حكومة وحدة أم وحدة حكومة ؟

محمد حسن الموسوي

almossawy@hotmail.com

مع اقتراب الموعد المحدد دستوريا لتشكيل الحكومة عاد الجدل من جديد حول شكلها , فمن داع الى حكومة وحدة وطنية تأخذ بنظر الاعتبار الاستحقاق الانتخابي ومن مصر لتكون حكومة توافقية تتجاوز ذلك الاستحقاق, وبين هذا وذاك يتأرجح مصير الوطن ومستقبله ويترنح المواطن وهو الدائخ اصلا من تدهور الوضع الامني وتردي مستوى الخدمات التي اصبحت أثرا بعد عين.

  اذ ازدادت ساعات انقطاع التيار الكهربائي وشح النفط والبنزين في بلد النفط وامسى منظر طوابير الناس والسيارات في محطات تزويد الوقود مشهدا مألوفا يندر ان يمر يوما بدونه,وبالنسبة للارهابيين القتلة فأن هذه الطوابير تعتبر صيدا ثمينا ً وسهلا ً فحزام ناسف او مفخخة تكفي لحصد العشرات من الارواح البريئة التي  لا ذنب لها سوى انها لا تعيش في جنة عدن اي المنطقة الخضراء حيث مقر حكومتنا الموقرة وبقية الاجهزة الرسمية والمنظمات المرتبطة بها. واما الحصة التموينية فقد غدت في عداد الموتى حتى راح المواطنون يتندرون بها ووصل بهم الحال ان كتبوا على الجدران  عبارة تقول ( انتقلت الى رحمة الله الحاجة حصة آل تموين والدة كل من شكر ودهن وتمن وطحين وسيقام مجلس الفاتحة على روحها في بيت كل فقير ومسكين عراقي).

 ويوما بعد يوم تتسع الهوة بين المواطن وحكومته (المنتخبة) التي لولا تضحياته وشجاعته وتحديه للارهاب واصراره على الانتخاب رغم كل المخاطر لما كان لهذه الحكومة ولا للتي ستأتي بعدها ان ترى النور. هذه الحكومة التي عزلت نفسها عنه ليس بتقوقعها خلف الحصون المدججة بالسلاح للمنطقة الخضراء فحسب, بل بعجزها عن تذليل الصعاب التي تواجه المواطن الذي جاء بها الى دفة الحكم والذي بات يحلم بيوم دافء آمن لا تفجير فيه ولا قتل ولا خطف , وبلقمة هائنة يأكلها مع عائلته تحت نور الكهرباء دون الخوف من انقطاعها.

 ورغم كل ذلل مايزال الامل بمستقبل واعد يعّمر قلب المواطن الذي بات يتفطر الما من جور ما يعانيه. الامل بالقادم وتحديدا بالحكومة المقبلة والتي راح المواطن المسكين يراها طوق النجاة في لجج بحر الارهاب والفساد الاداري والتسيب المتفشي في كل دوائر الدولة ومؤسساتها. فهل ستولد هذه الحكومة ولادة طبيعية ام ان عملية قيصيرية كسابقتها ستكون بانتظارها؟

 وفقا ً للمنطق الارسطوي او ما يسمى بالمنطق العقلاني فأن النتيجة تتبع أخس المقدمات, ومن التجاذبات والتصريحات النارية والتهديدات التي نسمعها في حديث الساسة والقادة والتي تجاوز بعضها حدود اللياقة السياسية واصبحت تعد انتهاكا للقانون وتحريضا على العنف والقتل, يمكننا ان نستنتج وببساطة ان عملية تشكيل هذه الحكومة ستكون صعبة للغاية مالم تغلب المصلحة الوطنية على اي اعتبار آخر وليزيد الحكام الجدد ومعارضيهم بذلك من معاناة المواطن الكبيرة . 

 الغريب ان زعماء الكتل السياسية الفائزة بالانتخابات أحضروا العربة قبل الحصان او كما يعبر عنه بالمثل العراقي الدارج (حضر العطابة قبل الجرح) وذلك حينما راحوا يتعاركون بالكلمات والتي نتمنى ان لا تتحول الى لكمات قريبا داخل البرلمان الجديد والذي يبدو انه مقبل على موسم من العراك اللغوي لا يعلم مداه الا الله حينما بدأوا يتخاصمون على شكل الحكومة المقبلة هل هي حكومة وحدة وطنية ام حكومة توافق هذا والبرلمان لما يتشكل بعد ؟!اي ان تقاسم المناصب الوزارية هو اهم شئ في برامج هذه القوى التي يفترض ان تخدم شعبها في هذه الظروف العصيبة.

 لقد جرت العادة في الديمقراطيات الناضجة ان يصار الى تشكيل البرلمان اولا ثم يُعمد الى تشكيل الحكومات. هذا ما جرت عليه العادة في الدول المتحضرة ذات الديمقراطيات التقليدية لكن الديمقراطية العراقية شذت عن القاعدة وهي ما تزال تحبو_كما شذت الاحزاب العراقية التأريخية من قبل عن نظيراتها في العالم_ اذ بدأت ديمقراطيتنا مقلوبة حينما راح زعماء الكتل البرلمانية المتنافسة يتصارعون على شكل الحكومة قبل ان يلتئم شملهم تحت قبة البرلمان وهذا مؤشر خطير على انحراف العملية الديمقراطية الوليدة في العراق لانه يسجل ظاهرة خطيرة  وهي اهتمام الساسة بالوزارة اكثر من البرلمان وكأن الوزير لديهم اهم من عضو البرلمان على العكس مما هو عليه الامر في الديمقراطيات الغربية اذ عضو البرلمان اكثر اهمية من المسؤول الحكومي الذي ينظر اليه على انه موظف لدى الشعب الممثل بأعضاء البرلمان المنتخبيين انتخابا حقيقيا لا تقف وراءه اصطفافات طائفية او عرقية قد توصل الى البرلمان من لا يفقه ابجديات العمل البرلماني والسياسي .

 ان  هذه الظاهرة السلبية _ اي الاهتمام بالوزارة اكثر من البرلمان_ تكشف لنا عن نظرة الساسة الخاطئة والمريبة للبرلمان ولوظيفته التشريعية المفترضة ولرقابته على الحكومة المنصوص عليها دستوريا ونظريا. فهم بنظرتهم هذه يعتبرونه جزءاً مكملاً  للوزارة , أي للسلطة التنفيذية التي يضعونها بتصورهم وفهمهم المغلوط هذا قبل السلطة التشريعية التي يمثلها البرلمان. اي ان اهتمامهم منصب على الوزارة وهم بهذا يكشفون عن حقيقة مرة هي عدم ايمانهم بمبدأ فصل السلطات وهو المبدأ الذي تقوم عليه الديمقراطية مما يعني اعادتنا الى المربع الاول أي الى  الديكتاتورية او الحكم المطلق غير المقيد ببرلمان او دستور.

وعلى اية حال فان المواطن العراقي غير مهتم بالجدل البيزنطي القائم الان بين بعض الساسة حول شكل الحكومة بقدر اهتمامه بما ستقدمه له من خدمات فهو يتطلع لرؤية حكومة قوية متناسقة ومتماسكة لا حكومة ترضيات وتبويس لحى كما هي  الحال عليه الان. وفي هذه النقطة تحديدا تتطابق نظرة المواطن العراقي العادي مع الاعراف والتقاليد في الديمقراطيات التقليدية في الغرب  اذ يتم في تلك الديمقراطيات التأكيد على مضمون الحكومة لا شكلها وبكلمة اخرى يتم التأكيد على وحدة الحكومة لا على حكومة الوحدة  فوحدة الحكومة تعني تماسكها وتناسقها وانسجامها كفريق عمل قادرعلى تحقيق المهام المناطة بها من قبل البرلمان سواء كانت هذه الحكومة مؤلفة من التكنوقراط فقط او من الساسة او من كليهما وسواء أكانت حكومة اغلبية برلمانية كما هو الحال مع حكومة السيد توني بلير او حكومة ائتلافية كماهو الحال مع حكومة السيدة ميركل الالمانية .

بتصوري من الممكن فض النزاع الدائر الان حول شكل الحكومة  رحمة ً بالمواطن الذي بدأ صبره ينفذ وذلك بالمزاوجة بين الرغبة في تشكيل حكومة وحدة وطنية تقوم على اساس الاستحقاق الانتخابي والرغبة في تشكيل حكومة توافق بغض النظر عن الاستحقاق  وتقوم المزاوجة على اساس تشكيل حكومة من خارج البرلمان  بتكليف من الكتلة ذات الاغلبية وبالتنسيق مع بقية الكتل على ان تحتفظ كل كتلة بأستحقاقها الانتخابي داخل البرلمان وبذلك نكون  قد احترمنا ارادة الشعب التي عبر عنها صندوق الانتخاب ولم نتجاوزه داخل البرلمان ونكون من ناحية أخرى شكلنا حكومة تقوم على اساس الكفاءة والاختصاص من خارج البرلمان ونتجاوز معضلة الحصص  وبعد ذلك ليس مهما ان تسمى هذه الحكومة مشاركة او وفاق او توافق او حكومة وحدة وطنية بل الاهم هو في وحدتها وانسجامها وتناسقها وبالتالي قدرتها على اعادة الحياة الى وطن اتعبته الحروب والى مواطن انهكته المحن.واذا بدأنا نفصل الديمقراطية وفق مقاييس الاشخاص والاحزاب ومنافعهم وطموحاتهم فاننا نكون قد صادرنا ارادة الشعب ووضعنا الكواليس بينه وبين الكتل المتحاصصة والمتوافقة فيما بينها.  اقتراح اضعه بين يدي من يهمه الامروالله من وراء القصد.

 

 العودة الى الصفحة الرئيسية 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com