الحكومة المقبلة بين إلأستحقاقات الأنتخابية والتوافقية والأمريكية

ساهر عريبي

sailhms@yahoo.com

 

مع إقتراب موعد الأعلان عن النتائج النهائية للأنتخابات النيابية العراقية, ترتفع حمى الصراع حول تشكيل الحكومة المقبلة والمؤمل منها قيادة البلد خلال الأربع السنوات القادمة في هذا البحر المتلاطم بشتى انواع الأمواج, بدأ من موجة الأرهاب وإنتهاءا بموجة الخدمات العامة المتردية.

 وفيما تسعى الأطراف الفائزة إلى التأكيد على ان الحكومة القادمة ينبغي أن تولد من رحم الأنتخابات, تحاول أطراف أخرى تجاوز الأستحقاق الأنتخابي والتأكيد على ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية بعيدا عن نتائج الأنتخابات , بل لقد ذهب بعض الأطراف المتطرفة بعيدا, ملوحا بعواقب لن تحمد عقباها إن تم إعتماد نتائج الأنتخابات التي وصفت بأنها مزورة, كأساس لتشكيل الحكومة المقبلة.

 وواقع الأمر أنه لايمكن تشكيل حكومة ناجحة تستطيع قيادة البلد في هذا الظرف العصيب دون مراعاة كلا الأستحقاقين ألا وهما الأستحقاق الأنتخابي وإستحقاق التوافق الوطني. ولقد غاب عن ذهن الكثيرين  أو يحاول البعض تجاهله ظاهرا  إستحقاق ثالث , ألا وهو الأستحقاق الذي يمليه تواجد القوات المتعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وتحملها لأعباء الملف الأمني الذي تدفع ثمنه كل يوم . فبدون مراعاة هذه الأستحقاقات الثلاث لايمكن تشكيل حكومة ناجحة تسير بالعراق نحو بر الأمان والأزدهار.

 فالأستحقاق الأنتخابي لا يمكن تجاوزه بأي شكل من الأشكال كما نص على ذلك الدستور الذي ألزم رئيس الجمهورية بضرورة تكليف أكبر كتلة برلمانية بتشكيل الحكومة الجديدة . ولذا فإن تجاوز هذا الأستحقاق هو نقض للدستور وإفراغ للديمقراطية  العراقية من محتواها , وتحويل للعملية الأنتخابية التي تحدى فيها الشعب العراقي الأرهاب إلى عملية عبثية لا قيمة لها. ولذا فلايمكن تجاوز هذا الأستحقاق بأي شكل من الأشكال لأن فيه خيانة وتزييف لأرادة الناخبين العراقيين , وتجاوزة سيدخل البلد في نفق مظلم لايعلم أحد نهايته.

 ومن ناحية أخرى فإن التهميش الذي أصاب بعض الأطراف العراقية في المرحلة الماضية لأسباب ذاتية أو خارجية , قد دعا هذه الأطراف الى المشاركة بقوة في الأنتخابات الجديدة , إلا أن هذه المشاركة لايمكنها بأي حال من الأحوال الخروج عن الواقع الديمغرافي العراقي الذي لايمنح هذه الأطراف الأغلبية بين المكونات العراقية المختلفة . إلا أنه لايمكن بأي حال من الأحوال تجاوز هذه الأطراف وتهميشها في المرحلة الراهنة التي يواجه العراق فيها تحديات كبيرة ولعل اهمها تحدي الأرهاب.

فهذه الأطراف تتمتع بدعم إقليمي وعربي كبير وتمتلك إمكانيات إقتصادية كبيرة فضلا عن قدرتها على لعب دور كبير في القضاء على الأرهاب وإحلال الأمن في العراق , وهذا الأمر لن يتحقق إلا بمشاركة حقيقية لهذه الأطراف في الحكومة القادمة , وليس مشاركة صورية كما حصل سابقا. إن الواقع العراقي الحالي يشبه إلى حد كبير الواقع السياسي لجمهورية جنوب أفريقيا في اعقاب إسقاط النظام العنصري فيها , إذ لم يتم تهميش البيض من الحكم رغم كل ما فعلوه , بل إن حاجة البلد لهم في تلك المرحلة قد اوجبت مشاركتهم في الحكم ولعبهم لدور مؤثر رغم كونهم أقلية بين اكثرية سوداء. ولذا فإن التحديات التي تواجه العراق اليوم وعلى رأسها تحدي الأرهاب يقتضي مشاركة كل الأطراف الفاعلة والتي تمتلك حضورا مؤثرا في الواقع السياسي العراقي من خلال نفوذها في الداخل أو من خلال علاقاتها الوثيقة بالقوى الأقليمية والدولية المؤثرة.

 وأما الأستحقاق الثالث , فالذي يمليه هو الواقع العراق الذي أعقب سقوط نظام صدام على يد قوات التحالف التي تمتلك اليوم حضورا عسكريا وسياسيا قويا لا يمكن تجاهله مع الأخذ بنظر الأعتبار إشراف هذه القوات على الملف الأمني.

فضلا عن الدعم الأقتصادي والسياسي التي تقدمه الولايات المتحدة وشريكاتها للعراق في الظرف الراهن. فالعراق على أبواب تحول كبير في مجال الأعمار وإعادة بناءه , ولذا فهو بأمس الحاجة إلى دعم وإسناد دولي من هذه القوى النافذة في المجتمع الدولي والقادرة على جلب رؤوس الأموال للبلد والساعية لأسقاط الديون عنه. إن أي تجاهل لهذا الأستحقاق سيطيل امد الأرهاب ويبطيء عملية بناء العراق وإعادة إعماره.

 ولنا في تجربة الحكومة الحالية خير دليل على عدم إمكانية نجاح أي  حكومة تتجاوز أي من الأستحقاقات الثلاث المذكورة. فالحكومة الحالية تشكلت على أساس الأستحقاق الأنتخابي ودون مراعاة لأستحقاق التوافق الوطني , ورغم ضم الأطراف المؤتلفة فيها ألا وهي الأئتلاف العراقي الموحد والتحالف الكردستاني لعدد من الشخصيات العربية السنية , إذ أن التمثيل السني بقي صوريا وغير مؤثرا, فضلا عن عدم مشاركة القائمة العراقية في الحكومة الحالية. ولذا فلم تنجح الحكومة في القضاء على الأرهاب وفشلت فشلا ذريعا في تأمين الخدمات التي ساءت ألى حد كبير في الأيام الأخيرة.

  ومن ناحية إخرى فأن الحكومة الحالية لم تراع الأستحقاق الأمريكي في تشكيلها وحتى في بعض الملفات التي تنهض بأعباءها القوات المتعددة الجنسيات ومنها الملف الأمني. فالحكومة الحالية تعتبر بقاء هذه القوات أمر ضروري في المرحلة الراهنة  وهذه الحاجة تقتضي مراعاة هذا الأستحقاق في تعيين المشرفين على هذا الملف ممن تفضل القوات المتعددة الجنسيات التعاون معهم في هذا المجال من أجل التسريع في إحلال  الأمن في ربوع الوطن. وكانت نتيجة عدم مراعاة هذا الأستحقاق المزيد من تدهور الوضع الأمني وبالتالي الخدماتي ومن ثم تعرض عملية إعادة إعمار العراق ألى نكسة كبيرة بسبب إحجام الدول المانحة عن تقديم العون وكذلك إحجام المستثمرين عن إعمار العراق بسبب هذا الوضع الأمني المتهريء.

 إن من يريد تشكيل الحكومة القادمة عليه أن يضع مصلحة الوطن فوق أي إعتبارات أخرى وأن يستفيد من أخطاء الماضي وأن لا يكررها وهذا لن يتحقق إلا بتشكيل حكومة عريضة من جميع الأطراف مراعيا فيها الأستحقاقات الثلاث , ألا وهي الأنتخابية والتوافقية والأمريكية وإلا فعلى العراق السلام!

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com