بأية فضيحة عدت يا عيد

نضال نعيسة
sami3x2000@yahoo.com

تحمل الأعياد عادة الفرح، والتجدد والأمل بغد أفضل، وحياة أكثر بهاء وإشراق. لكن هدية الأعياد، لهذه السنة، وكعادة الميامين الأبطال حملت لعموم السوريين فضيحة انشقاق من العيار الثقيل، وأظهرت حقيقة أولئك الرجال الذين امتطوا الظهور والأعناق، ورفعوا الشعارات الفضفاضة والبراقة عشرات السنوات، لغاية الإثراء غير المشروع فقط وتكديس المليارات، وخلفوا وراءهم الفضائح والقمامات والنفايات، وأظهرت قدرتهم الفائقة على التنقل بين التيارات والإيديولوجيات، وتغيير الولاءات، حسب حاجة السوق السياسي، وحسابات الربح والمنفعة، وتغير موازين القوى، وقانون العرض والطلب السياسي. أليس فضيحة بحد ذاتها، أن يستهبلنا الجميع ويخاطبونا من القصور الأسطورية، إلى المجالس المرسيدسية ونحن صم وبكم وطرشان، ولا حول ولا قوة، وصارت وظيفتنا التاريخية في الحياة هي تلقي التحولات، والكذبات، والصفعات؟
إنها فضيحة، ومهما حاول أصحابها إلباسها رداء الطهر، والوطنية، والبراء. ومهما حاول أولئك الصامتون أبدا وصمها بصفات العار والخيانة والارتداد. فضيحة ضربت سكون الشموليات القائم على التعتيم، والإغلاق، وحلو الكلام في نشرات الأخبار. فضيحة فضائية "بجلاجل" عبرت الحدود، والسماوات، والقارات، ولم يعد بإمكان أحد من المتفوهين المزمنين البلغاء أن يداريها، ويصورها على أنها نصر جديد للأوطان، وإنجاز فريد من إنجازات الثوار. إنها فضيحة أخرى للأجهزة التي نزّهت المافيات، ورفعتها إلى عنان السماء، وظلت وظيفتها المقدسة، وشغلها الشاغل مطاردة الفقراء، والبؤساء، والشرفاء، والزج بهم في الزنازين والظلمات. فأين كان هؤلاء الناس كل هذه السنوات؟ وماذا كانوا يفعلون وجعبتهم خاوية من أي انجاز أو انتصار؟ إنه يخيل للمرء لوهلة بأنهم، وفي الحقيقة، لم يكن لديهم من عمل سوى التهيئة، والإعداد لمسلسل الفضائح الكبير الذي بدأت تباشيره تلوح في الآفاق حيث لم يبق لا ستر، ولا غطاء، نظرا لما تابعه الجميع، وبذهول على شاشات الغرباء، وتأبي الحقيقة إلا أن تأتي من خارج الحدود بعد أن حظر تداولها الرفاق. ألا يستأهل هذا كله، وبعد وليمة المافيات، كلمة اعتذار لتطييب خواطر مكسورة، ومن أي كان؟
ويأبى الرفاق دائما إلا أن يفسدوا كل شيء في الحياة، بعدما أن أفسدوا كل شيء في الأوطان، وجعلوها مرتعا للفضائح، والنفايات، والمافيات. وهاهم يزفون آخر"عيدية" في هذه الأيام المباركة من العام، حيث من المفترض أن يتبادل الناس التهاني، والتبريكات، والزيارات، تراهم يتبادلون، الفضائح، والمرارات، والصعقات الكهربائيات، ويتحاشون بوادي، وربوع الوطن التي صارت مدافن للأحلام والنفايات، ومطاحن للموت تجلب اللوكيميا، والسرطان. وفي الأعياد ينتظر الناس الابتسامات، والمفاجآت السارة، وتبادل الأنخاب، ولم الشمل وعناق المهاجرين والأحباء، ونحن نتابع حماقاتنا، وما فعل السفهاء بنا، ونداري الفشل والخيبات الكبار. ماذا أعدوا من هدايا في هذه الأيام سوى الحزن، والمرارة والانكسار. فماذا عسى أن يقول الأصدقاء للأصدقاء، والأحبة للأحباب وهذه الحال التي لا تسر على الإطلاق، مع كل ما تخبئه القادمات من الأيام؟ وهل صار من أي معنى لعبارة كل عام وأنتم بخير، سوى التندر ، والشماتة، والتهكم على انعدام الخير، وندرته المطلقة في هذا الزمان؟
ليس هناك في الحقيقة، أي خير، أو أمان لأحد على الإطلاق، ولا أي حديث عن النعم، والجمال ومكارم الأخلاق، وما في هذه الحياة إلا القمامة، والخيانة، والرياء، والنفاق، وقصص المافيات، وضباع المال، وبياعي الكلام الذين تاجروا عقودا طوال بمعسول الكلام، والخطط الخلبية عن الرفاهية والازدهار، واللصوص الكبار الذين أتوا على الأخضر واليابس وتركوا الأرض يباسا وهباب، وفي الضفة الأخرى هناك الملايين المهمشة التي تئن تحت وطأة الفقر والعوز، والتعتير والغلاء، وتبحث في الفتات، والقمامات عن الطعام.
هذه عيديتنا لكم، واعذرونا على ضيق ذات اليد والحال، وكان في الود والبال، والله، أن نعيدكم بمشاريع، وآمال، وأحلام، وأخبار تسر وتفرح القلب، وتلم الشمل بعد طول غياب، ولكن هيهات وألف هيهات. هل نجامل بعضنا كالعادة، ونقول كل عام وأنتم بخير، ونحن نعلم، أننا، وأنتم لسنا بخير، ولم نعرف ماهو النعيم والرفاه، والاستقرار ونحن نعبر متاهة هذا العمر الحزين من نكبة، إلى فضيحة إلى مأساة، ونحلم بغد يبدو أنه بعيد المنال. وفي الواقع، لا يسعنا، وهذه الحال التي لا تسر أحدا على الإطلاق إلا أن نقول:
كل عام وأنتم بفضيحة يا.........شباب.
 

العودة الى الصفحة الرئيسية 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com