|
سيدتي المؤنفلة على شاشات التلفزة وداد عقراوي بعد التأمل في شمس الاصيل بشئ من التفاؤل وهي تميل غروباً في لقطة ملخصة تختزل الدوران باجلال ودلال وراحة بال، راقبت السماء من النافذة بحثاً عن تغيير للحال باي حال من الاحوال... رأيت بضعة نجوم متلئلئة تنشر بريقها بأمل... السحب السوداء الركامية الممطرة تحاول حجبها بغيرة وكسل وعجل. الليل الحالك تسلل، وأسدل بهدوء وغزل اليأس المكلل بزعل... كوابل من الظل... لتحدث الوجود عن سجلها الحافل بجهدها المتواصل للافصاح عن الحل الامثل لتلافي التدمير الشامل. سمعت صوتاً هامساً في لحظة شوق وجدال... لن اطيل اكثر في هذا المقال قبل ان اجهر بان ما ارويه هنا ليس من نسج الخيال... وانما حقيقة ـ سرد لواقع سنحمله امانة في عنق الاجيال ... لعله يُسمع من افواه اطفال روضة الاجيال ليغذي مسيرتها، ليصبح رحمة الى جيل الاجيال وخبرة عبرها... لانهاء صراع ولعنة الاجيال. كنت سانام مبكرة لاستيقظ مبكرة ونشيطة للشغل الشاغل... قبلها قررت ـ بعد بذل جهد جبار ـ ان افارق الكومبيوتر على غير عادتي لاقضي الليلة متسمرة امام شاشة التلفاز منتظرة نشرة الاخبار والنقد المبتذل. اطلقت سراح افكاري لتترتب بالكامل وتبرم اتفاقا مشتركا حول جدول زمني لتسهيل الوصول الى العمق المأمول والمعتدل بخصوص عملية الاستدلال حول عمل وسائل الارسال والاستقبال لدي... لتعطيل او الحيلولة دون تمويل اوتحويل او تفعيل الخطة التي ستوصل الى طريق مسدود ونحن لا نزال في مقتبل الليل والسجال. ومضة برق خاطفة لفتت انتباهي، وقلبتُ نظري لامعن بصري في النافذة وجذع الشجرة المكحول. القطرات، دموع الخليل اشتد عودها، نشأت هنا وهناك ونمت وترعرعت لترطم بالجدار، بالمرمر المصقول... المطر تردد قبل هبوطه فوق زجاج النافذة وتناثر بفضول... وها هي دمعة زميل تسلم على اخرى بمودة وبدون مقابل... فالحب غير زائل. وها هي تقترب منها شيئاً فشيئاً كموج البحر الهائل، موجة تسابق اخرى، وبمجرد تلاحمهما تحبذان الانفصال... بدون تفريط او تداول او تنازل. بعد جهد جهيد قبَّلتْ الدمعة صديقتها بصدق... اسرعت وامسكت بيدها... تمايلت كل منهما ورقصتا معاً رقصة ولادة الموت وموت الولادة ـ الاتصال والتواصل. ولكن وكما يقال فبقاء الحال من المحال... قبل النشرة مباشرة بُثت لقطات تحمل جملة مفردات بجلل واثيرت فيها الكثير من الملاحظات لحث المشاهد للمشاركة في الانتخابات بعزيمة افضل. لحظة، لقطة كادت تخلع زوايا المنزل المنعزل: سيدة مرمية فوق هامات الاطلال... سهام السم قطعت نياط قلوب ضحايا المنطقة ككل... قلوبهم المثقبة برماح الظلم والظلام لم تنزف دماً بل آلماً فقط والآلم تلاشى بعدها في قلوب الاخرين مع قدوم هموم ايام الاذلال... في الحال خيم صمت مكدس بالاثقال... الصمت احييى ثانية الزمن، الحق المسلوب والمهمل وسهول باليسان وشيخ وسان وبهدينان التي تحولت بفعل تابون وسارين الى اطلال وعجائب رمال، تقاسيم صحراء حلق فوقها في يوم من الايام طائر رحال... وهذه السيدة المجبرة: عاشقة الهلال والاطلال، هزت المواجع وذكرتني بهمسها بمنظر رأيته وعشته مراراً وتكراراً وانا ابنة الرابعة عشر: عندما تحتضر الانامل يُسمع همس الحروف والقوافي في كشكول الرسائل... مسك الختام مع زئير الانامل. ظلتْ واجمة تتمعن فيَّ، اما انا فجليت على الكرسي، لم تحملني قدماي بل الذكريات المؤلمة المطبوعة في وعاء جرحي واحزاني هي التي حملتني، كما حملت ذراعاي المحبطتين مع هاتفي النحيل. التزمت الصمت في ذلك الليل الطويل. السواد ازداد اسوداداً واغلق طوقه علي... فجأة اكتشفت انني كنت سجينة... نعم سجينة... في سجن خامل... سجينة الحزن والسواد والظلام السرمدي الدامس والليل ايضاً... اجل الليل ـ اسيرة الليل الذليل... في زمن ليس له مثيل. نظرتها من بين يديها وتمنيت الترحال للخلاص من الجدل الشائك والمتداخل في داخلي ولكن... في لحظة التمني يبقى التمني حلماً صعب المنال. غادرت عالم الواقع لادخل عالم الخيال هرباً من حلقات المسلسل، لانسى محنة مئات النساء والأطفال... لانسى الساعة التي ارتجت فيها الارض في ذهوول وزلزلت الجبال ودقت طبول الانفال لتقضي على الكل في جميع الاحوال حتى البلابل والحقول والافيال. ذات ليلة او يوم من ايام الظلم اظلمت النجوم او الشمس من الغبار وكأن الكون غرق في غياهب دوامة الاعصار اثر زحف غاز الخردل وجزيئات غازات لمعت خلال ذرات الغبار وهجمت على الرئتين كالذئب في القطيع واحتلت الصدور وحبست الانفاس، فاين السبيل؟ حرب التطبيل والتعويل على الاضاليل والاقاويل بدأت... اختلط الحابل بالنابل فلم يعرف الصائد بالحبال من الصائد بالنبال واسدل الستار على حياة بائسة سميت بالحياة بتجاهل واورَثَتْ اسماء قبائل... ولكن "الحياة" كانت تفتقد لكل اولويات المنطق والعقل ومتخمة بالباطل. بعد انتهاء القتال بين الابطال ووابل الهباءات والذرات من القوة المتحللة من سموم ولادة الموت القهرية اسرع الرجال خارجين بالاسلاب من المواشي والابل والغنائم ولعب الاطفال والاحمال وفُرقت الجواهر والجوائز والاموال. اغمضت عيني، بيد ان عيون الضحايا البائسة اليائسة ظلت امامي تنظر الي بدون ملل او كلل... وتزن النظرات قبل القائها بالف مكيال. حاولت ان اجد في الوجوه شيئاً معنون وقرأت التحسر والدموع والوتين .. لم يبقى من وجوههم سوى ملامح صفراء باهتة من التساؤلات والذهول... افواهم لاتزال مفتوحة من صرخاتهم التي دوت منذ حين ـ منذ اكثر من عقد من السنين... واذا بالظلمة الكئيبة تدخل متسللة في ذهني وبين احشائي. سألتهم عنك ياوفيتي، سيدتي المؤنفلة... فانا ايضاً ابحث عنك... بحثت عنك من قبل... طرقت ابواباً كثيرة دون جواب او اي شئ من هذا القبيل... وتمضي السنين في فراغ بلا طائل... في بكاء دائم على الاطلال... والان لاترغب هذه السيدة العزيزة التي شاطرتك المصير والقبر ان تترك صمتها وتأتي بالرد او الدليل ـ وكأنها في تنويم عميق طويل. ارجو منها همسة ليس الا، اشارة ليس الا، كلمة ليس الا... حتى ولو كانت آه... اطفالي وسيداتي رموز روعة الكمال المذبوح برائحة لها نكهة التفاح اطلقتها صواريخ المتخاذل... منذ ذلك الحين ومثل العديد من المرات وانا اكتب اسمائكم فوق الرمال وقمم الجبال وادعها ترحل برفقة الشلال على التلال والسهول لتكفي من حسنها جلال وتحدث عن جرائم المخادع الدجال والاخطل المختال... اود ان اعثر عليكم او ازور بيوتكم او تفرون انتم منها لتظهروا امامي تحت جنح الليل، لاتأمل ابتساماتكم من جديد ولو كبراق سمائية في عتمة الليل... لتهدوني نجومكم الاسطورية المتألقة الحالمة المحبوبة الناعسة والساهرة لتنور حياتي بخدها الاسيل وتسجل حضورها في كتاب المراسيل... عودة هذه الخاطرة من العهود الغابرة احزنني كثيرا والشاهد دموعي والمناديل... وقسمي فوق جبل قنديل. لم اعرف الراحة لمدة شهر كامل. واخيراً اخذت سيدتي الوفية تنطق بصيغة يكتنفها مدلول الانفعال... بعض التفاصيل والتحاليل احييت شجون الليل والعليل... تنكأ تارة عن الجراح بصراحة ووضوح وتارة بوجل وتعديل... تتوسل: اخرجوني من هذا الصندوق، من هذا التابوت، من التلفاز، لا تدعوني اؤنفل مرة اخرى فيه... اموت واموت واموت وانا ميتة المرة تلو الاخرى... ان كنت سافعل فليكن ذلك من اجل هدف يستاهل هذا التاهيل! تقول: قالوا لنا "الويل كل الويل لكم ياكفار" وانا والله مسلمة ولله الحمد... اصلي واصوم منذ بلوغي العاشرة، أو ليس هذا خير دليل؟ فهل من مجيب... ان كان من الخارج او الداخل... حتى وان كان عابر سبيل او سعفة نخيل؟ تسأل: اين العدل؟ متى ستنتهي لعبة الكيل بمكاييل؟ متى سيزول اللعب على الحبال والكذب والدجل الاسود الذيل؟ متى ساعامل معاملة تخلو من التقليل؟ انا الان لست سوى عبارة عن دعاية اعلامية يؤتى بها حين الحاجة ومن اجل التبديل... متى ساخدم اسرتي والانسانية جمعاء... أهذا مستحيل؟ أليس هنالك من يجيب... كما قلت قبل قليل؟ وعدتها بشئ ولا اعلم لما فعلتها... ولكنني فعلت. وعدتها بايصال نداءها... اردفت قائلة: قد يكون قلبها في المحيط الان... فهو ذكرى جزء كان. ولكنها تتسلل مع ضوء القمر في هدأة الليل، مع سريان دمي المكثف في لحظة غرابيل انين. تسير بجانبي بشجن ... تستوطن الوجدان بتمعن... يرتجف كل كياني كلما رأيتها سلعة معرضة للبيع بثمن، اعلان من اعلانات الانتخابات المنمقة على الجدران... حبيسة حب ضحت باغلى ما لديها من اجله ولكنه لا يزال اسير اعلان الان... اعلان كان... وبمرور الزمان اصبح في خبر كان... وكأنه لم يكن.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |