(مقال افتراضي ولا علاقة له مطلقا بمهرجان النفايات الأخير، وإنّ أي محاولة للربط بينه وبين ذلك، يعرض صاحبه للمساءلة، وسوء العاقبة، ويدل على قصر النظر، وتبلد الذهن).
فبعد الإقبال الشديد على وليمة المزابل الأخيرة من قبل الصحافة والإعلام والفضائيات، والنجاح المنقطع النظير لحفلات الشتائم، والنفايات المختلفة من قبل الفعاليات الرسمية، والشعبية، وممثلي الهيئات الشعبية، وقوى الشعب العامل، وفصائل النضال والمقاومة، والمقارضة المجوقلة الأخرى، ونظرا للارتفاع الشديد لأسهم القمامة السياسية في البورصة في الأيام الأخيرة على خلفية اكتشاف القيمة الغذائية العالية للقمامة لدى الشعوب التي خلفتها الأنظمة الستالينية البائدة، وروادها من ضحايا النظام الاشتراكي عموما، واعتمادها على القمامة كمصدر وحيد وقانوني مسموح به للتموين والغذاء، فقد تقرر التوسع أفقيا، وعاموديا في إنشاء المزيد من المزابل الشعبية، لإشباع الحاجات المتزايدة للناس، وتلبية متطلبات السوق الشعبية من هذه السلعة النادرة، والنامية، ومواكبة الطفرة الظاهرة في الاستثمار مزبلاتياً. وقد اجتمعت الهيئة العامة للمزابل والنفايات الوطنية في مقرها الرئيسي في ساحة البلدية لدراسة الجدوى الاقتصادية لإقامة عشر مزابل جديدة، في الرحلة الراهنة لسد العجز الواضح، في مدن الصفيح، وأحزمة الفقر، والتجمعات العشوائية للفقراء الذين زاد عددهم عن ستين بالمئة فقط من مجموع السكان، وفر نصفهم الآخر ممن كتبت لهم الحياة، والنجاة، إلى أماكن تفتقر، وللأسف، لنوعية المزابل ذات الجودة العالية المتوفرة حاليا.
وقد صرح المدير العام للهيئة العامة للقمامة والحاويات و"المقشات" الوطنية، في اتصال لاسلكي معه من على أحد "الطنابر" الجوّالة الطافحة بشتى أنواع القمامات بأن المرجعيات المختصة بصدد توسيع المزابل الحالية، ورفدها بأخرى جديدة مطابقة لمواصفات شهادة الإيزو2000-9001، لكي نتمكن لاحقا من الانضمام لمنظمة المزابل العالميةWDO (World Dump Organization) ، ومنافسة أعرق المزابل الدولية، وتصدير الفائض لبلدان العالم الفقيرة بهذا النوع من "الزبالات"، وأضاف بأن مزبلته قد حققت أعلى نسبة نمو لعدة عقود على التوالي. وقد أشار في معرض حديثه أن طموح الهيئة النهائي، وطبقا للتوجيهات التجويعية والنهبوية السامية هو تأمين مزبلة لكل مواطن في المستقبل القريب "بعون المافيات"، بعد أن تبين أن لا رغبة، ولاجدوى، في الحقيقة، إنسانية، أو حضارية على الإطلاق من تأمين سيارة، وبيت مناسب، ووجبة صحية ملائمة لكل مواطن، واستطرد بالقول أنه تم اكتشاف المزيد من المزابل الجماعية، وسيتم طرحها للاستثمار الاستهلاكي فورا، وفي أقرب وقت ممكن، ووضعها بتصرف المواطنين الأعزاء بعد إنهاء الترتيبات الخاصة بها، والتأكد من صلاحيتها للاستخدام الآدمي. كما وعد سيادته بتوسيع رقعة هذه المشاريع لتصبح أرض البلاد كلها مزبلة واحدة في إطار سياسة توحيد المزابل الوطنية، ولم شملها في ربوع الوطن الكبير. كما حظر إنشاء أية مزابل خاصة، أوغير مرخصة، وأهاب بالسادة المواطنين الإبلاغ عن أي تجاوز ليصار إلى قمع المخالفات، وإنزال أشد العقوبات بالمخالفين. وحين سئل عن السبب في تكدس كل هذه القمامات والنفايات ورواجها بهذا الشكل اللافت، أفاد سموه بأن ذلك عائد للافتقار إلى المكانس والمقشات الجيدة، وعدم وجود اعتمادات كافية، أو نية صادقة لتوفيرها.وقد تهكم أحد الخبثاء من الكتاب عليه بالقول إنه وزير بلا وزارة ، نظرا لعدم توفر المكانس والمقشات في مصلحة القمامة التي يديرها.
هذا وقد تم أمس، وبحضور لفيف من الأخصائيين والمتاجرين بشؤون القمامة والنفايات، وعدد كبير من الفعاليات والشخصيات المرموقة التي تعتاش على النفايات، وجموع غفيرة من الجماهير الذين تجمعوا أمام إحدى الحاويات، وحضروا بـ"طرنزيناتهم" المحدّثة (أربعة أبواب)، وعلى طنابرهم الخاصة من فئة 2000cc، حيث قام شهبندر التجار، ورئيس فرع مزبلة النفايات النووية في تدمر، المختص بشؤون الحاويات، بقص الشريط الحريري مؤذنا بافتتاح أكبر مزبلة شعبية تبلغ طاقتها الإنتاجية مئة ألف برميل زبالة يوميا، وقدمت له طفلة من رواد هذه المنشأة والإنجاز الوطني المتميز، كومة من النفايات غير السامة في كيس قمامة أسود عامر بالفضلات، وهتف الجميع فورا بحياة الهيئة العامة للمزابل، وكل الموجهين، والمشرفين على هذا المشروع الوطني الرائد العملاق، الذي يدر سنويا المليارات على الخزينة العامة للبلاد وجيوب بعض هواة جمع النفايات. وأقام الجميع بعد ذلك مأدبة نفايات في الهواء الطلق، واحتفالا جماهيريا ضخما للتعبير عن سرورهم بهذه المناسبة الغالية، وعقدوا لذلك الدبكات الشعبية في الشوارع، وسيّروا المسيرات الشعبية في الحارات، وتجمهروا أمام الحاويات رافعين شعارات قديمة من "الخردة" البالية، وأقيمت لذلك المباريات الإنتاجية إعرابا عن الإبتهاج بهذا اليوم التاريخي، وطيّروا في نهاية ذلك برقيات التأييد والولاء على هذا العطاء، والكرم الطائي الفريد في هذا الزمان، وطالبوا بأن يكون هذا اليوم المشهود، يوما للمزابل الوطنية تعطل فيه كافة الوزارات والدوائر الحكومية والرسمية ، نظرا لما يشهده هذا القطاع الحيوي من نشاط شعبي محموم، وإقبال، ورواج.
وقد صرح الناطق الرسمي باسم اتحاد المزابل الشعبية، أنه، وفي هذه الأثناء جرت احتجاجات، واعتصامات للإعراب عن الغضب جراء قيام بعض من جامعي القمامة بالتطاول على، وانتهاك حرمة بعض المزابل الوطنية التي درت على البعض المليارات، ونهبها بدون شفقة أو رحمة من قبل بعض صغار تجار القمامة والنفايات الجياع، ولا سيما بعد اكتشاف بعض التلاعب، والتزوير والاختلاسات في بعض الحاويات السائبة في العراء. هذا، وقد تم الإيعاز لمن يلزم بملاحقة المقصرين والفاسدين، وتقديمهم للعدالة والقضاء، وشكلت اللجان اللازمة لذلك. إلا أنه استدرك، معتذرا، بأن هناك المزيد من المزابل التي لم يتم اكتشافها بعد في هذا المهرجان الغريب، ووعد بتقديمها، مستقبلا، وبشفافية مطلقة للجمهور، ولكن، طبعا، بعد أن تفوح روائحها في كل الأجواء، والفضائيات.