رسالة عاجلة الى أنصار الشمعة

أمير علي الساعدي / السويد

بعد محن و نكبات أحاطت بعراقنا الحبيب و شعبنا الصابر الغيور , انقشعت غيوم المآسي و الحرمان و ليل الظلم الأليل فتراءت أمام أعيننا خيوط شمس الحرية و الأمان و أخذ أحدنا يوصي الآخر بنفض غبار السنين العجاف التي خلت و الاستعداد لاستقبال سنين الرخاء و الدعة و الاستقرار .. و تذكـّر كـّلُّ منا أحبته الذين افتقدهم في سالف الأيام و تمنى أن يكونوا معنا كي يشاركونا فرحتنا و ابتهاجنا بهذا النصر العظيم , الذي لولا تلك الدماء الزكية التي قدمها أولئك الأفذاذ من شهدائنا السعداء لما كنا قد وصلنا الى ما وصلنا إليه من نصر مؤزر ستبقى الأجيال المتعاقبة تفتخر به كلما تذكروا ملحمة البطولة و الشهادة و الفداء ..

علينا أن نعيش ذكرى أولئك الشهداء دائما , ونقول ما قاله ذلك الشاعر الثائر مستعرضا ما كانت عليه نفسه حينما يسيطر عليها الوهم و هو في سجنه :

أولم يكن خيرا لنفسي أن أرى *** مثل الجموع أسير في إذعان

ما ضرني لو قد سكتّ و كلما *** بلغ الأسـى بالغت في الكتمان

هذا دمي سيسيل يجري مفطئا *** ما ثار في جنبيّ من نيران

و فؤادي الموار في نبـضاته *** سيكفّ في غده عن الخفقان

و الظلم باق لن يحطم قيده *** موتي ولن يودي به قرباني

ويسير ركب البغي ليس يضيره *** شاة إذا اجتثت من القطعان

و لكنه يستفيق , فيقول :

هذا حديث النفس حين تشف عن *** بشريتي و تمور في وجداني

و تقول لي أنّ الحيـاة لغاية *** أسمى من التصفيق للطغيان

أنفاسك الحرّى و إن هي أخمدت *** ستظل تغمر أفقهم بدخان

وقروح جسمك و هو تحت سياطهم *** قسمات صبح يتقيه الجاني

دمع السجين هناك في أغلاله *** و دم الشهيد هنا سيلتقيان

نعم هذا هو عالم المضحين , وهذا هو عالم الشهداء , و هذا هو معدن أولئك الأفذاذ .. كانوا يعيشون صراعا حقيقيا و هم في مطامير الأرض , كانوا يخيرون أنفسهم بين العيش في حياة رغيدة تحت كنف الطغاة , و بين حياة العز و السمو بين يدي الله سبحانه , و لأن عقولهم نيّرة و قلوبهم مطمئنة و أنفسهم تواقة للرقي الى العلياء , أبت نفوسهم الأبية و هم أنصار أبيّ الضيم الإمام أبي عبدالله الحسين عليه السلام , إلا أن يلتحقوا بركب الشهداء السعداء مع النبيين و الأوصياء عليهم صلوات الله و سلامه . و يتركوا الدنيا الدنيّة بكل ملذاتها لأصحاب اللذائذ و عشّاق المناصب و طلاّب الوجاهة و حملة فكر الـ أنا .

بعد هذه المقدمة يا أحبتي أقول , بأن من كان يستند الى هذا الجدار الصلب و يقف على هذه القاعدة القوية و يحمل تراث أولئك الأبرار , لا يمكن أن يكون كما تريدونه أن يكون مطلقا , و إلا فمن تتولون في أيامكم هذه لا يمكن أن يكون الوريث الحقيقي لذلك الفكر الأصيل إن كان يريد السلطة و كرسي الحكم غاية و ليس وسيلة لتحقيق العدل و المساواة بين العباد .. فنحن كنا في سالف الأيام نحلم بغد يجيئ فيه حاكم يستند بحكمه على مبدأ النبي الأكرم صلوات الله عليه و على آله و على مبدأ أمير المؤمنين عليه السلام حينما قال : (( إن خلافتي عليكم هذه لأهون عندي من عفطة عنز , إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا )) .

و اليوم و بعد زوال النظام الصدامي الدموي و بعد أن تخطى شعبنا عدة امتحانات و نجح بها بشهادة العالم الحر , فكانت الانتخابات حدثا مدويا لا يمكن أن ينساه كل من عاصرها و وضع أولى لبناتها و شارك فيها , و مؤخرا و قبل اسبوعين بالتحديد جرت الانتخابات البرلمانية و ها نحن ننتظر النتائج تعلن من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات .. و العراقيون مجمعون على تقبل النتائج إلا بعض الذين تعوّدوا الانقضاض على السلطة بواسطة السلاح و القوة و القهر , و هؤلاء يستجاهلهم شعبنا و يرمون في مزبلة التاريخ مع صدام و أزلامه و كل الطغاة على مر العصور .

يـــــا أنصار الشمعة .. ولكني

أرى بين الرماد وميض نار *** و يوشك أن يكون له ضرام

و إن لم يطفها عقلاء قوم *** يكون وقودها جثث و هام

فإنّ النار بالعودين تذكى *** و إن الحرب أولـها كلام

أرى بأن هناك عمليات نخر من داخل بناء الائتلاف العراقي الموحد , ممن يضيق صدرهم بأن تكون هناك وحدة وبناء متماسك بين سائر الكتل و الأحزاب الشيعية , وتتراءى لي الآن نفس الوجوه التي كنا نراها بالأمس القريب قبل سقوط النظام , ممن كان همهم الوحيد هو تسقيط الطرف الآخر بأية طريقة و بأية وسيلة حتى لو كانت على حساب المبادئ و القيم , متناسين بأن هدف الجميع واحد و مبدأهم واحد و غايتهم مشتركة , غاية ما هنالك هو اختلاف الوسيلة , و التي جعلوها غاية بدلا من أن تكون طريقا يوصلهم الى تحقيق الغاية العظمى و الوصول الى الأمل المنشود .. و لم يكتفوا هذه الأيام بنخر البناء من الداخل بأنفسهم , بل أوعزوا الى القواعد في داخل العراق و خارجه بأن يكونوا بوقا لهم و أداة طيّعة بأيديهم , فالكاتب يكتب لهم و المنشد ينشد لأجلهم و المتحدث أمسى عصفورا يغرّد ألحانهم ..

و دعونا باختصار نترجم ما يقولون و نصنّفهم .. هم طرفان رئيسيان بعض يقف مع الدكتور إبراهيم الجعفري و يرى بأنّه الأصلح لرئاسة وزراء الحكومة القادمة , و البعض الآخر يقف مع الدكتور عادل عبدالمهدي ويرى بأنه الأصلح لرئاسة وزراء الحكومة القادمة .. و كل طرف من اولئك يعطي لنفسه الحق في تصنيف الآخرين و أنه يرى مصلحة العراق دون غيره .. و لكنهم تناسوا بأنّنا خبرناهم و عرفنا و منذ أمد بعيد طريقة عملهم و ما تنطوي عليه نفوسهم .. و كم تمنيت أن تتبصروا طريقكم و تحاسبوا أنفسكم و تعلنونها صرخة مدوية في أعماق نفوسكم كي تطهروها مما علق بها من أدران ما مضى من حال كنتم أسارى على يد أضغانكم و أحقادكم , لا لشيء سوى أنكم تبغون الوصول الى مجد تتخيلون أنه منجيكم و موصلكم الى بر الأمان .

و لكن اعلموا يا أنصار الشمعة , بأن المجد لا يبنى على لبنة من حقد أو ضغينة , بل المجد يطلب الانسان إن هو تركه , كخيال الانسان مهما بالغ ذلك الانسان أن يدرك خياله الذي أمامه لن يصل إليه أبدا , و لكن ما إن يدبر الانسان عن خياله حتى ترى الخيال يتبع صاحبه أينما كان و أينما حلّ . فدعوكم من أحقاد ما مضى من أيام و تمسكوا بوحدتكم التي أرادكم الله سبحانه أن تكونوا عليها (( واعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا ))

ثم يا أحبتي .. إن عدنا الى سبب فرقتكم هذه الأيام فأقول .. لو كانت المفاضلة بين الدكتور الجعفري و بين أياد علاوي لكنت أول من ينادي و على رؤوس الأشهاد بأن هذه جريمة لا تغتفر , فكيف تتساوى الثريا و الثرى ؟؟؟ و لكنكم تفاضلون بين علمين من أعلامنا في الجهاد و العلم و التقوى و الوقوف بوجه الطغاة على مدى عقود من السنين حرموا فيها أنفسهم من لذائذ العيش و تغربوا في المنافي البعيدة .. فكان الأجدر بكم و بمن تمثلونهم أن تنظروا الى المصلحة المشتركة بين هذين العلمين , و تعلنوها بضرس قاطع بوجه كل من يريد النيل منّا .. كلاهما فاضل لدينا و لا فرق بين الجعفري و بين عبدالمهدي .. المهم أنهما ينطلقان من مكان واحد وهو التشيع و يستقيان فكرهما من منبع واحد وهو فكر أهل البيت عليهم السلام و غايتهما واحدة و هي الوصول بالعراق و العراقيين الى بر الأمان .. و بذلك تكونون قد بعثتم بخير هدية معطرة بالأزاهير الى أرواح كل شهدائنا الأبرار .. وهم يرون كيف أنكم قد قدّرتم تلك التضحيات التي ضحّوها على مدى عقود طويلة و جادوا في آخر المطاف بنفوسهم ... و الجود بالنفس أقصى غاية الجود ..

وكلمة أخيرة أقولها للدكتور إبراهيم الجعفري و الدكتور عادل عبدالمهدي , أنا على يقين تام بأن كل واحد منكما مخلص في عمله متبصر طريقه مسترشد بهدى من تولاهم ماض على ما عاهد الله عليه في سره و علنه و أنكما ستوصلان البلاد الى بر الأمان وإيصال البلاد الى ما كنتما تأملان و ترجوان .. ولكن كما تعلمان بأن المقام لا يسمح إلا أن يكون واحد منكما في ذلك المنصب فتحليا بالشجاعة و أعلنا معا موقفا نفخر به ما حيينا و يفخر به كل جيل يأتي من بعدنا , وذلك بعقد لقاء مشترك بينكما تتفقان فيه على تأكيد منهج مدروس تشتركان في وضع لبناته معا , ثم بعد ذلك يتنازل واحد منكما للآخر كي يسير مركب الإصلاح .. و في هذا رضا الله تعالى و يقينا أن أرواح الشهداء ستسعد و هي بين يدي رحمة الباري تعالى .. و كأني بتلك الأرواح أسمعها تردد نشيد آخر المشوار

لكن اذا ابتعد الظلام و مزّقت *** بيد الجموع شريعة القرصان

فلسوف يذكرني و يكبر همّتي *** من كان في بلدي حليف هوان

و الى اللقاء تحت ظل عدالة *** قدسية الأحكام والميزان

اللهم اشهد أني قد بلّغت

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info***bentalrafedain.com