تعقيبا على رسالة الدكتور كاظم حبيب للسيد عبد العزيز الحكيم

 آلام العراق بين تخدير "الوحدة الزائفة" وجراحية "الأقاليم" المؤجلة

 

علي آل شفاف

Talib70@hotmail.com

تلبدت سماء أفكارنا بغمامة سوداء هائلة من الضخ والتزييف الإعلامي , فلم نر الشمس المتربعة في كبدها, لكننا نشعر بآثارها التي يحاول الكثير إخفاء مصدرها. لهذا ترى الكثير منا منهمك في التفكير والتنظير والجدال والصراع من أجل إطفاء شمعة هنا, أو شعلة زيت هناك, دون يبني له ظلا أو حاجزا يقيه حر الشمس الحارقة . . لتبقى معاناتنا دائمة دوام غيابنا عن واقعنا, وضلالنا عن هدفنا.

 منذ عقود طويلة, من قبلها قرون أطول, يكابد العراقيون الآلام, وينزفون الدماء, ويفقدون الأبناء . .

تحت نفس الأفكار المجرمة, ونفس الفتاوى السوداء, ونفس أدواة الجريمة, ونفس القتلة؛ الذين يتكررون في كل زمان وآن. والضحية واحدة دائما . . هذه هي (الحقيقة) التي قد يضل الإنسان عنها, لأنها ليست بمتناول الجميع؛ لكن ضلاله عن (الواقع المتحقق) لا يمكن, إلا إذا كان غافلا أو متغافلا, أو أراد أن يضل أو يضلل.

 إن الدعوة لإقامة الأقاليم هي تطور طبيعي للبنية الهيكلية السياسية العراقية, فرضته ضرورات تأريخية ومرحلية, ولها من المبررات والدواعي الملحة ما لا يمكن التغافل عنه أو تجاهله. وعلى من يدعو إلى عدم (إقامة الأقاليم), بدعوى "الوحدة الوطنية" ـ علما أن لا تضارب بين الإثنين ـ أن يعطي الضمانات  المؤكدة والبعيدة المدى, لعدم تكرار ما جرى ويجري عبر العقود والقرون الطوال, وما جرى يجري حاليا, من عمليات قتل وإبادة للشيعة. خصوصا وأن جميع الدلائل تشير ـ ليس إلى إمكانية تكراره فحسب, بل ـ إلى الإصرار على تكراره, من قبل جهات معلومة وغير معلومة, خارجية وداخلية . . فلا أعتقد أن هناك من يتجرأ أو يغامر بإعطاء ضمان مثل هذا. 

لقد أصبح حق (إقامة الأقاليم) حق أساسي من حقوق الإنسان في العراق, لأنه يرتبط بحقه في الحياة الحرة الكريمة. وهو (العملية الجراحية) المنتظرة لشفاء العراق المريض, الذي ما انفك يئن من جراحات الماضي والحاضر, بعد ان لم تنفع سنوات وعقود من جرعات التخدير والمهدئات, التي أثبت الواقع الحالي أنها لا تشفي ولا تسمن ولا تغني من جوع.

 بعد أن صوت الشعب لصالح قائمة وضعت (إقامة الأقاليم) كأحد أهم أولوياتها, أصبحت مسألة (إقامة الأقاليم) خيار الشعب, الذي ليس للسيد "عبدالعزيز الحكيم" ولا للدكتور "كاظم حبيب", ولا لأي شخص آخر حق التخلي عنه. لأنه سيكون استهانة واستخفافا برأي الشعب ـ وربما ـ سيكون خيانة, على الشعب محاسبة من قام بها.

 إن الإنشغال بـ (أصنام مصطلحية) فارغة المحتوى, بعيدة عن الواقع, مستلة من (أفكار أفراد), عممتها المصالح؛  ليعد ضعفا في النفس والفكر والبصيرة, ينبغي علينا مواجهته ومعالجته, بكل الوسائل. فلا يوجد أي مبرر مقبول لكي نبقى متخبطين في هذه العقبات والموانع و (المقدسات المصطنعة) التي وضعها في طريقنا من وضعها, وما هي إلا قناعات ومصالح آنية, تواضع القوم عليها, أو فرضت عليهم في ظرف معين من الزمان والمكان . . وكلنا يعرف كيف كان الناس أيامها, بساطة وطيبة وأمية وجهلا وفقرا. لهم عصرهم وأسلوبهم وقناعاتهم, التي يتحتم علينا مراجعتها وتقييمها, لنرى الأصلح ـ الآن ـ لنا ولبلدنا. فليس القوم بأفضل من القوم, وكل له رؤيته واجتهاده في دفع الضرر وجلب المصلحة.

 إننا الآن وبكل صراحة وضوح ـ كوننا عرب شيعة في محيط عربي سني ـ مهددون بخطر الإبادة والإستئصال, أو في أحسن الأحوال الاضطهاد والإستذلال والإستعباد, وهو خطر حقيقي فضحه الواقع العراقي والعربي . . وهو الشمس التي يحاول من يحاول خداعنا عنها بشمعة الوحدة الوطنية المزيفة. وأخوّة السيد والعبد, ومغالطة الإنتماء القومي المجتزأ الواحد, الذي لا يأمنون به إلا عندما تتهدد مصالحهم, أما عندما يطمئنون فيدفعونا عنه, لنصبح ـ تارة ـ "صفويين", وتارة "هنود", و(مريخيون) تارة ثالثة!!! نفس الألسن التي تتشبث بالإنتماء القومي الواحد, تتهم شيعة العراق بهذه الإنتماءات البعيدة والغريبة . .

 أيها السادة . .

عن أي انتماء قومي واحد تتكلمون؟

 نحن نؤمن بأننا أكثر العرب أصالة, ونعتز بعروبتنا التي نبعت من العراق لتصب فيه, وهذه هي ميزتنا عن باقي العرب, فنحن منبع العروبة لا مصبها, ونحن أصل العروبة لا فرعها . . لكن عروبتنا هذه لم تحمنا ممن قتل وفتك بأبنائنا, واستباح دمائنا, من أخوتنا في العروبة . . حتى أصبح (العراقي العربي الشيعي) عدوا مفترضا عند معظم العرب, حتى الذين نلاقيهم ـ هنا ـ في أوربا.

 فجَعْل (الانتماء القومي الواحد) ـ لوحده ـ أساسا لدعوى الوحدة, دون تقييده بواقع كـ "الأقاليمية", يمنع الاستقواء بالأغلبية على الأقلية, ليعد جهلا وسفها وحماقة ما بعدها حماقة. وكأننا لا نعتبر مما جرى ويجري لنا, ونستحقه كله, وأكثر منه!!

 إن الشيعة يقتلون لأن لهم في الإسلام رؤية تختلف عن أغلبية العرب, الذين جعلوهم أمام خيارين لا ثالث لهما: فإما أن يبقون ضحية وعبيدا, أو مواطنين من الدرجة العاشرة ـ في أحسن الأحوال؛ أو يجتهدون في حفظ دمائهم, ودماء أبنائهم وأجيالهم اللاحقة سواء بإقامة الأقاليم أو غيرها, فلا مقدس أكثر من حق الحياة. هذه هي الحقيقة التي تعودنا على إهمالها, أو الخوف من كشفها, والتي يتحتم علينا مواجهتها ومعالجتها واستئصال خطرها من جذوره, لكي نعيش بكرامة, أعزاء أحرارا سعداء في وطننا, مع باقي شركائنا فيه؛ ونضمن بذلك مستقبل أجيالنا القادمة. إنها مهمة تأريخية كبيرة, ومسؤولية عظيمة, تلك التي حملنا إياها القدر, لكي نصحح خطأ وظلما وغبنا تأريخيا هائلا وفضيعا.

 إن "الوحدة الوطنية الحقيقية" أمر مهم ـ ومهم جدا ـ إلا أنه لا يمكن أن يكون ذريعة تستباح بها الأنفس البريئة, في غير حرب ضد عدو, أو مواجهة لمعتد؛ بل تحت مبدأ ظالم وجائر, هو الحق الإلهي المزعوم لسيادة فئة على فئة . . وهذا هو أصل الداء.

  

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com