رسالة تهديد ووعيد ....فهمناها ونرفضها بشدة

 (قضية الكاتب كمال سيد قادر)

 فرات المحسن

f_almohsen@hotmail.com

كنت قد دخلت هوس تجميع وقائع وأحداث تقع اليوم في العراق وتعد من غرائب وعجائب الأمور، عالم غريب اخترت أن أبحث بين طياته وثناياه عن المعنى العام لهذا الخراب اليومي الممزوج بالوجع والعذابات والدم.لم أكمل الشوط خوفا من نتائج ربما تنعكس على علاقاتي بالأخريين وقبل أن أشط معها في حال لا يسر صديق أو عدو. أصبحت لديّ سلسلة طويلة متشعبة لقوائم لا تعد ولا تحصى عن غرائب شعرت معها بالقرف والتعب ووجع القلب يصاحبه يأس وقنوط وشعور بالمرارة وأدراك بأن الخيبات والنكسات قدر العراق الدائم.لقد شعرت وأنا أجمع تلك الوقائع بأن هناك في الأفق بدايات قوية ومحاولات أكيدة لغلق جميع المنافذ والطرق في وجه أبناء العراق وإيصالهم الى حالة الوهن التام والإحباط.

محاولة توثيق مثل تلك الحوادث والأفعال قادني للاعتقاد بأن العراق أصبح البلد الوحيد الذي يستطيع فيه الفيل الطيران بسهولة وخفة وأن يبيض الديك في ربوعه الغناء دون عناء وفق قاعدة فوضى الحرية الرامبوسفولدية المباركة.

حفظت في أرشيفي الكثير عن سير العملية السياسية وأفعال الساسة وأداء الإدارات الحكومية وغير الحكومية، مجاميع وأفراد. تابعت أيضا تقارير المنظمات العراقية التي راقبت الانتخابات العراقية في الداخل وما كشفت عنه من تزييف وتزوير.

تتبعت تصرفات الفرقاء من قادة الأحزاب السياسية ممن شارك في الأعداد والأشراف والتهيئة والتمهيد والتطبيل والتزمير ورش الويهلية وماء الورد وركَع الهلاهل تحضيرا واستعدادا للانتخابات وعرسها يوم 15 كانون الأول وكانوا جميعا وما شاء الله وصلي على نبيه وآله الطيبين الطاهرين، بحق وحقيق أحفاد أوفياء لخلف بن أمين في التهديد والوعيد والاستفزاز. وهم ذاتهم بلحمهم ودمهم وشحمهم من تنافس على الفوز بمقاعد البرلمان حسب الأعراف الرامبوسفيلدية، ولذا كان التزوير عند السيد فريد أيار وعادل اللامي وباقي الشلة الميمونة والذي وصل حد قتل وتدمير مقرات المتنافسين، يطير بس على ناصي، عند ذلك عرفت مقدار الخسائر التي يتعرض لها العراق كوطن وشعب على يد هؤلاء البواسل.

اليوم أتوقف عند واحدة من تلك العجائب التي ربما لا يستوعبها سجل المرحوم جينس ( بس لا يطلع مرية) ولا غيره من السجلات أو الحلقات التلفزيونية التي تعرض لنا أحدث غرائب وعجائب الكون.أتوقف عند مشهد أحسبه مأزق أخلاقي وثقافي اجتماعي وسياسي أيضا.مأزق يكشف زيف الادعاءات واللغة الكاذبة التي يدار بها واقع الحال السياسي في العراق.مشهد في أعلى مستويات القمع والقتل العلني لمخالفي الرأي وخنق لصوت أراد أن يقول ما شاهده وعرفه ليس إلا.

الدكتور كمال سيد قادر كاتب كردي من كردستان العراق حكم عليه بالسجن لمدة 30 عام بالتمام والكمال. وقبل الخوض في إشكالية ما تعنيه تلك السنوات الطوال التي على السيد كمال قادر أن يقضيها بكامل الوعي والرضا والعرفان واليقين بأنه يستطيع عد أيامها وهو يتنفس ويمارس هواية المشي وزرع الورود وحفظ جزو عمة وتبارك تشبها بالقائد الضرورة صدام أسمك طز أمريكه.وربما يسمح للسيد قادر بمقابلة عائلته وقراءة بعض الكتب وعليه أن يتقبل هذا الحال دون تذمر فهي فرصة لتأمل الحياة وسبر(بحوشة) أسرارها وخفاياها  ومعرفة الفرق بين الحبس لمدة 30 عام أوالموت بحبل المشنقة.فلقد سحبته الأقدار ورحمة القاضي بقوة من فم الموت شنقا أو رفسا ولذا فقد وجب عليه تعلم الصلاة والأدعية الدينية ليحمد ربه على هذه النعمة والإحسان والمكارم التي هبطت عليه ووجب أن يرفع يديه تذرعا ودعاء لرب العباد الذي أدخل الرحمة في قلب القاضي ومن أمره بإصدار حكمه المخفف جدا والذي أنقذه من أمر كان مقضيا ومكتوبا ومحسوما.

قبل كل شيء سوف نبدأ بالتساؤل.

1 ـ ما نوع الجريمة التي أقترفها الكاتب كمال سيد قادر والتي أستحق أن يحكم عليها بالحبس لمدة 30 عاما بالتمام والكمال.

2 ـ هل كان الكاتب كمال سيد قادر أحد الإرهابيين من الذين شاركوا في تفجيرات مدينة اربيل أو غيرها من مدن كردستان العراق.

3 ـ هل رفع الكاتب السلاح وهدد سلطة الحزب الديمقراطي الكردستاني أو أي سلطة حاكمة في أرض العراق.

4 ـ هل أساء الكاتب لشخصية اعتبارية أو أشخاص من قيادات الأحزاب الحاكمة في أقليم كردستان أو العراق.

 هذه الأسئلة يجب أن يجيب عليها ليس فقط القادة والنخب السياسية العراقية وإنما جميع منظمات المجتمع المدني والمنظمات والشخصيات ممن تهمهم قضايا حقوق الإنسان وأعراف العمل السياسي الوطنية الديمقراطية وأيضا صانعي ومروجي ودعاة الثقافة.وقبل كل هؤلاء فأن تلك الأسئلة توجه مباشرة لسلطة الاحتلال وهي راعية جميع شؤون العمل السياسي في عراق اليوم وهي من تطلق سراح من تشاء وتحبس من تشاء وتتدخل فيما تشاء بدأ من قضية أيمن نور المصري صاحب كفاية نورك عليه الى بطولة دوري كرة القدم في بوركينا فاسو.

لم يثبت أو يشار أو يكتب أو يتردد في حيثيات أوراق التحقيق الخاصة بالكاتب كمال سيد قادر ما يشير  لعلاقته بالإرهاب والعمليات الإرهابية أو أنه ساعد على تنفيذ مثل تلك العمليات أو التحريض عليها أو تسبب بمقتل أحد الأشخاص.ولم يؤشر عليه حمله للسلاح ضد الحكومة العراقية أو السلطة في أربيل أو السليمانية وكان السيد كمال وفي جميع مقالاته حريصا وشديد الخوف على وطنه كردستان ويرغب دائما أن يراه أرض طيبة وشعب سعيد.وحين يريد أن يفسر ذلك يعرج بوجع وغضب على كشف وتعرية الانتهاكات والمساويء التي يتعرض لها الشعب.

هذا الوضع وتلك الحقائق تقودنا الى أسئلة موجعة أخرى.

1 ـ هل كان القاضي الذي أصدر حكمه على الكاتب كمال سيد قادر واقعا تحت سطوة التهديد والوعيد من قبل جهة ما.

2 ـ هل القاضي كان مبتذلا منافقا وضيعا أراد بحكمه على الكاتب كمال التقرب من الحاكم على حساب الضمير الشخصي والمهني.

3 ـ هل أن الحكم الصادر بحق الكاتب كمال سيد قادر جاء مباشرة من السلطات العليا ووفق رغبتها ولم يكن للقاضي رأي فيه.

 في جميع الأحوال فأن الإجابة على مثل هذه الأسئلة سوف تثبت أن قرار الحكم بحد ذاته أزمة أخلاقية قبل أن يكون مأزقا سياسيا.أن إحالة القضية وفق منظور سياسي يعد خرقا للقوانين العراقية والدولية.فمسألة الإساءة أو الطعون الشخصية والتجريح أو النقد لها قانونها المحدد والخاص ولا يمكن أن يكون الحكم فيها بهذا الشكل القاسي الذي يقارب حكم الإعدام.

من الطبيعي أن نستغرب قرار الحكم السياسي الذي صدر بحق الكاتب كمال السيد قادر بعد أن شنفت أسماعنا موسيقى الديمقراطية التي انطلقت من حناجر كثيرة ورحنا نحلم بربوع خضراء غناء تعم فيها الديمقراطية وسلطة القانون وأعراف العمل السياسي بشروطه الحضارية،ولكننا نفاجأ كل يوم برصاصات متعمدة توجه لذلك الحلم من قبل ساسة العراق الجديد وتطلق بدم بارد مع سبق الإصرار والترصد.وفي عملهم هذا يدفعونا عنوة نحو هاوية اليأس.أنهم يقتلون الوليد بسادية بشعة، يمزقون جسده بلذة دموية.أنهم يقتلوننا جميعا.

أننا شعب لا يستحق الموت على الأرصفة وفي المنافي والسجون ولا نستأهل الخوف وتكميم الأفواه والتغييب بعد كل تلك السنين العجاف التي شبعنا فيها ومنها جورا وموتا.... جميعا لا نستحق أن يحكمنا صدام وزبانيته فلا تعيدوا علينا ذات السيرة وذات الأفعال.بقينا نبتلع زقوم العذاب والجور وهربنا من ظلم وتجنبا لأذى ولكن الخوف ما زال يعتمر قلوبنا.

لقد تأملنا فيكم ومنكم خيرا بعد أن حسبناكم شاركتمونا جمر العذاب في عهد الطاغية وأننا جميعا كنا ضحايا التهميش والتغييب والقتل. ولذا ظننا أنكم أول من يضمد جراح أبناء شعبه وأن قلوبكم سوف تتسع لفرط تذمرنا وشكوانا،ولكن ثلاثون عاما من السجن للكاتب كمال سيد قادر في جميع أوجهها ومعانيها لن نحسبها غير رسالة تهديد ووعيد موجهة للجميع ...أن أصمتوا وإلا....  

   

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com