|
دولة القانون في الفكر الأسلامي العلوي الأصيل
المهندس صارم الفيلي القانون حاجة ضروية لتنظيم الأجتماع البشري بشكل عام , وألأجتماع السياسي بوجه خاص . لذلك يقرن الكثير من الفلاسفة وعلماء الأجتماع مفهوم الوطن والوطنية , بمفهوم المساواة أمام القانون , عندها يكون حب الوطن فضيلة سياسية كما يعبر عن ذلك مونتسكيو . أننا نعتبر التطور في الفكر العالمي حالة تراكمية تتجه بالضرورة الى الكمال عندما نتقدم على مسار خط الزمن الطويل . يخضع كل ذلك لشروط طبيعية وعوامل أجتماعية , تتفاعل لتبلور حاله معرفية معينة في مقطع من مقاطع التاريخ . لكن هذه الشروط لا تجدها كصيغة شاملة وكلية " أستغراقا" . فهناك نصوص أصيلة تنفتح على الأحوال المجتمعية المختلفة لتجد تعابيرها على أشكال وأصول تستوعب ماهو متغير . لأنها ذات أبعاد مختلفة , تدور في دائرة المعنى المرتبط بالشروط المكانية والزمانية من ناحية . ومن ناحية أخرى تتجاوزهما لتنفتح على ما يمكن أن نطلق عليه مغزى يعين أتجاهه من المعنى , منطلقا في الوقت نفسه كأمكان يتحول بأستمرار لفعل ثقافي وحضاري متجدد . النصوص الأصيلة , وفق نظرتنا الأيديولوجية المعتمدة على قواعد فلسفية كلية , تعني بالأنسان والطبيعة وماوراء الطبيعة . عالمي الغيب والشهادة , تتمثل بالقرآن الكريم وأحاديث المعصومين المعتبرة . هنا ناتي لموضوعنا وهو دولة القانون , لنرى الأنوار العلوية كيف تكشف لنا أسسها في ذلك الزمن الممتد لأربعة عشر قرنا . يقول أمير المؤمنين ( ع ) الذليل عندي عزيز حتى أخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى أخذ الحق منه. نعم , أنها دولة القانون، حيث تحتكر سلطاتها وسائل العنف اللازمة لضبط المجتمع وفق قواعد دستورية موضوعة من قبل الشعب. مواطنوا هذه الدولة يستطيعون ان يشخصوا الأخطاء والتجاوزات المالية التي تصدر عن أفراد اقوياء بحكم المنصب والعشيرة دون الخوف من عواقب الثأر أو المحاكمة العشائرية " الفصل " , وكذلك دون الرضوخ لضغوط الأرهابيين ومن يمثلهم سياسيا. من الذين يوصفون بأنهم مع الأرهاب ليلا , ومع العملية السياسية نهارا . أو من يقول عن الأرهابيين وأعمالهم الدنيئة " بالعمليات الجهادية " ولا يستبعد وتوافقه الأنخراط فيها أذا أقتضت الحاجة إإإ . أن مبدأ سيادة القانون يؤسس لمجتمع متطور يتمتع أفراده بعلاقات متكافئة، وهنا تقع المسؤولية على الشعب ان يعين من أنتخبه. الأمام علي (ع) يقول " أيها الناس, أعينوني على أنفسكم" وهنا يأتي دور القيادة كي تحرك حياة الناس في خط العدل بأنصافها للمظلوم فيحلف الأمام (ع) وهو يبين برنامجه في الحكم "وأيم الله لأنصفنّ المظلوم من ظالمه" ليرجع للمظلوم حقّه الذي منعه أياه الظالم أو غصبه منه, "ولأقودنّ الظالم بخزامته والخزامة هي حلقة من قليل شعرٍ تجعل في وتر أنف البعير حتى يشد فيها الزمام ويسهل قياده, وقد استعار الأمام (ع) هذا المعنى للدلالة على عدم التهاون مع الظالم على ظلمه. هذا هو مقياس قربنا أو بعدنا عن المبادئ الأسلامية المحمدية العلوية. بدون تلك المبادئ لايمكن الحديث عن وجود وطن ومواطنة . لأن هذه المفاهيم مشروطة بالمساواة بالحقوق والمساواة أمام القانون , وبتعبير آخر المساواة السياسية والمساواة الأجتماعية . ليتحول الوطن بدونهما الى أرض , وكائنات بشرية تتحرك عليها وتتنازع في بعض مواقعها فيما بينها , متساوية فقط في الحيثية الطبيعية . هنا ستكون المواطنة خالية من محتواها لأفتقارها الى المقدمات الضرورية اللازمة لها . فيتحول الأشخاص عندها كمن يريدوا أن ينالوا غناهم على أيدي هادميهم , وعلى حساب بقية الشعب . لأن وظيفة القوانين السياسية أو الحقوق السياسية هي توحيد المجتمع, ووظيفة القوانين المدنية أو الحقوق المدنية هي الحفاظ على وحدة المجتمع. وثمة روابط ضرورية بين الحقوق المدنية والحقوق السياسية, تجعل من المتعذر قيام أحداها بمعزل عن الأخرى. ولعل من أبرز معالم الاستبداد عدم وجود هذه الصلة بين الحقوق السياسية والحقوق المدنية. علما اننا أننا عندما ندرس كل الخطوط الأسلامية الأصيلة فسنجد أن القيادة تخضع للقانون . ففي الوقت اننا نعتقد ان محمد (ص) وهو سيد الخلق , فأنه وقف أمام الناس وهو في آخر حياته وفي مرضه الذي توفي فيه ليقول للناس "إنكم لا تمسكون عليّ بشيء . إني ما أحللت إلا ما أحلَّ القرآن وما حرّمت إلا ما حرَّم القرآن " , وكأننا به (ص) يقول للناس أنني خضعت للقانون الذي يحكمنا جميعا , وكنت في مسيرتي معكم , عشنا سوية الأسلام بحلاله وأمتنعنا كذلك سوية عن المحرمات . نعم , هناك ولاية في الأمور التنفيذية خضعت لحساب المصلحة العامة للشعب , وهكذا في سيرة علي(ع) وغيره من أئمة العصمة عليهم السلام . وأكتفي بهذا
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |