|
رامسفيلد وصندوق النقد وتشكيل الحكومة العراقية
المهندس صارم الفيلي عودة ثانية لتصريحات رامسفيلد في بغداد , وتلويحه بصندوق النقد الدولي وديون العراق الدولية , أذا لم تتشكل حكومة تكون للأرادة الأميركية دورا في تشكيلها , ربما تجاوزا على الأستحقاق الأنتخابي . سابقا كتبنا مقالتين عن الديون الكريهة على عاتق العراق , وخاصة الديون العربية والأجنبية التي ساهمت في أدامة ماكنة الموت الصدامية , وكذلك الأثراء غير المشروع له ولزبانيته , ومساهمة تلك الديون لتكريس التمييز بين مكونات الشعب. ثم ذكرنا في المقالة الثانية بأن معظم تلك " الديون " لم تكن ألا هبات لصدام تساعده في لعب الدور المشبوه الذي رسم له . ولا ننسى أن رامسفيلد كان بمثابة المستشار لصدام في تلك الحقبة السوداء . كما ان مستندات التحويل ليست دليلا على كون المبلغ المحول دينا " بتسكين الياء", بدون وجود قرائن تشير الى ذلك بوضوح والى شروط ومواعيد التسديد . لنعود الى موضوع مقالتنا هذه . أن العجز المالي الذي يحصل في ميزانية مدفوعات أي بلد ,لا يمكن أن يستمر لسنوات طويلة, مالم يسارع الى القضاء عليه , والا تحدث له أضرار أقتصادية بالغة. أما بالنسبة الى أميركا فالأمر مختلف . أذ أن أن هذا البلد ليس مضطرا أطلاقا للقضاء على عجز ميزانية مدفوعاته . بل النقيض هو الصحيح , فأنه يستطيع أن يتركه يتراكم لمدة طويلة للغاية , بتغطيته بنقده الوطني " الدولار الذي هو نقد شبه دولي" لأن كل دولة بحاجة اليه , بينما هي ليست بحاجة الى نقد دولة أخرى . وبالتالي فقط المصلحة الأميركية الداخلية هي السبب الوحيد في دفعها لتخفيض عجز المدفوعات . أما بقية الدول فعليها لفعل ذلك شراء الذهب أو العملة الصعبة , وكلا الخياران صعبان بدون وجود مصادر أضافية للدخل . أميركا تستطيع أن تصدر كميات أضافية من الدولارات دون الألتفات الى الأضرار الخارجية لهذه السياسة , وعلى البلدان الأخرى تدبير أمرها . وما تقلبات أسعار الدولار خلال السنين الماضية الى مؤشر لتلك السياسة . ثم هناك نماذج أساسية تاريخية دفعت أميركا ان تتلاعب بسعر عملتها ومنها في الأزمة العالمية الكبرى في الثلاثينيات وكذلك أزمة أرتفاع سعر الذهب الجنوني في نهاية الستينييات من القرن الماضي . الدولار لذلك بقي في مركزه كقاعدة لتحديد أسعار النفط أيضا , لما لها من أهمية عالمية قصوى. بجانب ذلك نرى صندوق النقد الدولي في الظاهر مؤسسة مالية الا أنه في حقيقته يعبر عن تحرك ياسي , "رافد من روافد السياسة الأميركية في العالم " ومرجع لكل المؤسسات المالية الأخرى مثل النوادي المالية والمصارف المركزية الكبرى . وما ساعد الدولار نوعا ما أيضا الودائع المالية الخليجية في البنوك الأميركية والتي تصل الى ما يقرب الى ألف مليار دولار. بجانب كل ذلك , فأننا نجد بالمقابل ان ظهور اليورو المدعوم بقاعدة الذهب , بالأضافة الى الأضطرابات السياسية التي تواجه أميركا نتيجة أستراتيجيتها الجديدة في العالم , كل تلك مؤشرات الى ان حجم المساحة التي يتحرك فيها الدولار لم تعد أمنة كالسابق مما أفقد اليورو صندوق النقد الدولي لكثير من صلاحيته . لما للدول الأوربية من تطلع للعودة العالمية الى قاعدة الذهب ثانية. أن عجز المدفوعات الأميركي بلغ 600 مليار دولار , ويتوقع الخبراء في ظل منافسة اليورو , والأنفاق العسكري الهائل لأميركا أنه بعد عشرة سنوات ستأتي كل ذلك على الميزانية الأميركية . أن عامل القوة الوحيد بيد أميركا هو سيطرتها على منابع البترول وطرق نقله , لا لحاجتها اليه , بقدر منع الآخرين كاليابان وأوربا من الحصول عليه دون المرور ببوابات النظم السياسية والمالية الأميركية . أما الرضوخ لشروط صندوق النقد الدولي , فأدت لنتائج كارثية لكثير من الدول التي تقيدت بحذافيرها كروسيا . بينما نجد دول أخرى نجحت أقتصاديا بتطبيق جزئي لشروط صندوق النقد , بما يتلائم مع حاجاتها المجتمعية الداخلية , الصين أبرز نموذج لذلك . أنها صراع أرادات , ولا يمكن للشعوب الا أن تملك بعدا مؤثرا فيها , والا النتائج كارثية .
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |