|
غزة, شارون... وساسة العرب!! ياسر سعد- كندا ما إن اندحرت قوات الاحتلال الاسرائيلي عن قطاع غزة تحت ضربات المقاومة الفلسطينية وعملياتها حتى تلقى شارون المديح والتقريظ من الادارة الامريكية وغيرها على ما أُعتبر خطوة شجاعة وصائبة في طريق السلام الطويل والمعبد بدماء وأشلاء الابرياء الفلسطينيين. وأُستقبل شارون في الامم المتحدة استقبال الابطال وتم الاحتفاء به كرجل شجاع قادر على صنع السلام واتخاذ الخطوات الصعبة والشجاعة لتحقيقه والوصول اليه!!! بطبيعة الحال ما كان ذلك لُيستغرب, فالعالم اليوم تحكمه وتتحكم به قوانين القوة لا قوة القوانين او الاعتبارات الاخلاقية او الانسانية. فالاحتلال الامريكي غير المشروع للعراق تم تشريعه في مجلس الامن, رغم الاستهتار الامريكي بذلك المجلس وتجاوزه في تلك الحرب والتي أدت الى تدمير العراق ونهب مقدراته وقتل عشرات الالآف من ابنائه الابرياء. وحقوق الانسان والديمقراطية تستخدمان على الساحة الدولية بطريقة انتقائية ولتحقيق مصالح الدول المتنفذة على الساحة الدولية, فالانظمة الوالغة في الدكتاتورية والاستبداد تصبح مقبولة ومعتدلة إذا كان استبدادها مفتاحا لصفقات الاسلحة وغيرها من العقود والاستثمارات مما يعود بالنفع على اقتصاديات الدول الكبرى والمتنفذة دوليا, غير ان تلك الانظمة الاستبدادية تَستقبل من الانتقادات الحادة والتعليقات اللاذعة الشئ الوفير اذا ما اضطرت لإتخاذ موقف سياسي لا يرضي اللاعبين الكبار ولو كان منطلق ذلك الموقف مراعاة الرأي العام المحلي او امتصاص غضب الشارع ردا على حادثة استفزازية او موقف مهين. أن تمتدح الادارة الامريكية شارون إذ يندحر من غزة متعهدة بدعمه ومساندته فهذا الامر متوقع وطبيعي, فالمحتلون والقتلة والظالمون بعضهم اولياء بعض!! اما أن تتهافت دول عربية للتطبيع مع "إسرائيل" والهرولة بإتجاهها تحت لافتة مكافأة شارون والدولة العبرية على انسحابهم من غزة ولتشجيعهم على اتخاذ خطوات مشابهة ولاحقة في طريق المسيرة السلمية , فهذا امر مثير لمشاعر السخط والاشمئزاز. فهل من المعقول ان يكافأ المعتدي والمحتل على إضطراره للتخلي والتراجع التكتيكي عن عدوانه في غزة حتى يتمكن من بسط هيمنته الكاملة على مناطق أُخرى؟ وإذا كان العراق الواقع تحت احتلال غير مشروع منذ ما يربو على ثلاث سنوات يدفع مكرها وبسخاء تعويضات فلكية على احتلاله لأشهر معدودات لدولة الكويت فلماذ لا يطلب من الدولة العبرية دفع تعويضات على احتلالها الهمجي لقطاع غزة والذي طال الانسان والمقدرات لما يقارب اربعة عقود؟ ثم إن القوات الاسرائيلية المنسحبة قد عمدت لتدمير المستوطنات غير الشرعية تدميرا كاملا حتى لا يستفيد الفلسطينيون ويتنفعوا منها باسلوب يدل على حقد دفين لا يسعى الى سلاما ولا يصبوا الى وئام. المشجعون لشارون على سلامه أغمضوا عيونهم المصابة ابتداء بعمى الالوان السياسي عن سوره وجداره والذي مزق اراض الفلسطينيين بالضفة وحول حياة الكثيرين منهم الى معاناة مستمرة كما انهم تجاهلوا ان غزة ما بعد الانسحاب تحولت تحت الحصار الاسرائيلي الى سجن كبير تحت رحمة محتل حقود ليس في قلبة ذرة من رحمة او مثقال خردل من إنسانية. ها هو شارون يعلن عن إنشاء مناطق عازلة في القطاع وهاهو جيشه يقصفها ليتم إخلاؤها من الفلسطينيين وها هي طائرات الاحتلال وصواريخة تقصف وتقتل وتهدد وتتوعد, فمالنا لا نرى الذين ارتفعت اصواتهم من المسؤوليين العرب بالتشجيع لشارون إثر اندحاره من غزة موقفا ولا نسمع لهم صوتا ولا همسا. هم قادرون فقط على المكافأة والاندفاع والهرولة بإتجاه الدولة العبرية وعاجزون ومنكسرون عن المعاقبة او الاحتجاج على العربدة الاسرائيلية او حتى مواساة الشعب الفلسطيني وتعزيته في شهدائه وجرحاه. إن انظمة تفتقد لمقومات الشرعية بكل اطيافها وتفتقر الى الانجازات الحقيقة علمية كانت او صناعية او انسانية, تجد ان سبيلها للبقاء في سدة الحكم هو في الرضا الامريكي, ومفتاح القلب الامريكي سياسيا في يد اللوبي الاسرائيلي, من هنا نستطيع ان نقرأ تشجيعهم ومدحهم لشارون وشجاعته وقدرته على صنع السلام بأنه شكل من اشكال تقديم فروض الطاعة ولون من ألوان الانكسار الاختياري في زمن الاستفراد الامريكي.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |