|
ماذا نريد من مجلس النواب؟
زهير كاظم عبود
بعيداً عن تفصيل السلبيات والأيجابيات التي رافقت عملية الأنتخاب الشعبي لأنتخاب أول برلمان عراقي حر ويشكل التنافس السياسي والقومي والمذهبي أساساً في تنوعه ، بعيداً عن الأختلالات التي نعتمدها في عملية الأقتراع لأول مرة ، ولغرض أن نمارس الفعل الديمقراطي في خطواته الأولى فقد توجه الملايين من العراقيين داخل أو خارج العراق لأنتخاب ممثلي القوائم المتنافسة في الترشيح لعضوية البرلمان ، أو ما أسماه الدستور مجلس النواب . أذن صار لدينا مجلساً للنواب يمثل كل طيف العراق ويفترض انه يمثل سائر مكونات الشعب العراقي ، ولم يتم أهمال أو تناسي أية شريحة من اهل العراق ، مع تحفظنا لللتهميش والاجحاف الذي حل بالصابئة المندائيين والأيزيديين والشبك في تلك العملية ، وهذا البرلمان سيكون قادراً على أصدار القوانين وفقاً لصلاحياته الدستورية . وقبلها صار لنا دستور حظي بموافقة الأغلبية من العراقيين وسيتم لاحقاً تعديل بعض نصوصه بالأقناع وبالحوار وتلك هي لغة العصر والتمدن في الأتفاق على النتائج ليصبح دستور توافقي يتفق مع القواسم المشتركة لجميه اهل العراق . ومع أن مجلس النواب سيتشكل بعد دعوة رئيس مجلس الرئاسة بمرسوم جمهوري خلال خمسة عشر يوماً من أعلان النتائج ، وسينتخب المجلس في أول جلسة أنعقاد له رئيساً ثم نائبا أول ونائبا ثان لرئيس البرلمان . ومايهم المواطن العراقي في هذا الأمر كون الكتلة النيابية الأكثر عدداً سيتم تكليفها بتشكيل الوزارة وفق ما نص عليه الدستور ، وسيكون من الصعب أن تحصل الوزارة التي سيقوم رئيس الوزراء بتسميتها مالم يتفق مع بقية الكتل الموجودة في البرلمان ،ولهذا سيكون الأتفاق والتقارب والتآلف بين مختلف الكتل البرلمانية واجب وطني يفترض ان يتم قبل تشكيل الوزارة ، ومن أجل أن يستقر الوضع ويتم نيل الثقة للوزارة المشكلة بسهولة ويسر وبموافقة النواب للعبور الى الضفاف الأخرى في بناء العراق وأعادة ترميم مؤسساته الوطنية وتخليصنا من الوضع السلبي الذي نعاني منه . أذن مسألة التقارب والأنسجام من المهام الوطنية التي ستكون أمام كل البرلمانيين مهما أختلفت كتلهم وأفكارهم السياسية ، ومسألة التحالفات من اجل العراق الجديد مهمة تقع في ضمائر من تحملوا المسؤولية في هذا الزمن الدقيق والحرج من عمر العراق . ما يهم المواطن العراقي أن لاتظهر التناحرات والأختلافات والتناقضات والأتهامات في عمل البرلمان القادم لتعيق عمل الوزارة وتعرقل مسيرة البناء ، ويطمح الأنسان العراقي أن يتلمس من الأداء الحكومي ما يشعره بأنسانيته بعيداً عن التحزب أو طغيان سلطة الأحزاب على الوضع الأنساني في العراق أو تدخل الميليشيات في قضايا لاتخصها ، وأن تكون الكفاءات والأمكانيات والتخصص بديلاً عن الأفضلية الحزبية في الأداء والعمل وتبوء المراكز الحكومية أذا كنا نريد ان نبني العراق بتجرد بعيداً عن المحسوبيات وبعيداً عن التحزبات والطائفية . يقينا أن البرلمان القادم يمثل كل أطياف العراق ، ولهذا فأن كل عضو في مجلس النواب يمثل كل العراق مما يوجب عليه وطنيا أن يسعى لأشاعة الكلمة الطيبة وثقافة حقوق الأنسان وأحترام الرأي والرأي الاخر والتجرد من الغايات الشخصية والمصلحية كقاعدة أساسية في العمل من أجل أداء برلماني كفيل بأن يعبر بنا الى ضفاف الآمان ويضع أقدامنا حقاً على طريق تأسيس البناء الديمقراطي والفيدرالي . ستكون مهمة النواب من مختلف مكونات العراق أن يتعرفوا على مكامن الوجع العراقي ، وأن يتعرفوا على ماعانته شريحة الكورد الفيلية وضحايا المقابر الجماعية والأنفالات وحلبجة وما جرى على المدنيين الامنين والأبرياء من اهالي الفلوجة والقائم والأنبار وأن يستمعوا للضحايا وأهل الشهداء والمتضررين من الزمن الصدامي البائد ، وأن يتم أحترام القانون في بلد يؤسس دستوراًُ أرادته الأرادة العراقية مما يوجب أحترام تلك الأرادة التي تعززت بأنتخاب مجلس النواب . وستكون مهمة النواب أن يتعرفوا على فقر العراقيين وحاجتهم ليس فقط لوسائل العيش اليومي والضروريات من الخدمات ، وأنما حاجتهم للسكن اللائق بهم والذي انقطعت عنه السلطات العراقية منذ أستشهاد الزعيم عبد الكريم قاسم وحتى اليوم ، وأن يسعوا لأيجاد اية وسيلة