تجفيف منابع الأرهاب .. مهمة آنية لا تحتمل التأجيل

 جاسم هداد

jasemhaddad@hotmail.com

تستقبل شعوب العالم  ، العام الجديد بالأمنيات وتقديم الهدايا ، وشعبنا العراقي استقبل هذا العام الجديد بثمان سيارات مفخخة ، ثم اعقبتها في اليوم الخامس من الشهر الجاري مذابح دموية راح ضحيتها الأبرياء من زوار للعتبات المقدسة وباعة متجولون يكسبون رزقهم الحلال بعرق جبينهم لأعالة عوائلهم ، وجنود متطوعون لخدمة وطنهم واستعادة الأمن فيه .

 ففي التفجير الأرهابي الأجرامي الذي تم على بعد امتار من ضريح سيد الشهداء الحسين ( ع) ، والحسين غني عن التعريف فهو ابن اشجع شجعان المسلمين ، والفدائي الأول في الأسلام الذي افتدى رسول هذه الأمة بنفسه ونام في فراشه ممهدا له الهجرة للمدينة المنورة ، والذي تربى في كنف النبوة ولم يسجد لصنم قط ، ولذلك كرم الله وجهه ، وامه فاطمة الزهراء (ع) بنت رسول هذه الأمة ، والحسين ريحانة رسول الله وسيد شباب اهل الجنة ، وهو الذي ضحى بحياته وعائلته من اجل كلمة الحق وعدم اعطاء البيعة لخليفة فاجر ظالم .

 الحسين واهل البيت (ع) لا يختلف عليهم اثنان من درجة قربه لنبي المسلمين ، وتقر ذلك جميع المذاهب الأسلامية الا الجماعات الخارجة عن دين الأسلام .

 استعجب جدا من مجئ هذا الأنتحاري وتفجير نفسه بالقرب من ضريح الحسين (ع) ووسط هذه الناس الأبرياء ، بماذا سيقول لرسول الأمة لو قابله كما يزعمون ، ولكن أين يقابله ومصيره في جهنم وبئس المصير .

 والأنتحاري الثاني الذي فجر نفسه وسط جموع الجنود الذين قدموا للتعيين في سلك الشرطة في الرمادي والذي راح ضحيته حوالي ( 86 ) عراقيا بريئا .

 الأرهابيون الأجراميون لم يفرقوا بين العراقيين سواء كانوا من ساكني مدينة كربلاء او الرمادي ، بل استهدفوا الجميع ، وعندما يتم تفجير سيارة في ساحة السنك في بغداد ، لم يميز مفجرها بين سني او شيعي ، فهو يستهدف اولا واخيرا زعزعة الأمن والأستقرار في البلد .

 ولكن مع الأسف الشديد يلاحظ ان بعض السياسيين العراقيين يحاولون استغلال فجيعة والآم شعبنا العراقي لخدمة اهدافهم وطموحاتهم السياسية فيصرح احدهم مشجعا على الفتنة الطائفية بالقول ( ان تصريحات بعض القوى والأحزاب السياسية التي شككت في الأنتخابات البرلمانية ... عبر وسائل الأعلام ادت الى تشجيع العمليات المسلحة ) ثم يضيف محرضا على انه ( ليس امام الشعب في مثل هذه الحال الا الأستعداد للدفاع عن نفسه وبكل الوسائل الممكنة ) .

 ان مكافحة الأرهاب لاتتم بهذه التصريحات التحريضية التي يشم منها نتانة الطائفية وعفونتها ، بل بتجفيف منابع الأرهاب ، واول ما يتطلب ذلك هو إشراك كافة القوى الوطنية والديمقراطية في مهمة مكافحة العصابات الأرهابية ، فالوطن للجميع ، وجرائم الأرهاب لا تفرق بين هذا وذاك ، والتخلي عن اسلوب المحاصصة الطائفية والقومية والأستئثار في ادارة الدولة وخاصة في التعيينات للمراكز المهمة في الجيش والشرطة والأستخبارات ، والفترة الماضية غنية بدروسها وما آل اليه وضع وطننا وشعبنا نتيجة تلك السياسات الطوباوية المغرورة التي لم يحصد منها شعبنا العراقي الا مزيدا من الدمار والقتل اليومي ، فالسياسات الطائفية لا تجلب الا تخندقا طائفيا وردود فعل طائفية .

ويتطلب كذلك تشكيل حكومة انقاذ وطني ، حكومة وحدة وطنية حقيقية ، فالمهمة ثقيلة جدا ، ولا يستطيع القيام بها من " فاز فوزا ساحقا " لوحده ، فالعراق للعراقيين ، ومن حق العراقيين الشرفاء المخلصين له والذين يضعون مصلحته فوق كل مصلحة المساهمة والمشاركة في انقاذه .

 فبتعزيز المواطنة العراقية وتمتين الوحدة الوطنية ، واعتماد المواطنة العراقية والكفاءة والنزاهة مع كل المواطنين العراقين ، وشعور المواطن العراقي انه له حق في هذا الوطن وعليه واجب تجاهه ، وليس مضطرا لجلب ورقة تأييد من افندي او صاحب عمامة ، وان معاملة تعيينه او تمشية أية معاملة تتم بدون توريق ، والأهتمام بمشاكل الجماهير وتقديم الخدمات الأساسية من كهرباء وماء وخدمات صحية وتعليمية ، وسد الطريق امام ازلام النظام الفاشي بالعودة لتبؤ المناصب المهمة في الدولة العراقية ، وتطهير دوائر الدولة من ازلام البعث الفاشي والعناصر الفاسدة والمرتشية ، وعدم التستر على هذا او ذاك لأنتمائه لهذا الحزب او ذاك ، وان تقوم الأحزاب العراقية بتطهير صفوفها من ازلام البعث الفاسد الذين اندسوا بين صفوف الأحزاب من ذوي القمصان السود ، فدائي صدام وجيش النخوة والقدس والأمن والأمن  الخاص ، وركبوا موجة التغيير ظاهريا منفذين تعليمات سيدهم الطاغية بالأندساس في صفوف الأحزاب ، عند ذاك يتم قهر الأرهاب وعزله .         

 قبل حوالي ثلاثة اشهر كتبنا مقالا تحت نفس العنوان تم نشره في جريدة طريق الشعب " الجريدة المركزية للحزب الشيوعي العراقي " ، وكذلك في بعض المواقع الألكترونية ، وأشرنا فيه الى ان قوى الأرهاب متعددة المشارب ، يجمعها جامع واحد ، هو تعطيل العملية السياسية وإيقاف مسيرة اعادة بناء العراق ، وعرقلة المسار الديمقراطي الفيدرالي ، ووضع العصي في عجلة إقامة دولة القانون .

وركائز قوى الأرهاب معروفة ، فالركيزة الأولى وتشكل العمود الفقري وتضم ايتام النظام الدكتاتوري المقبور والذين تضررت مصالحهم كثيرا ، ويخشون المساءلة القانونية لما اقترفوه من جرائم بحق شعبنا ، ويملكون المال والسلاح والتدريب الجيد ، والركيزة الثانية وتضم قوى الأسلام السياسي المتطرف بشقيه الخارجي والداخلي ، حيث يقوم ايتام النظام المقبور بتقديم الدعم اللوجستي لقوى الأرهاب القادمة من خارج الحدود ، ويسهلون لهؤلاء مهماتهم في تنفيذ العمليات الأنتحارية الأجرامية، وبالتنسيق مع قوى الأرهاب المتأسلمة في داخل العراق ، اما الركيزة الثالثة فتضم عصابات الجريمة المنظمة ، والتي تؤدي خدماتها لمن يدفع اكثر من خلال اعمالهم الأجرامية التي يقومون بها لصالح قوى الأرهاب ، او التي يقومون بها لمصالحهم الخاصة فهم يساهمون بشكل مباشر في اشاعة الفوضى وعدم استقرار الأمن .

 ولفشل الحكومة الحالية في معالجة الوضع الأمني ، وهذا ما يتم ملاحظته من تردي الوضع الأمني وعدم وجود سيطرة للحكومة على احياء في بغداد مثل العامرية والجهاد والفرات والثورة ، واضعاف المؤسسات الحكومية والأمنية واحلال  الميليشيات الحزبية بديلا عنها احد الأسباب التي ساعدت على المزيد من تردي الأوضاع الأمنية ، واصبحت  الحاجة ماسة جدا لكي تضع الأحزاب والقوى العراقية نصب اعينها مهمة مكافحة الأرهاب وعودة الأستقرار والأمن ، وبناء جيش وطني عراقي وليس جيشا طائفيا عرقيا ،حيث ان فرقا عسكرية بكاملها شكلت على اسس مذهبية وطائفية بعضها شيعية خالصة والأخرى كردية ، وهذا ادى الى افتقار الجيش الجديد الى المقومات الوطنية والمهنية ، وبناء شرطة وطنية عراقية ولاؤها للوطن وليس شرطة تتلقى اوامرها من احزابها ، ويجب مراعاة اهلية المتطوع وخلفيته الأجتماعية والثقافية وولاءه الوطني .

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com