|
يرى كثير من الكتاب و الباحثين في الشأن السوري أن غالبية الأزمات السياسية و الاقتصادية و الإشكالات القومية و الثقافية التي تعصف بحاضر سورية و مستقبلها يمكن حلها بالعودة إلى أسس الدولة الديمقراطية الحديثة و ذلك يعني أن قيام نظام ديمقراطي كفيل بإيجاد الحلول و الأرضية الملائمة لتفتيت الإشكالات المستعصية و التي تعد المسألة الكردية واحدة من أعقدها. و بالرغم من بساطة هذا الطرح و وضوحه و حتى موضوعيته فقد بدا جليا ً بعد إعلان دمشق و ردود الأفعال الناجمة عن طرحه و بعد مؤتمر الأكراد في باريس أن المسألة أعقد بكثير من مجرد إلحاقها ببقية مشاكل و أزمات الشعب السوري، فلقد بدت الاختلاف في وجهات نظر الأكراد أنفسهم عميقة و ضاربة في جذور تتجاوز سطح الخلافات التنظيمية أو الحزبية ذلك أن نسبة كبيرة من المتنورين الأكراد يؤمنون بسورية وطنا ً حرا ً مستقلا ً ديمقراطيا ً دستوريا ً موحدا ً هو الملاذ و هو الكفيل بوصول الشعب الكردي في سورية إلى حقوقه المسلوبة و المغيبة و يضرب أولئك مثلا ً بالعراق الحديث حيث كان وجود دولة بالمواصفات المذكورة سببا ً بحصول كورد العراق على حقوقهم المشروعة و مكانتهم التي تتناسب و إمكانياتهم و قدراتهم و بذلك نرى معظم الأحزاب ذات الشعبية الكبيرة في كوردستان العراق أشد حرصا ً على عراق فدرالي موحد من أطياف أخرى من مكونات العراقيين. (فالديمقراطية عملية متكاملة تمس الأفراد و المجتمع و الدولة في علاقاتهم الداخلية معا ً و الخارجية بمحيطهم الإقليمي و الدولي) بشار العيسى و في الجهة المقابلة تتخذ بعض الأحزاب الكردية مواقف متشددة و أحيانا ً عنيفة إزاء ما يطرح من حلول ديمقراطية للمسألة الكوردية في سورية و تجلى ذلك في موقفها من إعلان دمشق الرافض له تماما ً حيث عدوه خطوة إلى الوراء و تراجعا ً لقوى المعارضة السورية عن مواقف اتخذت قبل الإعلان، و لا يغيب عن بالنا هنا العشق القديم و الرغبة الأزلية لدى الأكراد عموما ً بإعادة بناء دولة كوردستان الموزعة الأطراف بين سورية و تركيا و العراق و إيران و قد لا يبدو هذا الحلم خطأ أو كبيرة حيث أنه من حق الجميع أن يحلم بأصول متوارثة و أمنيات غائرة في أعماق الوعي لكن الواقع المعاش يقول بأن هذه الأحلام و الأمنيات و حتى إذا اعتبرناها نظريات سياسية هي بعيدة المنال و خيالية على الأقل في وقتنا الراهن و هي تشبه إلى حد كبير أحلام و أمنيات بعض العرب السوريين بإعادة إحياء و وجود الأمة العربية الواحدة التي بسطت سيطرتها على ربع العالم تقريبا ً!. و في الجهة المقابلة نجد بعضا ً من شخصيات أو حتى أحزاب في المعارضة السورية العربية اتخذت موقفا ً متشددا ً و عدائيا ً تجاه الكورد حيث يرفضون الاعتراف بوجود قومية أخرى غير العربية و يرون بأن منح الأكراد بعضا ً من حقوقهم إنما هو لفتة كريمة و فضل ينم عن النبل و الأخلاق العربية الأصيلة، فالعروبة هي الأصل و ما عدلها فروع يجب أن تنطوي تحت لوائها و من العار على السوري أن يتكلم بغير العربية، (هل هناك "شعب كوردي" في سورية محمد سيد رصاص – السفير –25/10/2004) أمام هذا و ذاك نستطيع تلخيص رؤية موجزة نساهم بها في حل ما تناولناه من إشكاليات. و تتشعب وجهة نظرنا في محورين اثنين
الأول مبدئي فكري تعيش الشعوب تحت سلطة الأنظمة الاستبدادية في حالة عامة من ضياع الحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وحتى الإنسانية بما ينعكس سلباً على الوطن وأبنائه. ونتيجة لتغلغل الفساد في كافة مفاصل الدولة الأمنية التي يتخذ من الاستبداد غطاءً وحامياً تقبع كل مكونات الشعب بما تمثله من قوميات وأعراق وديانات وطوائف دون الحدود الدنيا لمنظومة حقوق الإنسان المتعارف عليها عالمياً. (ففضيحة النفايات السامة المدفونة في البادية السورية على ما يزيد من عقد و نصف لم تفرق آثارها المدمرة بين أبناء سورية من عرب و كورد و غيرهم) وبالمقابل فإن شعوبا ً أخرى في دول ديمقراطية بكل ما تحمله من اختلافات وتنوعات وأصول متعددة تحظى بحرياتها وحقوقها وسيادتها على السلطات الأساسية في دولة الحق والقانون دولة الدستور والعقد الاجتماعي بين الشعب ودولته دولة المواطنة وحقوق الإنسان. ومن هذا المنطلق فإننا نرى كمعارضة سورية للتغيير الديمقراطي السلمي أن المسألة الكوردية أو قضية الشعب الكوردي في سورية على ما تتمتع به من خصوصية واضحة وظروف استثنائية قابلة للحل والبحث وفق المبادئ التالية: أ_ الحوار الكوردي الكوردي، أي الحوار الداخلي بين الفصائل والأحزاب والتجمعات المكونة والشاملة لكل أطياف الشعب الكوردي في سورية، بما يكفل إعلان توافق يحظى بالأغلبية ويتضمن على توجهات وتطلعات الأكراد أفراداً وتجمعات. ب_ زيادة التلاحم والتقارب والحوار بين الكورد من جهة وفصائل المعارضة السورية الأخرى من جهة ثانية وهذا يعني العمل المشترك بين الجهتين بدافع الحرص على اللقاء وتبادل وجهات النظر وتحقيق التعاون والتفاهم بما يعزز من معرفة وإطلاع واعتراف وتأييد كل منهما للآخر. و هذا يتطلب بداية الاتفاق على مبادئ مشتركة للتغيير السلمي الديمقراطي. و يتضمن طرح وجهات النظر بصراحة و وضوح رغم التباين الشديد. و هنا نشير إلى أن بعض أطياف المعارضة العربية ترى تضخيما ً لبحث المسألة الكوردية على حساب بعض القضايا القومية الكبرى، كقضية الشعب الفلسطيني، و الحقيقة أن هذا الطرح فيه خلط و محاولة من البعض لإبقاء ما يعتقدونه أساسيا ً مقدما ً على كل شيء بمعنى تأجيل البحث في قضايا الحرية و الديمقراطية و حقوق الأقليات و التنمية و العدالة الاجتماعية و الاقتصادية إلى ما بعد حل مسألة الصراع العربي الإسرائيلي، مثل هذه الأفكار التي دأب التيار القومي على ترويجها منذ عقود لم تأت بنتيجة إيجابية واحدة بل على العكس انهارت قوى الدول و الشعوب و ازداد الصراع تأزما ً و تباينا ً و تجلى ضعفا ً لدى العرب و قوة لدى إسرائيل. كل ذلك على حساب دعم الأنظمة الاستبدادية و الضغط على حريات الشعوب العربية (عزمي بشارة نموذجا ً) ج_ القطع مع سلطة الاستبداد والفساد بما يعني أن الحل خارج قبة السلطة التي تسعى بجد في الآونة الأخيرة لشقّ الصف الكوردي وإثارة النعرات الشوفينية بين العرب والأكراد. و الإيحاء بأن إعطاء بعض حقوق الأكراد كفيل بإنهاء المسألة متناسية أن الأكراد كجزء من الشعب السوري لهم حقوق سياسية و اقتصادية مسلوبة لابد من ردها. ومن هنا نؤكد أن تفهم المعارضة السورية للقضية الكوردية إنما ينطلق من الإدراك بخصوصيتها والتعرف على عناصرها المتعددة بما يضمن حلها باعتبار المشروع الشامل للتغيير الديمقراطي السلمي في سوريا أساساً وقاعدة معتبرة إعلان دمشق نموذجاً ومنطلقاً مع الأخذ بعين الاعتبار أن الديمقراطية الحديثة كقيمة إنسانية وحضارية قادرة على إيجاد الحلول للأزمات والمشاكل والمظالم التي تقبع تحتها الشعوب المقهورة ومنها الشعب السوري بكافة تنوعاته بما فيه الكورد بطبيعة الحال.
المحور الثاني سياسي إجرائي: 1- و يشمل هذا المحور كافة أبناء الشعب السوري و الأكراد جزء أساسي منه و يتضمن الدعوة و العمل على إزاحة و تغيير كافة القوانين المعيقة لتشكيل الأحزاب والحرية الإعلامية بما يترك الفرصة متاحة لتشكيل أحزاب ديمقراطية ٍ و علمانية حتى و لو اتخذت طابعا ً قوميا ً أو دينيا ً كما هي الحال لدى بعض الأحزاب في الدول الأوروبية. طالما أن تلك الأحزاب لا تخل بالسلم الأهلي و تعمل على وحدة الوطن و حمايته و لا تدعو إلى العنصرية أو الطائفية أو تتخذ موقفا ً عدائيا ً من أطراف خارجها لدوافع دينية أو قومية 2- الدعوة إلى تشكيل لجنة من السياسيين و الحقوقيين و المفكرين و المثقفين تقوم بدراسة الدستور السوري الحالي و تقدم المقترحات و المسودات و الصياغات و الأسس و المبادئ الكفيلة بإزالة كل المواد التي تشكل معوقات للحريات الشخصية و الاجتماعية و تقف سدا ً في وجه بناء النظام الديمقراطي كما يتم من خلالها تقديم مقترحات محددة تتعلق بالمسألة الكوردية و تتبنى آراء ً محددة في مسألة النص على اللغة و القومية الكوردية و حقوق بقية الأقليات القومية و الدينية. و في هذا المجال بالذات يدور جدل بين المثقفين السوريين حول ما إذا كانت بنود عامة في الدستور المنشود تدعو إلى الديمقراطية كنظام و العلمانية كمبدأ و الليبرالية كنهج كافية لتحقيق العدالة و إعطاء حقوق الأقليات و حمايتهم، أم لابد من وجود بنود محددة و نصوص واضحة ذات دلالة قانونية تكفل تلك الحقوق و تحميها. 3- إشاعة روح العمل السياسي و المشاركة الفعلية لدى أبناء شعب سورية في الحراك السياسي الدائر و السعي الجاد من قبل النخب الثقافية لإيجاد حوامل اجتماعية شعبية تتبني الفكر العلماني الديمقراطي و تلتحق بثقافة حقوق الإنسان.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |