الأنوار العلوية تفضح المحسوبية والمنسوبية والحزبية الضيقة

 

المهندس صارم الفيلي
sarimrs@hotmail.com

من أهم واجبات الحكومة القادمة التي ستكون كما هو معلوم برئاسة أحد شخصيات الأئتلاف العراقي الموحد , كونها القائمة الكبرى التي لا يمكن دستوريا تشكيل حكومة بدونها , هو القضاء على الفساد الذي تكلمنا عنه كثيرا في مناسبات سابقة .

 حيث اننا لا نستطيع أن نجمله في مقالة واحدة لأن للفساد مظاهر كثيرة بعضه يتجلى بسرقة المال العام وبعضه باستغلال المنصب وبعضه بقبول الرشوة وبعضه بسرقة الجهد وبعضه في التأخر بالعمل وبعضه بأعاقة مصالح المواطنين وأخطره على الأطلاق أيصال الفاسـدين إلى مواقع القرار مما يتـيح لهم العبث في مقدرات البلد و نهبها أو على الأقل تبديدها والمسؤول الفاسد لاشك سيعمل على أن تلتف حوله بطانة فاسدة الأمر الذي يهيئ الوضع لنمو وازدهار حالة الفساد وتفشيها أفقيا وعمودياً .

 وهنا نركز على الفساد الوظيفي أو الفرهود الوظيفي , بأستيلاء وزير على الوزارة، ومدير على المنشأة أو المديرية، وجعل كل المفاصل القياديةفيها بلون حزبي أوطائفي أو قومي واحد، وهذا أمر في منتهى الخطورة لأسباب متعددة منها : أن هذه التشكيلات هي هياكل مؤسساتية وهي ثابتة بثبوت الدولة، بمعنى عدم تأثرها بشكل ملحوظ بتغير النظام السياسي الناتج عن عملية تداول السلطة، ومن هنا جاء مصطلح، دولة المؤسسات، المتعارف علية في الديمقراطيات التي تبنى على ثلاثة أركان، الدولة بمؤسساتها والمنظومة السياسية بأحزابها وتمثيلاتها البرلمانية وأخيرا مؤسسات المجتمع المدني.

 كذلك فأن التغيير في الهياكل الوظيفية الناتج عن هذه الظاهره تعزز من فرصة تسلل أفراد الى تلك المراكز يكون العامل الأيديولوجي عندهم اكثر وضوحا وقوة من معيار الكفاءة والخبرة والتحصيل، مديريات ومحطات توليد وتوزيع الكهرباء "كمثال مجرد" بحاجة الى تكنوقراط متميزين في هذا المجال لا الى فنيين من هذا الأتجاه أو ذاك بكفاءة أقل،ويمكن أستصحاب الأمر على الكثير من الوزارات.

 في الوزارات ذات الهيكلية المؤدلجة قد تكون عمليات المراجعة النقدية وما ينتج عنها من تقييم ومسائلة أكثر صعوبة بسبب أخذ المصلحة الحزبية بنظر الأعنبار التي قد تتعرض سلبا عند مكاشفة أحد اعضائها وعرضه أمام مرآة الشفافية من قبل الآخرين.

 كل ماتقدم من الشرح لا يشير الى القفز على الأستحقاق الأنتخابي وانما من حق الفائزين بثقة الشعب ان يختاروا وزراء من أحزابهم وتنظيماتهم، وهذا حاصل في كل الدول الديمقراطية المتطورة حيث تخضع الوزارات والبلديات للأستحقاقات الأنتخابية الحزبية، لكن الوزير الجديد لا يصبغ وزارته بلونه الحزبي أو المناطقي أو القومي، ولا يغير من الهيكلية المؤسساتية للوزارة بشكل كبير،لأن هذه الهيكلية تحوي في مضمونها على نتاج خبرة تراكمية هي من حق الشعب والدولة .

 بالمقابل على الأحزاب العراقية الفاعلة ذات الأمتدادات الجماهيرية ان تحاسب المقصرين من بين أعضائها، وان ذلك سيزيد من ثقة الناس بها، عندها يصل الجميع الىحقيقة، وهي ان فكر شخص معين وسلوكه لا يتطابق بالضرورة وبالمطلق مع مبادئ حزبه، فالمسألة نسبية في درجة التقارب والتباعد، وكم من مخلص لحزب ما أبعد لأسباب ضيقة، وفي المقابل كم من متملق تسلق واحاط نفسه لمصلحة ذاتية بهذا القيادي أو ذلك الذي يمتلك صفة النزاهة بدرجة عالية.

 و لذلك ان الفكرة المحمولة من شخص ما وما ينتح عنها من سلوك ما لا تمثل بالضرورة الحالة الحزبية التي ينتمي لها، وأزيد ربما بعضها لا تمثل جوهره الشخصي أو التكويني، فمن الممكن ان تكون أستجابات لظروف آنية، بجانب البعد التكويني المتمثل بالموروث من الصفات والأفكار.

 هذا يشجعنا ان نتقبل أخطائنا عندما تشخص من الآخرين، والأفضل يكون هؤلاء الآخرون من المقربين حزبيا أو عقائديا.

 دون ان نغضب أو نتعصب، لأن الغضب والتعصب يقودان بنا الى الأنغلاق ويبعدانا عن العقلانية التي هي من ضرورات العدالة.

 وكلنا على علم بعدم أستطاعة البرلمان الماضي رفع الحصانة عن أحد أعضائه كي يقدم الى القضاء بتهمة أختلاس أموال طائلة , مراعاة لتوازنات منحرفة .

 يكشف الأمام علي(ع) بفطنته الربانية عن سر متجذر في الأنسان ونابع من تركيبته المعقدة .

 فكلنا يعلم بأن الأفراد الذين يتولون الأمور يكثر ويزداد عدد الأصدقاء لهم , ومن هؤلاء من يتمتع ظاهريا بالأخلاق الحسنة .

 ولذلك يوصي أمير المؤمنين (ع) مالكا بعدم الأستغراق في عامل المعرفة الشخصية , لأختيار الكادر الذي معه .

 بل رعاية : حسب ماجاء في كلماته (ع) «ثُمَّ لاَ يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ وَاسْتِنَامَتِكَ وَحُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ ، فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّضُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلاةِ بِتَصَنُّعِهِمْ وَحُسْنِ خِدْمَتِهِمْ ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَالأَمَانَةِ شَيْءٌ .

 وَ لَكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ ، فَاعْمِدْ لأَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً ، وَأَعْرَفِهِمْ بِالأَمَانَةِ وَجْهاً ، فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ لِلَّهِ وَلِمَنْ وُلِّيتَ أَمْرَهُ» .

 ونذهب أبعد الى أخيه عقيل عندما طالب بشئ من بيت المال في القصة المشهورة فكان جوابه قال: (واللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلًا وقَدْ أَمْلَقَ حَتَّى اسْتَمَاحَنِي مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً ورَأَيْتُ صِبْيَانَهُ شُعْثَ الشُّعُورِ غُبْرَ الأَلْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ وعَاوَدَنِي مُؤَكِّداً وكَرَّرَ عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمْعِي فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِينِي وأَتَّبِعُ قِيَادَهُ مُفَارِقاً طَرِيقَتِي فَأَحْمَيْتُ لَهُ حَدِيدَةً ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَفٍ مِنْ أَلَمِهَا وكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا فَقُلْتُ لَهُ ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ يَا عَقِيلُ أَتَئِنُّ مِنْ حَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ وتَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ أَتَئِنُّ مِنَ الأَذَى ولا أَئِنُّمِنْ لَظَى).

 الأمام (ع) يجعل نفسه قدوة لمريديه , كي لا يغمض أي مسؤول عينيه من كثير من مواقع الفساد , بل ربما يباركها ويزيدها في أحيان كثيرة .

 وما فضائح بعض الوزراء في الحكومة السابقة "غير المنتخبة " الا دليلا على ذلك . ونكتفي بهذا .

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com