الديموقراطية والاستحقاق الانتخابي..!!
هادي فريد التكريتي
hadifarid@maktoob.com
حتى اللحظة لم تعلن النتائج النهائية للانتخابات كاملة، وقد مضى عليها أسبوعان، والسبب في ذلك الطعون الموجهة لسير العملية الانتخابية ونزاهتها، وما رافقها من دعاوى تزوير وتزييف لإرادة الناخب العراقي، حيث اعترفت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بحصول خروقات في مناطق مختلفة من العراق، فالقائمة الكوردستانية وقائمة الائتلاف الشيعية، وجهت اتهامات للمفوضية لكنها تراجعت عنها، كما أعلن السيد حسين الهنداوي، على قاعدة ( ضربني وبكى، وسبقني واشتكى ) وهذا باعتقادي يصب في خانة استباق الأحداث، وتجيير هذه الاتهامات لصالحهم، فيما إذا حققت القوائم المنافسة لهم أية نتائج غير مقبولة منهم، تمهيدا للطعن بالعملية الانتخابية من قبلهم، وربما استباق الطعن، كلمة \" سر \" للمشرفين على صناديق الاقتراع من مؤيديهم، للبدء بعملية التزوير وفق الخطة المعدة سلفا، وعندما تحقق لهم المطلوب، تراجعت هذه القوائم عن اتهام المفوضية بالخروقات، من يدري فالتزوير أشكال وفنون، خصوصا إذا كانت الحكومة هي نفسها المتنافسة على الفوز.. المفوضية اعترفت بحصول تزوير وخروقات، حيث قالت على لسان السيد حسين الهنداوي \"..بعد تدقيق صناديق الاقتراع والشكاوى المقدمة ضد الانتخابات في بعض المناطق فإنها وجدت خروقات متفرقة وليس عمليات تزوير واسعة..\"، نعم ال \" خروقات \" تعني عمليات تزوير حسبما، اعترف به السيد الهنداوي، إلا أنها غير واسعة.. فمهما كانت واسعة أو ضيقة، فهي في نهاية المطاف تغليب جهة على جهة أخرى، دون وجه حق ـ عمل يعاقب عليه القانون ـ، ويعطي فوزا لطرف ما لا يستحقه، وبالتالي هو تأثير يمارس على حرية الناخب بطرق مختلفة، وغير مشروعة لتزييف إرادته..فالقتل مثلا أو التهديد به، وحرق المقرات، وملء الصناديق باستمارات مزورة، كل هذا يعني \" خروقات \" وممارسة لإرهاب الناخب، لصالح الجهة القائمة بهذا العمل؟ إن استخدام لفظة مخففة ك \" خروقات \" لا يغير من واقع الحال شيئا، فهذا يعني أن هناك تلاعبا وتزويرا في الصناديق، وهناك أمورا أخرى ليس من مصلحة المفوضية أن تعلن عنها، لأنها منحازة أصلا لجهة معينة، فوجود 920 صندوق مشكوك في محتوياتها، كما اعترفت بها المفوضية، أمر خطير جدا، إذا ما علمنا أن القياس لكل صندوق هو 600 استمارة ناخب، وإذا ما صح أن التزوير فقط في العدد الذي أعلنت عنه المفوضية، فهذا يعني أن 18 نائبا قد أوصلتهم هذه الصناديق إلى المجلس النيابي دون وجه حق. وما تفرضه الهيئة من عقاب على التزوير الحاصل في هذه الصناديق هو إلغاء محتوياتها، حسبما صرح السيد عادل اللامي مدير المفوضية \" إلغاء الأصوات في الصناديق التي يثبت التلاعب فيها هو العقاب الذي ستواجهه \" باعتقادي هذا أسلوب (قره قوشي ) يساوي بين الجاني والمجني عليه، وحكم جائر يلحق بالقوائم التي طعنت بالانتخابات، وهو مكافأة للقائمة أو للقوائم الفائزة، فلا يجوز أن يعامل المزور والنزيه بنفس الحكم، العقاب يجب أن يقع فقط على من ثبت عليه التزوير والتلاعب، والعدالة تقتضي احتساب محتويات الصناديق \" المشكوك \" في محتوياتها للقوائم أو للقائمة المعترضة، وليس إلغاء محتويات هذه الصناديق..
بغض النظر عما ستسفر عنه النتائج النهائية للانتخابات، والطعون الموجهة إلى العملية الانتخابية، وحياد المفوضية من عدمه، فالقائمة الفائزة بأكثرية المقاعد عليها أن تحزم أمرها لتشكيل الحكومة، هذا حق انتخابي، وعدم إضاعة الوقت بمباحثات مع قوى خارج الاستحقاق، بحجة تشكيل حكومة \" ائتلاف وطني \" أو حكومة \" وحدة وطنية \"، فحكومة من هذا النوع ستكون ضعيفة وغير قادرة على حلول جذرية تتطلبها مواجهة الواقع العراقي في الظرف الراهن، فالمحاصصة الطائفية والقومية ـ العنصرية، ( التي يسميها السيد رئيس الوزراء الجعفري حكومة وحدة وطنية ) أثبتت فشلها ولا نريد لها أن تتكرر مرة أخرى، أو أن تستمر، لما فيها من ضرر كبير للعراق وللشعب العراقي، ولكل القوى السياسية الوطنية، الحل الصحيح والأمثل هو تشكيل حكومة قوية تتمتع بأغلبية برلمانية، وتنفيذ البرنامج السياسي للحزب أو للإتلاف الفائز، ليتحمل نتائجه، نجاحا أو فشلا أمام الشعب، والأكثرية في المجلس النيابي الجديد هي من تقر ما تراه صائبا ومنطبقا وفق منظورها، لصالح الشعب العراقي، مع ضمان كامل حقوق وحرية الأقلية النيابية المعارضة، وبدون هذا نسير باتجاه خلط الوراق وإلقاء تبعات الفشل في حل ما استعصى على الآخرين، فتجربة الكورد مع الائتلاف الشيعي لا زالت قائمة، وهما من يتحمل فشل حل المعضلات الأساسية التي يعاني منها الشعب العراقي، كما لازال الفشل يخيم على القضايا التي سبق أن تقرر حلها وفق ما هو متفق عليه بينهما، وعلى الرغم من الاتفاق الموثق بين الطرفين، إلا أنها لازالت تراوح مكانها، فلا الكورد جادون بتحقيق وتنفيذ ما توصلوا إليه من حلول متفق عليها، ولا قائمة الائتلاف مؤمنة بما اتفقت عليه معهم، فعلى سبيل المثال، إقليم كوردستان، ككيان وفق المنظور الكوردي، لا يقر الائتلاف تفاصيله بالكامل، من منطلق إسلامي \" لا فضل لعربي على أعجمي...\" وستبقى العراقيل قائمة أمام الكورد في التسليم بالحدود لهذا الكيان، وقضية كركوك، قانون إدارة الدولة قد وضع الخطوط العريضة لحلها، وفق المادة 58، وسمى اللجنة التي ستتخذ الخطوات اللازمة للحل، إلا أنها ما زالت دون حراك، تتجاذبها الشعارات السياسية، فالكورد يلقون باللوم على الائتلاف لعدم الحل، بوضعهم العراقيل أمام حسم هويتها، وضرورة عودة المهجرين، من كل الأجناس، إلى مواقعهم، كما يعتبرونها امتدادا جغرافيا وتاريخيا لكوردستان، متهمين الائتلاف بعدم قناعتهم بما اتفقوا عليه فيما يخص هذه القضية، وكثيرا ما توترت العلاقة بين الطرفين، رغم أنهما شريكان في الحكم ويتحملان المسؤولية فيما حصل ويحصل في العراق كله، إلا أن رئيس الائتلاف، السيد عبد العزيز الحكيم، يلقي بالمسؤولية بعدم تنفيذ ما اتفق عليه بصدد كركوك على الكورد، وبالذات على مجلس الرئاسة المتكون من الرئيس العراقي، الكوردي ( جلال الطلباني )، ورئيس الحكومة ( الجعفري ) ورئيس الجمعية الوطنية ( حاجم الحسني ) كما جاء في خطابه أمام البرلمان الكوردستاني قبل يومين وفق مانشرته صفحة صوت كوردستان على الأنترنت..فإذا كان الشريكان في الحكم، الائتلاف الشيعي والائتلاف الكوردستاني، أصحاب العلاقة لحل هذه القضية، المتفق عليها بينهما، عند تشكيل الحكومة السابقة، لم يتوصلا لحل قضية تخص الشريك الأوحد والقوي، فكيف بالكثير من القضايا العراقية الشائكة، وعلى عاتق من سنلقي مسؤولية الخراب والفساد الحاصل، إن كان هناك أكثر من شريك في الحكم؟ هل يمكن أن تتشكل حكومة من قوى سياسية غير متجانسة، في طروحاتها، وتتعارض حلولها، مع ما يطرحه الائتلاف الشيعي؟ فأن حصل هذا وفشلت التجربة، كما هو حاصل الآن من ائتلافين، فعلى من سنعلق الفشل..؟ تشكيل حكومة عراقية قوية، ينطلق من واقع القوى التي تمثل الأغلبية في البرلمان، مهما كانت رؤاها، وفق برنامجها السياسي، هو الطريق الصائبه والصحيحة، وكل محاولة لتشكيلها، من كل أو، بعض، القوى السياسية الممثلة في المجلس النيابي الجديد، ستأتي بحكومة ضعيفة، غير متجانسة ومتعارضة في الحلول المقترحة، فما تراه القوى الوطنية والعلمانية، مناقض لما تقره وتعمل له القوى الطائفية، وإقرار أية قرارات لاحقة وفق موافقة الأكثرية، أو وفق التوافق، التلاقي في منتصف الطريق، هو خلط للأوراق وتمييع للمواقف، وبالتالي في حالة الفشل، تعليقه على حكومة الوحدة الوطنية، أو حكومة الوفاق الوطني.
إن أردنا حكومة وحدة وطنية حقيقة، علينا أن نلغي كل ما له علاقة بالمظاهر الطائفية السائدة، في الواقع السياسي والاجتماعي، وتقييم هذا الواقع على أسس وطنية، فالمصلحة الوطنية تتعارض مع المصلحة الطائفية..وإلا فالديموقراطية مع الاستحقاق الانتخابي وما صوتت له الأكثرية...!
العودة الى الصفحة الرئيسية