عودة المهاجرين من أهم ضرورات المرحلة

حمزة الجواهري

hjawahri@hotmail.com

فارس العراق الجديد:

كما أثارت سفرة الفتى فارس العراقي، والأمريكي المولد، للعراق مشاعر العالم والكتاب العراقيين وعلى رأسهم كاتبنا المبدع فالح حسون الدراجي، أثارت بنفسي الكثير الذي تحدثت عنه في السابق ولكن له ما يبرره الآن، وسنعيد ما قلناه، لكن سوف لن ألوم العراقيين في الخارج فقط كما فعل أخونا العزيز فالح، حيث للمسألة جوانب أخرى بودي الحديث عنها، وفي النهاية يعود الفضل للفتى فارس، فارس العراق الجديد، فارس الانتماء للوطن، فارس الذي فعل ما هو أكثر من الذهاب للعراق.

لقد قال لنا فارس كلمة أبلغ من أن تكتب، وهي أن العراقي حتى وإن ولد خارج وطنه، سيبقى عراقيا حتى النخاع.

العملية السياسية لم تكتمل بعد:

الآن وبعد أن اكتملت العملية السياسية وتوجت بهذا النجاح الباهر، ولو إن البعض قد اعتبره كسيحا، لكنه يبقى الخطوة الأكثر أهمية في مسيرة العراق الجديد نحو بناء عراق ديمقراطي تعددي وفدرالي. حيث به تكون العملية السياسية قد انتهت تقريبا ولم يبقى منها إلا القليل ومنه توفير الأرضية الواقعية لعودة المهجرين والمهاجرين، وهذه العودة لها ما يبررها، بل تكتسي الأهمية القصوى للعراق في هذه المرحلة التي قد تطول إلى عقدين من الزمان في أقل تقدير.

المهاجر ومهمة نقل قيم المجتمع المدني:

فالدستور والمؤسسات التشريعية والتنفيذية التي تكتسب سلطتها من الشعب، المصدر الوحيد للسلطات، والقضاء المستقل، وفصل الدين عن الدولة، ومؤسسات المجتمع المدني الفاعلة والمستقلة عن الدولة بكل المقاييس، كلها تعتبر الهيكل العام للنظام الديمقراطي، وهذه ليست كافية لنقول إن لدينا نظام ديمقراطي، حيث مازال هناك ما يسمى بقيم المجتمع المدني، هذا مفهوم واسع جدا، هو الذي يضبط الحركة بداخل المجتمع المدني، وهذا ما لم يعتد عليه الشعب العراقي ولم يعرفه لحد الآن، لأن عهود الجور والطغيان قد غيبت أبناء العراق عن هذه القيم وأبعدته عنها، فالعراقي، على سبيل المثال وليس الحصر، لا يعرف لحد الآن أن له الحق بمقاضاة مؤسسة لا تتبع المعايير الأساسية لمبدأ تكافؤ الفرص، كأن تمنح وظيفة لمن لا يستحقها في الوقت الذي ينافسه بالحصول عليها من هو أكثر تأهيلا من الذي نال الوظيفة، حيث هذا الحق مكفول دستوريا، ولا يعرف العراقي أن له الحق في التعليم، أو مقاضاة أية جهة رسمية مهما كانت في البلد لو تجاوزت على حقوقه، وهكذا باقي الأمور، لذا يبقى الهيكل الذي بناه العراقيون فارغا ما لم تملئه قيم المجتمع المدني. في واقع الأمر لا يمكن نقل هذه القيم للعراق بسهولة ويسر كما يتخيل البعض من المفرطين بالتفاؤل، لأن لا يمكن استيراد بشر قد تربوا على هذه القيم، لكن هناك في العراق خصوصية غير متوفرة لدى الشعوب الأخرى وهي وجود خمسة ملايين عراقي، مهاجرين أو مهجرين، يعيشون في الغرب، بل في كل بقاع الأرض منهم الفتى فارس، منهم الكثير كهذا الفتى الباسل، ولد وتربى في تلك البلدان وأصبحت قيم المجتمع المدني جزءا من بنيته النفسية والفكرية ولا يمكن أن يقبل بغيرها بديلا مهما كان الأمر. هذه الفئة يجب أن تأخذ دورها في بناء العراق الجديد، ليس لمجرد موقف وطني ولكن للضرورات الموضوعية هو أن يعود هؤلاء للبلد، وإلا فلا معنى أن يكون لدينا هيكل النظام الديمقراطي دون أن يتعلم الناس قيم هذا النظام من خلال بيئة ذات بعد أخلاقي وحقوقي واجتماعي خاص بالعراق، لأن هؤلاء هم عراقيون وتربوا ضمن النسيج الأخلاقي والعرفي العراقي في بيوتهم، وبالتالي هم الفئة الوحيدة المسؤولة عن نقل قيم المجتمع المدني وليس التعلم عن طريق التجربة والخطأ التي يمكن أن تكلف العراق الكثير من الفواتير التي لا يستطيع دفعها.

العراق في المهجر سعيد:

إن العراقي الذي يعيش في بلدان متطورة قد أكتسب حقوق المواطنة فيها بالكامل، ولديه نظام تكافل اجتماعي قوي ومكفول صحيا ويتمتع بفرص متكافئة مع الآخرين بالعمل والسكن العيش أينما يشاء، ويعيش في مدن متكاملة الخدمات وغاية بالجمال، فما الذي يدفعه بالعودة للعراق وهو في هذه الحالة المزرية في مختلف جوانب الحياة؟ هذا السؤال كان يجب على السياسيين الإجابة عليه ووضع الحلول ضمن برامجهم الانتخابية، لكن بكل أسف لم نجد هذه الأمر في أي برنامج من البرامج للكتل الكبيرة، فكل ما ورد في بعض منها ليس أكثر من ذر الرماد في العيون، وفارغ من أي رؤيا عملية لكيفية إعادة هؤلاء العراقيين على المديين القريب والبعيد، وما نراه الآن ما هو إلا صراع من أجل الحصول على أوسع مساحة في السلطة والمواقع الأكثر أهمية في البلد، وسوف تنتهي بلا أدنى شك إلى حالة من التوافق قلقة لمدة أربعة أعوام كاملة، ويبقى العراقيون في الخارج يجترون أحلام العودة للوطن، ومنهم من كف بالفعل عن التفكير بهذا الموضوع من الآن.

قانون خالتي وبنت خالتي:

يقف بوجه هذه الرغبة عدم وجود جدية في التعامل مع هذا الملف الحساس إضافة إلى عدم وجود برامج حقيقية لعودة هذه الفئة المتطورة من العراقيين، فكل ما نسمع عنه هو تخصيص بضعة مساكن للمهاجرين والمهجرين تبنيها الدولة على حسابها الخاص، ومازال أمر الضوابط التي على أساسها سوف يجري توزيع هذه المساكن طي الكتمان، وما سوف يحدث هو أن هذه الضوابط سوف لا تخرج عن القانون العراقي المعروف "خالتي وبنت خالتي والبقية فضالتي". لكن ما هو أهم من هذه الهبات الحكومية على الأقارب، هو أن يكون هناك أكثر من مسار جدي للتعامل مع هذا الملف الشائك، لم نسمع عنها ولا أعتقد أنها من الأمور التي تشغل بال السياسيين في الوقت الحالي، بالرغم من أنها يجب أن تأخذ الأولوية حتى على الجانب الأمني في الكثير من مناطق العراق.

بالإضافة إلى ما تقدم، ولدفع عجلة الإنتاج للدوران بزخم أقوى يجب أن يكون لدينا عدد كبير من المؤهلين والخبراء في مجال عملهم، هم موجدين في المهاجر بأعداد كبيرة جدا ومستوى خبرة واسعة جدا في مجالاتهم، معظمهم لا يحتاجون لهبات من الحكومة، ولكن ما هو مهم وعلى الدولة أن تساهم بتهيئته، هو وجود مشاريع جدية لعودتهم.

التفكير بعقلية اقتصاد السوق:

من أكبر العوائق التي تقف أمام عودة العراقيين إلى بلدهم والمساهمة في بناءه هو أن الحكومات مازالت تفكر بعقلية الأنظمة الشمولية وثقافة القطيع ولم تحاول إشراك الناس في إدارة بلدهم بشكل حضاري، وبالرغم من أن العراق مقبل على نظام اقتصاد السوق مازال المسؤول يفكر بعقلية اقتصادية أخرى، حيث على الحكومة أن تقوم بكل شيء، ربما تكون قد دعت المستثمرين العراقيين لكن لم توفر لحد الآن البيئات الاستثمارية الملائمة لدخول رأس المال ولا خروجه من قمقمه في الداخل، حيث هناك أموال طائلة مكدسة وتنتظر الفرصة المناسبة للدخول والعمل، فلا قوانين تجارة واستثمار ولا دراسات لاحتياجات السوق ولا أنواع المشاريع التي يمكن الاستثمار بها ولا إحصائيات للعراقيين في المهاجر لتقييم حجم الخبرات المتناثرة في تلك البلدان، وفي الواقع إن الذي يتوجب على الحكومات القيام به لعودة العراقيين إلى بلدهم كثير جدا، ولم نسمع عن برامج أعدتها وزارة المهجرين والمهاجرين ولا باقي الوزارات ولا الكتل السياسية التي تقتتل مع بعضها البعض من أجل تشكيل الوزارة والفوز بما هو أكثر من الاستحقاق الطبيعي.

إن كلفة إعداد طبيب مختص قد تصل إلى أكثر من مليون دولار، أما الخبرة بعد الحصول على التخصص فهي بلا شك لا تقدر بثمن، وهذا الأمر يسري على باقي الاختصاصات، في حين أن العراق لديه أكثر من مليون متخصص بخبرة طويلة جدا، وهذا بأسوأ تقدير، ولو أردنا تقدير ثمن هذه الخبرة وفق المعايير الاقتصدية العالمية فإنها تقدر بأكثر من تريليون دولار، سوف تفقد صلاحيتها بعد حين مع تقادم عمر الإنسان ما لم تأخذ الدولة مسألة عودة المهجرين والمهاجرين بجدية، وأنا على ثقة من أنهم سوف لن ينافسوا السياسيين الذين يتقاتلون على الكراسي هذه الأيام، لذا لا داعي للخشية من منافستهم ووضع العراقيل بوجه عودتهم للوطن.

رؤيا عملية:

كمهندس، لابد لي أن أفكر بطريقة عملية ولابد لي من إعطاء أمثلة حسية على ما يمكن أن تقوم به الحكومة في هذا المجال. إن مجرد إطلاق مشروع استثماري مخصص فقط لإسكان العراقيين العائدين من الخارج يمكن أن يضرب عصفورين بحجر واحد، وهو أن يؤمن السكن اللائق للعائدين وبذات الوقت يحقق للدولة أرباحا خيالية، إن مشروعا كهذا، في الواقع لا يكلف سوى تخصيص أراضي لإقامة أحياء جديدة في أماكن مناسبة من المدن العراقية الكبرى ووضع البنى التحتية لهذه الأحياء وفق التصميم الأساسي لها، ويمكن بيع هذه الأراضي من خلال السفارات العراقية في الخارج لضمان شرائها من قبل المستفيدين منها مباشرة حسب شرط بسيط هو أن يتم بناءها خلال فترة زمنية محددة، أما لو أرادت الدولة بناء تلك الدور السكنية أو الشقق، إذا كان التوسع عموديا، سيكون أفضل ويحقق أرباحا أكبر للدولة بشكل عام، لأن معظم العراقيين في الخارج يستطيعون شراء هذه الدور أو الأراضي السكنية والتي سوف تحل أكبر مشكلة تعيق عودتهم للبلد وهي السكن المناسب. إما إذا أرادت الدولة أن تطلق شركات استثمارية مساهمة، فأنا على ثقة من أن بيع أسهمها على العراقيين في الخارج مضمونا إلى حد بعيد، وإن العاملين فيها بلا أدنى شك سيكون من قبل المساهمين بهذه الشركات وهم العائدين للوطن. وهكذا تستطيع الدولة أن تتعامل مع المهجرين والمهاجرين وفق أسس اقتصادية اجتماعية وتشجع عودتهم من خلال تأمين السكن والعمل وباقي الخدمات كالتعليم والمستشفيات الاستثمارية المتطورة والخدمات العامة الأخرى في أماكن من العراق تعتبر حاليا آمنة، وما أكثر الأماكن الآمنة.

برامج حقيقية:

لذا أدعوا الحكومة الجديدة لوضع الخطوط العريضة للبرامج التي تهدف لعودة الأيدي العاملة المهاجرة، تتولاها وزارة قوية مقتدرة، وتساهم بها باقي الوزارات، ومن ثم يمكن الاستفادة من الخبرات المتراكمة لدى بلدان العالم لتحويلها إلى واقع موضوعي لا مجرد تخيلات، وإنها سوف تكون كذلك إذا تعاملت معها أياد غير أمينة على عودة هذه الفئة من العراقيين، وعلينا أن لا ننسى إن عودة المهاجرين سوف تكون معينا اقتصاديا وحضاريا للمجتمع والدولة لا عبئا عليها.

إذا تحقق هذا الأمر بشكل عملي وبأيد مؤمنة بعودة أبناء العراق سوف لن يضطر فارس آخر من أبنائنا في الخارج للعودة بهذه الطريقة ليصلي على أرض العراق الحبيب ويعود للوطن المكتسب ويمارس حياته هناك ناسيا حلم العيش في العراق.

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com