيئة الدفاع ليوجهوه ويفطنوه الى أي نوع من الحوار يستخدمه في  سير المحكمة.

قال الصنم بعصبية.

ـ * حا تخلوني أتصرف وياكم بشكل غيرصحيح*  نسى نفسه انه في محكمة وهو متهم بأقذر أنواع الجرائم وتصور أنه لا زال حاكما ويتخذ قراراته الدموية.

أعترض على أن المتشكين كانوا في الصحراء القاحلة يسكنون في بيوت ولهم باب تغلق عليهم من الداخل وهم أحرار في الحركة والتحطيب في الصحراء الجرداء. وقارن بين زنزانته التي مساحتها  2 x 1.5 متر لوحده والمكيفة وموفر له أفضل أنواع الأكل والراحة. ونسى أن تلك البيوت لا تمتلك أدنى مواصفات القواعد الانسانية للأعتقال. والأهم من ذلك كله، أنه يقارن نفسه كمجرم حرب مع هؤلاء المتهمين الأبرياء الذين لايعرفون سبب أعتقالهم.

 لكنه خاف أن يعترض على ملابس المبعدين في السجون والصحراء وأن يقارن بين ملابسه الفرنسية الأنيقة وبين ملابس النسوة التي تمزقت مما اضطرن الى تقطيع جزء من البطانيات ليسترن أنفسهن. كما تناسى عمدا أن يقارن بين صبغ شعره الفاخر ونوع الماء النقي الذي يتحمم فيه وبين الماء المغلي والمالح في السجون والصحراء، الذي سبب العديد من الامراض وتساقط الشعر.

أستشهد الصنم بأن المتهمين في قضية الدجيل قد أعيدت لهم الأمانات دليلا على أهتمام السجون العراقية بحفظ الأمانات بالوقت الذي لم يتسلم أماناته وساعته الذهبية. لكنه نسى بأن تلك الأمانات عادت وسلبت منهم بالقوة من جديد تحت حجة دعم قادسية العار.
 أعترافات الصنم.

ـ * أنا لا أعرف أسم من الذي وشى بي لكن أعرف أسم الذي دل على مكاني.*

وهذا دليل نافي لجماهيرته التي يتبجح بها.

ـ * أثناء الأحتلال أنا ذهبت الى دوار المطار وقال لي طه هذا أنتحار*

لكن نسى أن يسترسل ويذكر جبنه وهروبه من المواجهة، إذ سقطت بغداد بدون مقاومة وبين ليلة وضحاها.

 أجابات برزان المتناقضة.

في الجلسة السادسة ثُبتت أدانته المباشرة في الجريمة وفق مبدء *من  فمك أدينك*. إذ ادان نفسه بوضوح كامل. فرغم أنه نفى وجوده في الدجيل لكنه عاد وأكد على تواجده هناك على أعتبار أنه مسؤول عن أمن وحماية الرئيس الذي تعرض لعملية أغتيال. كما برر جرائمة بشكل مباشر حين أكد أن البلد كان في حالة حرب والرئيس تعرض لمحاولة إغتيال من قبل حزب محظور ومدعوم من دولة معتدية. وقد برر هذه الواقعة حين أسرف في الأمثلة على الأعتقالات بعد محاولات الأغتيالات التي حدثت في بلدان عديدة كالباكستان والسودان وحتى في محاولة أغتيال جورج بوش في الكويت. لكنه نسى فقرة مهمة أن كل المتهمين، في تلك البلدان، تعرضوا لمحاكمة واستجواب رسمي بالوقت الذي لم يحدث ذلك في العراق.

أكد أن دائرة الأستخبارات مكونة من طابقين. وهوعادة يجلس في الطابق الأرضي ولم يصعد بحياته الى الطابق الثاني ولا يعرف ماذا يجري هناك. أنا بودي أن أصدقك لكن وداعت أمك صبحة أنك تعرف كل طابوقة في هذا المبنى. 

 وهل يعقل أن رئيس أهم جهاز أستخباراتي في العراق لا يعرف ماذا يجري عنده من تعذيب وقتل. ولنسلم جدلا بكذبك وأنت شفاف ورومانسي ولا تعرف ماذا يجري فوقك لكنك تبقى أنت المسؤول الأول عن هذه المؤسسة وعن الطابقين وعن كل جهازالأستخبارات سوى أن عرفت أم لم تعرف.  فالقانون لا يحمي المغفلين والمتغافلين أمثالك أيها المتهم الوديع.

هناك هفوة اخرى وقع فيها المتهم برزان فمن تتبع شهادة المشتكي الأول أحمد الحيدري في الجلسة الأولى يستدرك تناقض أفادة برزان. قال المشتكي أحمد أنه نزل الدرج الى غرفة التعذيب وقتذاك أعترض برزان بشدة وقال أن البناية مكونة من طابق واحد ولا يوجد لها اي درج. لكن اليوم عاد وذكر بأن هناك فقط طابقين. وفي المستقبل قد ترتفع هذه البناية الى ثلاثة أو أربعة طوابق حسب حجة المتهم والعهدة للراوي الكذاب.

 ثكلتك أمك كم أنت كذاب ومخادع وتحاول أن تمر بشافية من تحت الجرائم.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com