أنسانية تجعل هذه المجاميع من الفقراء أن تجد لها سقفاً يأويها من حر الصيف وبرد الشتاء ، وأن تحلم الناس بما يتفق مع حاجتها لهذا الحلم بعد ان صارت السلطة بأياديها . وستكون مهمة النواب أن يتعرفوا على شرائح الفقراء المرميين في حواشي المدن البائسة وممن أهملتهم وزارات العمل والشؤون الأجتماعية في العهود البائدة وكانت تستخدمهم لأغراض الدعاية والترويج الأعلامي . وستكون مهمة النواب أن يتعرفوا على الحقوق والحريات الأساسية التي ضمنها الدستور العراقي والذي ضمن كامل الحقوق الدينية في حرية العقيدة والممارسة الدينية لشرائح عراقية أصيلة لايمكن غض النظر عنها وأن يتم العمل على أن يأخذوا ليس فقط مكانتهم في المجتمع العراقي ، وانما في تحقيق وتجسيد الحريات الدينية للمسيحيين والأيزيديين والصابئة المندائيين والكاكائية والصارلية وكل المذاهب الموجودة فعلاً فوق تراب العراق . مثلما يعنينا أن تتجمع الضمائر وتتفق في تشكيل الوزارة وأن يتم التقارب والأنسجام ، لايعنينا من سيكون وزيراً للدفاع أو للداخلية ، مثلما لايهمنا من سيكون وزيرا للنفط او للخارجية ، المهم عندنا هو العراق ونظامه الجمهوري الديمقراطي الأتحادي ، وأن تحافظ السلطات الأتحادية فيه على وحدة العراق وسلامته وأستقلاله وسيادته ونظامه السياسي كما نص عليه الدستور . وهي مهمة تقع على ضمائر الكتل السياسية التي ستكون في البرلمان ، وهي مهمة وطنية ستكون على عاتق النواب ومن يشكلون رئاسة تلك الكتل البرلمانية ، في أن يكون الأداء منسجماً ومتوافقاً مع رغبة وقبول الجميع ، ودون أن يتم اهمال أية كتلة مهما صغرت ، ودون أن يتم تهميش أية مجموعة مهما كان موقفها قبل الأنتخاب . الأنسجام بين الكتل يشكل حافزاً للقوة في توحيد العراقيين وسعيهم للبناء والترميم ، وجداراً لصد الهجمات الأرهابية البربرية التي تطال الأبرياء من اهلنا في العراق . الأنسجام بعيداً عن الطائفية أو القومية او المذهبية أو الخلافات الشخصية أو الفكرية ، والأنسجام سيجعلنا نعتقد ان النواب لايسعون من اجل المراكز والمصالح والوجاهة ، وانما سعياً مشكوراً ومسجلاً من أجل العراق . فأذا كنا نعتقد حقا ان النواب عراقيين من مختلف مكونات الطيف العراقي ، فحق عليهم ان يترجموا هذه العراقية والأصالة بمواقف النخوة والشهامة والتوحد لأننا احوج مانكون لها في هذه الفترة ، وكل عراقي في كل انحاء العراق يحتاج منهم الألتفات . وهي مهمة مضاعفة بل وتجتاحها شيء من الصعوبة التي تمهد لها الطريق نكران الذات ووضع مصلحة الأنسان العراقي أمام الأنظار ، ومهمة ليست مستحيلة أمام الوجع العراقي وماجرى على العراق من ويلات وظلم وما سطرته العهود البائدة والظالمة بحق العراقيين . سيكون لنا مجلساً للنواب ودستوراً نتباهى بهما أننا أنتخباهم في الزمن الصعب ، وتحدينا الأرهاب ومجموعات الأجرام وبهائم مفخخة تريد بنا وبأطفالنا السوء وبعواء ينطلق من قريب أو من بعيد غير أن قافلتنا سارت انشاء الله ولن تتوقف الا لورود الماء وسقي الورود الجوري والنخلة العراقية . مجلس النواب الذي سيضم كل اطياف العراق سيكون المعبر الحقيقي للتنوع العراق وسيثبت للعالم كيف أن النائب الموصلي يجاهد من اجل خير البصرة وأن نائب الكوت يجاهد من أجل خير الأنبار وأن نائب السليمانية يجاهد من اجل العمارة وأربيل وأن يكون هاجسنا في الأبتعاد عن الطائفية التي بدأ زرعها يتكسر بعد انقطاع ماء الزمن الصدامي البغيض عنها ، ولم تستطع ان تنتشر كداء الجرب في بقاع العراق الطاهرة . النجف والأنبار وديالى والموصل والبصرة والحلة والديوانية والسماوة كلها تناشدكم مثلما تناشدكم بغداد وكركوك وتكريت والناصرية بندقية العراق التي أجرمت بحقها عهود الظلام فأحالتها الى مدينة منسية وبائسة وهي تطل على أهوار العراق الخلابة وزقورة أور وآثار الحضارة السومرية التي تغني لآثار آشور بانيبال في الموصل أم الربيعين ، كل المدن العراقية تناشدكم للبناء وأعادة أعمار العراق . بتوحد النواب نجسد التوحد العراقي ، وبأنسجام النواب نحقق رصف طريق العراق الجديد بحجر الديمقراطية الذي عمده العراقي بروحه وبأناشيده الحلوة ، لتكن كتلة العراق فوق كل الكتل دائماً .
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |