|
الأستحقاق الأنتخابي والحق الدستوري الضائع الدكتور لميس كاظم
أنتهت الأنتخابات العراقية منذ أكثر من شهر ودخلت الكتل الأنتخابية لعبة شد الحبل من جديد والتي تمرست عليها في الأنتخابات السابقة. لقد كانت الكتل قبيل الأنتخابات ناعمة، مساومة، سلسة ومستجيبة لكثير من الثوابت المشتركة. لكن ما أن ظهرت النتائج الأولية، غير الرسمية، حتى أرتفعت الهرقطات والمهاترات الأعلامية وأسفر بعض الاطراف عن دوافعهم الحقيقية، ناسخين بعض ألتزاماتهم التي أتقفوا عليها قبيل الأنتخابات ومما أزم الوضع وعادت المفاوضات الى مرحلة ما قبل مؤتمر الوفاق الوطني. فعلى ما يبدوا أن المشكلة ليس في الناخب العراقي بل هي عقول قسم من قادة العراق التي تحمل بين طياتها أمراض سياسية موروثة من الزمن العتيق. فقد ظهرالحقد السياسي والفكري عشية الأنتخابات والذي تمثل في قتل وجرح عشرات المواطنين والمرشحين وكانت قسم من الحملات الأنتخابية لا تمت صلة بالبرامج الأنتخابية بل صبت الزيت على الأحتراب الطائفي والفكري. وظهر من جديد التزّمت والأصرار على المواقف القديمة وعاد قسم منهم الى سقف المطاليب التعجيزية، المحلقة في السماء، للحصول على مطاليب أكثر وأبتزاز أطرف اخرى ومحاولة أبعاد قوى لها تأريخ سياسي مشرق. ومن خلال التجربة الأنتخابية السابقة والحالية توضّح بأن هناك نفوس وعقول لبعض من ساسة العراق لا زالت غير متصالحة مع الأخرين ولازالت مسكونة بالحقد القديم الذي يلهب نار الفتنة والتجزئة بين ابناء البلد الواحد بالوقت الذي يمضي العراق بصفحات جديدة من الدستور الموحد وبخطى ديمقراطية تحتكم الى الحوار ومنطق العقل ودولة المؤسسات الدستورية. لكن على ما يبدوا لازالت حالات الأنفصام بين الممارسة والواقع سارية المفعول في عقولهم، فنراهم شفافين ، وطنيين ، عادلين في خطابهم السياسي الذي يناشدون به عقل الناخب، وفي الواقع التطبيقي، هم طائفيون، حاقدون، سلطويون. فالديمقراطية التي يحاولون أن ينفذّوا بها الى عقل المواطن العراقي تحمل بين مفرداتها جراثيم ملوثة من الزمن السابق والتي تزيد من أشاعة فيروسات وأمراض سياسية قديمة بين ابناء الوطن الواحد لتباعد صفاء العلاقات بينهم. فعلى ما يبدوا أننا سنرجع الى حقل الالغام الأعلامية الذي جربت في الانتخابات السابقة وستتأخر تشكيل مجلس الأئمة والحكومة لأشهر عديدة وبالنتيجة سيزداد الانفلات الامني وتدهور الخدمات الى حد غير معقول. ترى من سيتحمل نتيجة ذلك في بلد يمتلك دستورا ثابتا؟ ومن سيكون بالنتيجة الخاسر والفائز من هذا التأخير؟ قطعاً سيكون الناخب والوطن والدستور هم الخاسرون الاساسيون وستكون الأحزاب والنواب والوزراء الجددد الذين سيشكلون مجلس الائمة والحكومة هم الفائزون. وما زاد في تعقيد الامر، هو أرجاء اعلان نتائج الأنتخابات من قبل المفوضية العليا للأنتخابات الى ما بعد نتائج لجنة التحقيق الدولية التي جاءت الى العراق لتدقيق الخروقات لكنها تعثرت أكثر من سابقتها وكل فترة تحاول أن تأجل وتؤخر النتائج وصولا الى الموعد المنتظر في 19 من هذا الشهر وعسى أن يكون الفرج قريبا. وبعد يومين من نتائج التحقيق ستعلن المفوضية نتائجها غير المصدقة وستنتظر الطعون الجديدة وبعد أسابيع ستعلن النتائج المصدقة. ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أن الأحزاب الفائزة لم تعلن لحد الأن مرشحها لرئاسة الوزراء، بل علقت الأمر، الى ما بعد نتائج الأنتخابات الأولية بأسبوعين او اكثر. ولن ينتهي الأمر عند هذا الحد بل سيبدأ ما هو اصعب وأكثر اشكالا، إذ ستدخل الكتل الفائزة في صومعتها ومشاوراتها السرية والمحصصات البرتوكولية التي قد تسغرق شهور أخر. يعني بالعراقي المفيد * جيب ليل وأخذ عاتبة * لحين تشكيل مجلس الأئمة والحكومة وقد تكون الفترة المحددة لأصدار قوانين الملحقة بالدستور قد أنتهت مدتها القانونية وعندئذ ستُخبز هذه القوانين بنار سريعة وستخرج متلهوكة وغير مسبوكة كما حصل في فقرات الدستور. أن كل هذه الأرهاصات والمهاترات الأعلامية غير مبررة على الأطلاق وهذا الاحتراب الحزبي مفتعل وغرضة يتعارض مع بنود الدستورالذ ي يلزم الجميع بأحترام فقراته. هنا نرى غياب دور المحكمة الأتحادية العليا التي من المفترض أن تحاسب كل من ساهم في تأخير وعرقلة تشكيل مجلس الائمة والحكومة الشرعية. إذ لابد من انهاء حالة الشلل السياسي والاداري والحكومي الذي يجري في البلد. فأن هذا التأخير يقف وراءه جهات من مصلحتها ان يمر الوقت ويبقى البلد بدون حكومة وبرلمان لتعميق الحالة التناحرية بين الأحزاب وبقاء الوضع مرتبك في مجمل الحياة البرلمانية والحكومية . فأن الحكومة الجديدة مطالبة بسن وأصدار أكثر من 51 قانون تكملي لبنود الدستور في فترة اقصاها أربعة اشهر. أن هذه القوانين ستعتبر القصبات الهوائية التي ستغذي رئة الدستور العليلة وستحاول أن تنقذ البلد من الامراض الموبؤة والقاتله التي تأصلت في جذوره. فالدستور بهذه الصيغة لا يمكن ان يخلق مناخا ديمقراطيا سليما لعموم الوطن الجريح وبقاء الدستور بدون قوانين وطنية حقيقية هو الضمانة الأكيدة التي ستدفع العراق الى شاطيء الأحتراب والتطاحن الطائفي والفكري. وهذه المماطلات بحد ذاته هي محاولات يائسة لوضع العصا في عجلة ديمقراطية العرق لتأخير سير العملية الدستورية بأسسها الصحيحة. أن تشكيل مجلس الأئمة والحكومة العراقية القادمة بأسرع وقت ممكن وسن قوانين الدستور المكملة والمباشرة بمهام كل مؤسسات الدولة، أنما هو استحقاق دستوري يتطلب من كل الأطراف الألتزام به والعمل على تطبيقة قانونيا. لكن الذي يجري في البلد حاليا هو أن الدستور والقانون يسبحان في بحر والأحزاب والكتل السياسية وقادتها يسبحون في بحر ثاني بعيد عن كل ما كتب وأقر ودفع ثمنه الشعب العراقي غاليا. أن الأحزاب المساهمة في الأنتخابات لا يحق لها ان تبقي حالة الشلل وحكومة تصريف الاعمال كما تشاء وريثما تتوصل الى حلول تلبي مصالحها الحزبية الضيقة. وقد يستغرق ذلك شهورا طويلة ويكلف البلد ضحايا لا تعد ولا تحصى وهذا بحد ذاته مخالف للأستحقاق الدستوري. وهنا يظهر الساسة العراقيون مرة أخرى عدم أحترامهم لسلطة الدستور وفقراته التي تلزمهم بتشكيل الحكومة في فترة زمنية محددة وإلا لنركن الدستور على الرف ونلجأ الى المحاصصة المقيته من جديد. والغريب بالأمر أنهم هم الذين كانوا تواقين لأقرار الدستور وتطبيق دولة المؤسسات الدستورية، لكن لا حياة لمن تنادي . في ظل هذا الأشكال الدستوري قد تتحمل الأحزاب الفائزة المسؤولية الكبرى في خرق بنود الدستور بأعتبارها هي المسؤولة عن تشكيل مجلس الامة والحكومة. فلو كنا نحتكم الى دولة المؤسسات الدستورية القوية لحوسب كل من هو مقصر بحق أستحقاق الدستور الأنتخابي بعض النظر عن النتائج والأسباب. فالأنتخابات الحالية جرت في بلد يحكمه دستورثابت وشرعي وعلى الكل أن ينحني امام سلطته التشريعية بغض النظر عن النتائج لأنتخابية. ولو كنا نمتلك دستورا قويا لكانت المحاكم المختصة التي تسهر على تنفيذ فقرات الدستور مارست حقها القانوني وطالبت الجميع بحسم الامر ضمن الصيغة الدستورية المقررة. لكن القانون والدستور لا يزالان يرزخان تحت سلطة الحاكم الذي لا يكشف نواياه الحقيقية وما يبغي من كل هذه الهلوسة الديمقراطية.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |