عندما يتدرّع الطغاة بالوحدة الوطنية المزيفة

 

علي آل شفاف

Talib70@hotmail.com

لم تكن غفلة من الزمن تلك التي جاءتك بي . .  بل كانت غفلتك أنت!! . . نعم، إنها هي! فالتأريخ لم يكن ليرحم المغفلين أمثالك . . ربما لم تكن جاهلا . . ربما كنت بسيطا . . وربما كنت طيبا حد السذاجة . . كنت لا تستشرف آفاق المستقبل. . إن تعدى يومك على خير، كان رضا وطاعة! كنت تراني أخا . . بل كنت لا تراني آخرا . . كنت تراني منك وفيك وإليك. . . هذا شأنك!

 أما أنا، فقد كنت ـ ولم  أزل ـ لا أرى كرامة الوطن، إلا كرامتي دونك . . ولا عزة الشعب إلا عزتي دونك . . ولا وحدة الأرض إلا امتلاكي ثرواتها دونك . . ولا العروبة إلا عروبتي دون عروبتك . . ولا الدفاع عن الوطن إلا حماية سلطاني وسحقك . . ولا السيادة إلا ذريعة لحكمك . .

لأنك لست سوى عبد سخر لخدمتي . . بل بقرة حلوبا أستدر لبنها متى أشاء! . .

هكذا كان! . . وهكذا يجب أن يكون! . . . . . . . . . . .

 كان الوطن واحدا، وسيبقى، ما أشبعت نهمي وجشعي وغروري، وأهلكك جوعك وذلك وكسلك وغفلتك. فإذا كان هذا حالي وذاك حالك؟ فمن يهدد وحدته؟

أأنا؟! . . فمن أين أشبع رغباتي وجشعي وغروري؟

أم أنت الساهي، الواهي، الغافل، المتكاسل؟!

 فإن نازعتك نفسك باليقظة والصحو من الغفلة . . فستكون ـ أنت ـ من جنى على وحدة الوطن . . وإن نازعتك نفسك بمشاركتي خيرات وثروات الوطن، فستكون انفصالي يفرط بوحدة الوطن . .  لأنني لا يمكن أن أتنازل عن جشعي وغروري وقد تحولا ـ عندي ـ من أمر واقع فرضه سباتك وغفلتك، إلى حقيقة . . بل إلى حق . . وسأقتلك من أجله . . بل سأدمره! لكي لا تشترك معي بخيراته! وها أنا ذا أفعل، وعليك أن تقبل! . . كي يبقى وطننا واحدا.

فأدم سهوك ووهمك وغفلتك وكسلك ـ يا شريكي في الوطن ـ . . كي يبقى وطننا واحدا . .

إياك أن تطالبني بأن أنصفك . . لأنك ـ بهذا ـ ستهدد وحدة الوطن!

وإن زعمت أنني إن تعاملت معك بالعدل والمساواة لتعززت وحدة الوطن، فستكون أجنبيا غريبا جاء من بعيد ليزاحمني عرشي الذي ورثته منذ قرون . . وستكون متعديا وظالما وجائرا وكافرا ، يجب قتلك وأطفالك ونسائك وشيوخك وكل من له صلة بك.

 هذا هو مرادي، وهذان هما شرطاي . . يجب أن يكون الوطن واحدا، ويجب أن أكون ـ أنا ـ فيه سيدا . . فإن لم تقبل بأحدهما . . فستكون أنت الخائن الذي يعبث بوحدة الوطن . .

 يا للصدمة!!!

يا لهول المفاجأة!!!

 استيقظت من نومي العميق لأتساءل . . هل كان ـ ذا ـ حلما حقا، أم ـ تراه ـ حقيقة وواقعا؟ . . وما تلك الكلمات التي تكلم بها  ذلك الهاتف الغريب؟

 ألم يجسد كلامه واقعي وحقيقة ما مر بي؟

هل كنت ضحية للخداع والزيف؟ وهل كنت فعلا غافلا ساهيا، وطيبا حد السذاجة؟

ثم، ما هو الوطن؟ وما معنى وحدته؟ وما هو موقعي، وموقع الآخر فيه؟

وما هو دور علاقتنا ببعضنا في تشكيله؟

ثم، هل أن الوطن أرض وإنسان؟ وهذه الأرض، هل وجدت ليعيش عليها هذا الإنسان؟ أم أن الإنسان وجد ليَعمُر الأرض؟ فإن أعمرها، فلمن؟ ولماذا؟ 

أينا وجد من أجل الآخر؟ أنحن؟ أم الأرض؟

وبعد كل هذا،

 هل يجب أن أبقى ساهيا واهما غافلا . . من أجل أن يبقى وطنه ـ الذي يريد ـ واحدا؟

هل يجب أن أتحمل كل ذلك الظلم والجور والاضطهاد، من أجل وحدة الوطن الذي ينعم بخيراته  ـ دوني ـ غيري؟

ألم يتركه هاربا ذلك الذي كان ينعم بخيراته، ليختبأ في جحر، وقد كان يزعم أنه حامي حماه، وقائد شعبه، والبطل المغوار؟

فهل كانت وحدة الوطن درعا يحتمي به هذا الطاغية، وأتباعه من الطغاة الآخرين؟

 مر بي هاجس، أو لعله صحوة الغافلين، فألقى في ذهني، هذه التساؤلات، ثم ختم بهذين:  

ما الذي يجبرني على ذلك؟

وماذا علي أن أفعل؟

 فعاجلني "عفريت من الجن" بالجواب ـ وقد كان يسترق السمع ـ قائلا:

إما أن تجبر ـ هذا ـ الآخر على القبول بالنصفة في المشاركة بالوطن، وبما يتماشى مع ثقل وأهمية وثروات كل منكما فيه، وبما يحفظ كرامتكما معا، لا بما يحقق رغباته، وينمي جشعه، ويشبع غروره؛ وإما أن لا تشركه معك في وطنك الذي تريده أن يحفظ لك كرامتك وحقك وثرواتك. فانظر لنفسك وأبنائك وأجيالك القادمة . . هل سيكونون عبيدا أم أحرارا؟

فإن بقيت ـ بعد ذلك ـ خيراتك تستخرج من تحتك . . وتأكل دونك؟ فلا أراك إلا جبانا، أو غبيا. وسيستخف بك كل العالم ـ وقد بدأ يفعل، وسيهزأ بك كل العالم ـ وقد بدأ يفعل، ولن يرحمك ـ بعدها ـ أحد. لأنك فرطت بحق هو لك، دون مبرر؛ وخضعت لأصنام زائفة صنعها غيرك، ليستعبدك بها، ثم يسحقها هو، ولعله سيأكلها دونك أيضا! 

 الساكت عن حقه جبان . . الساكت عن حقه ليس بإنسان . . الساكت عن حقه شيطان!

 كانت الطائرة لا تزال تسمو بنا فوق غيوم سماء الغربة . . لتعود بي إلى شمس بلادي . . حيث منحني الله فرصة لأعيش فيه سيدا عزيزا كريما . . لكن . . ذئاب الأمس لا تزال تراوغ فريستها لتنقض عليها من جديد.

 فهل سنفلح في منعها؟!!

هل ترانا نعود عبيدا لصنم يتطفل على لحومنا ودمائنا؟

أم ترانا نصنع وطنا يحفظ لنا كرامتنا، لنحفظه ونحفظ وحدته؟

لن نعود صرعى للوحدة الوطنية المزيفة، بعد أن تدرّع الطغاة بها، لقهرنا وذلنا واستعبادنا، ونهب ثرواتنا.

سنصنع وحدتنا الوطنية

 العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com