واقع الشباب العلمي ..... بين أللامبالاة واستبداد الطغاة
أمجد حامد
جامعة بغداد – كلية العلوم السياسية
عندما نلقي نظرة صوب حركة شبابنا العلمية، وعندما نجد إن الشاب لا يشارك في الحركة الثقافية والسياسية نبكي دما ونتألم لما وصل إليه العراق، لأنهم يمثلون الضمان الأكيد وصمام أمان مستقبل البلد، بعد أن كان هذا البلد منجما لمفكرين وفلاسفة وعباقرة وفنانون وأدباء وشعراء نذروا أنفسهم لخدمة بلدهم لكن ما نراه في هذه الحقبة الزمنية الحرجة التي يمر بها بلدنا الجريح من هجمات ثقافية وفكرية لأبعاده عن واقعه العلمي،هي بالتالي مرحلة تراكمات أثرت على الناحية العلمية للشاب العراقي فامتدت آثارها على نواحٍ عديدة؛ لكن ما يؤسفنا حقاً هو إغفال هذا الشاب ما لقيمة العقل من خلال مساهمته في نشر السعادة الدنيوية والأخروية على حدٍ سواء ورفع الحيف والظلم عن الأمة وصنع الحضارة ، في مقابل ذلك يظهر الشاب بصورة متناقضة متمثلة بانعزاليةٍ واضحة بين عقله وإبداعه من ناحية وبين واقعه من ناحيةٍ أخرى، ويشترك هذا الأمر في تأثيره على تحصيله العلمي والثقافي وفهم الموجودات ، فهم الذات والعالم الخارجي ، والتعامل مع الأشياء تعاملاً عقلياً منطقيا والمساهمة الفعالة في بناء وطنه .
إننا عندما نرجع إلى فترة زمنية ليست بالقليلة وتحديدا الحركة الاثينية الافلاطونية الارسطوطاليسية، التي تمثل كما يعتبرها بعض المثقفين نواة تأسيس دولة المواطنة وظهور أول ملامح الدولة السياسية وغيرها من المفاهيم والمصطلحات المتعارف عليها، فقد جعلوا قيمة عليا للفيلسوف وقلدوه السلطة في ذلك الوقت وهذا ما نتلمسة من مقولة أفلاطون :-\"إن الفيلسوف يجب إن يكون حاكما والحاكم يجب أن يكون فيلسوفا\"!! لاحظ مدى الاهتمام الكبير الذي انصب على المثقف ودور العقل في بناء الأمة نحو النور الحضاري، هذا فكان دور الإسلام واضحاً في النهضة العلمية ودورها في بناء المجتمع السليم كما ورد (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) وحديث الرسول(صلى الله عليه وآله) : (اطلب العلم من المهد إلى اللحد ) وغيرها من الأحاديث الكثيرة التي تنصب على هذا الجانب وما تأثره على المجتمع. فالعلم هو المنطلق الأول لحركة النهوض والانعتاق الثقافي ويعتبر جوهر الإنسانية وله الدور الأكيد لقيادة العالم نحو الصلاح ونحو التكامل، بالنتيجة قيام امة متماسكة من كل الجوانب فهو إذن الأداة الفعّالة في صنع الحضارة والمدنية. فعندما يتكامل العقل والعلم وتتوج العملية بأن يصبحان حرين ويكون هنالك متسع من التفكير والتأمل ويكون هنالك تعامل مع الرسالة الإلهية وتطبيقها تطبيق سليم ينفع الأمة ويخرجها من كل مظاهر الفكر الدخيل فيغنينا عنها وفق نظام نظري وعملي متقن قد تكون الأمة وضعت أول خطوة على مسار التغيير والانطلاق نحو الصلاح .
حسناً، فإن فحوى سطورنا هي تفسير عدم مشاركة الشاب العراقي في عملية النهوض العلمي والتقدم الفكري وقلة إبداعه على المستوى \"النظري والعملي\" وابتعاده عن خلق نظريات جديدة نابعة من روح الشاب تنفع الشعب في هذا المرحلة المتأزمة، ولكي نقف على الداء الحقيقي للشاب العراقي يجب أن نضع أسباب هذه الكارثة الفكرية فيمكن وسنلخصها بسببين رأسيين هما :-
1) ابتعاد الشاب العراقي عن الكتاب وإهمال الجو العلمي :- نحن إذ لاننكر الأبعاد السياسية والاقتصادية الاجتماعية هي من أسباب هذا الجانب أي (اللامبالاة) . لكن يجب أن لاننكر أيضا الروح الإرادية لدى الإنسان فهي الدافع الرئيسي الذي يتغلب على كل الصعاب ويمهد الطريق لمراد أي شخص وكما يقال إن الحرمان يولد الإبداع، لكن ما نراه العكس فقد أستسلم شبابنا لهذا الواقع بدليل واضح وصريح من خلال عدم اهتمام الطالب بدراسته وتغيبه عنها، ولكي نقف على العلة أكثر فلنقارن بين مرحلة الستينيات والسبعينيات إلى نهايتها مع مرحلة الثمانينيات والتسعينيات إلى حاضرها نرى إن طالب الستينيات يستغني عن شراء(قميص وبنطلون) من اجل شراء كتاب، ويوفر مصروفه ليدفع نفقات دراسته، على النقيض عند جيلنا فاهتمامه ينصب على المأكل والملبس فتراه يبحث عن آخر الموديلات الغربية من أنواع الألبسة والأقمشة والأحذية وغيرها...، تاركا \"الموديلات\" العلمية والثقافية وما يطرأ عليها من تجديد وتغيير .
والشكل الآخر تجد إحساسه مليء بالإحباط عندما يدخل إلى قاعة الدراسة أو الجامعة حيث الجثة الهامدة المجردة من العقل، فلا يصب تفكيره عن المادة التي تلقى أو المبادرة بنقض نظرية ما أو تعديلها بل يتأمل كيف يشتري \"موبايل\" أو آخر البومات المطربين فنراه يلعن اليوم التي ولدته أمه جراء مكوثه ساعة في قاعة المحاضرة، لذا تصح مقولة أحد أساتذتي في واصفاً حال الطالب: ( إن حضر لا يعد وان غاب لا يفتقد !!) لكن الأهم من ذلك كله وجود فجوة كبيرة بينه وبين الكتاب فعمر الشاب يصل إلى عمر 25 أو 30 ولم تسقط عيناه على كتاب واحد ويصل الأمر إلى عدم قدرته على الكتابة والقراءة، إن سبب هذا هو عدم شعوره بالمسؤولية تجاه دينة وبلده ونادرا ما ترى احد الشباب يؤلف كتابا أو يبحث في دراسة تحليلية معاصرة أو حتى يصدر منشورا . وهذا الكلام قد لا يقتنع به شبابنا في الوقت الحاضر وقد يستهزئ بك ويصل الأمر إلى أن يألف \"نكتاً\" عليك فلا يعير لك أي اهتمام، وما درى إن هذا الموقف الذي بدر منه قد يكون سبباً لخراب بلده ودماره.
يمكن لأي شخص أن يسير في أرصفة شارع المتنبي حيث المخزون الثقافي والإرث الفكري، تشاهد إن نسبة الشباب في هذا المكان لا تتجاوز 10% أما الباقي فهم من عمر الكبار في السن، هنا تقاس مدى فاعلية الكتاب بين صفوف الشباب العراقي بابتعاده عنه.
يجب على الشاب العراقي مراجعة حساباته فالمسؤولية ملقاة على عاتقنا نحن الشريحة الشبابية فمن يا ترى سيحمل مسيرة هذا الشعب المكبل بالجراح هل نستورد عقول من خارج أسوار العراق كي يعث الغرب الكافر فسادا في أرضنا ويجردنا من ديننا ونبقى مشلولي الحركة لا نحرك عقلنا ساكنا ؟؟؟.
2) استبداد الظلمة وتسخير قواهم لكبت العقول المبدعة:- حين يقمع العقل والعلم ويتسلط الإرهاب الفكري نحوه، وتشل حركة الإبداع وإرجاع الحركة العلمية الفكرية إلى القرون الوسطى، سوف يلقي بضلاله ويؤثر على الإرادة العقلية لكسب الثقافة، لقد مورس في عهد النظام ألبعثي الفاشي بمساندة ومعاونة من القوى الخارجية المتمثلة بالغرب الكافر. مورس اعتى أنواع الحرب الثقافية والفكرية لتجريد الشاب من دينه وقيمه ومعتقداته أولاً وثانياً جعله يعيش في دوامة التخلف والجهل بما يجري حوله وارباك الشاب العراقي من خلال جعله لا يمييز لما يجري حوله مما تسببت كارثة في التخلف واتساع ظلمات الجهل والركود.
إن ممارسات البعث كانت ورقة ضغط على الشبيبة العراقية وهذه الممارسات استنزفت العقل العراقي وجعلته النواة الأولى لبداية تخلفه وابتعاده عن الكتاب لكي يبقى مرهونا بشعارات واهية متمثلة بفكرة واحدة وهي القومية العربية ووحدة العروبة، وتضييق الخناق عليهم والحيلولة دون وصول الكتب العلمية الدينية أليهم لذا ترى الشاب الحريص منهم يتبادل الكتب والمنشورات بسرية تامة حتى وصل الأمر إن بعض الكتب يصدر لمن يتناولها حكم الإعدام .
فضلا عن المناهج المتخلفة في الدراسات الابتدائية والمتوسطة وحتى الجامعية التي لا تشبع من جوع ولا تغني من فقر فترى الطالب يتكأ على (الملازم) وهي مختصرات للكتب (والدروس الخصوصية) لتقوية الطالب في الدرس وهذه كلها سلبيات من شأنها تخلف البلد لا النهوض به .
فبين الحالة الاقتصادية السيئة التي يعيشها الشاب من عدم توفير ابسط مستلزمات المعيشة والحالة الاجتماعية المملوءة بالنكبات والآهات والحالة النفسية الصعبة؛ أصبح همه الوحيد في كيفية الحصول على بضعة نقود لكي يسد رمقه وعائلته .
لذا فما علينا نحن شباب اليوم إلا أن نسعى جاهدين لبناء واقعنا هذا وان نغيره تغيير جذري يتناسب مع تطلعاتنا وأهدافنا، كي لا يبعدنا من لا يريد الخير لهذا البلد عن السلوك الذي تربينا عليه ولنثبت لهم إننا لازلنا بلد الحضارات والإبداعات وفي النهاية نمنح التقاعد للمثقفين القدامى ونقول لهم جزاكم الله خير جزاء المحسنين وكونوا مشجعين لنا، فأننا نريد أن نبني بلدنا بطريقتنا الخاصة نبنيه وفق رؤانا التي سنرسمها بحيث تتناسب وواقعنا الذي يريد حركة فعلية نابضة من روح الشباب للبناء والتطور والنمو.