حكم الأغلبية

 جاسم هداد

jasemhaddad@hotmail.com

يتعالى صراخ السياسيين العراقيين وخاصة سياسي القوائم الفائزة ، كلما اقترب موعد اعلان اللجنة الدولية للتدقيق لتقريرها ، فيصرح احدهم بأن قائمته " غير ملتزمة بنتائج تقرير الفريق الدولي " ، بينما يصرح آخر من قائمة منافسة للأول بأن قائمته " ستحترم رأي اللجنة الدولية المكلفة بالتدقيق في نتائج الأنتخابات سواء كانت ايجابية  أم سلبية " ، وشتان ما بين هذا وذاك ،  بينما يمارس سياسي آخر ديمقراطية التهديد بالقول ان  " من يرفض نتائج الأنتخابات سيصنف ضمن القتلة ، وسيكون للعراقيين ( إقرأ : ميليشيات حزبي ) موقف حاسم منه  " ، ويؤكد سياسي آخر على ضرورة " الأستحقاق الأنتخابي" و" حكم الأغلبية " .

 ان حكم الأغلبية الذي يتشدق به البعض يتطلب توفر مقوماته واهمها ان يكون البلد مستقرا ، والتقاليد الديمقراطية ضاربة جذورها فيه ، والوعي الأنتخابي بلغ درجة لابأس بها ووصل الى ان الناخب يعطي صوته على اساس البرنامج السياسي للحزب المعين ، والأنتخابات تتم في اجواء اعتيادية بعيدا عن الأرهاب السياسي والفكري ، والتخويف والترهيب وتسلط الميليشيات الحزبية ، وبعيدا عن تدخلات مخابرات الدول الأقليمية ، والدور المشبوه للمال السياسي ، وبدون الأستعانة بالجنة والنار ، او استغلال للمراجع والرموز الدينية .

 ويعلم هؤلاء قبل غيرهم ، لأنهم من خطط ودبر واوعز بالتنفيذ ، ان الأنتخابات الأخيرة جرت في اجواء لا تربطها والديمقراطية أية رابط ، اجواء مشحونة بالتخندق الطائفي ، والترهيب الميلشوي ، والتدخل المخابراتي الأجنبي ، وبذخ المال السياسي حيث تقدر الأموال المصروفة في الحملات الأنتخابية بمائة وخمسين مليون دولار ، أي ما يعادل مائتين وخمسة وعشرين الف مليون دينار عراقي ، ورافق ذلك تهديدات واغتيالات وحرق مقرات للأحزاب المنافسة ، ناهيك محاولات تشويه سمعة المنافسين بأساليب رخيصة . 

 وهم كذلك يعلمون حق العلم بأن الظرف الذي يمر به العراق الآن وما يشهده من " مأزق واختناقات وفلتان أمني وضائقة اقتصادية وتدهور في الخدمات وفوضى سياسية " ، لا يتطلب حكومة اغلبية ، بل حكومة وحدة وطنية تضم كافة اطياف وتلاوين شعبنا السياسية والدينية والقومية ، حكومة وحدة وطنية " تشارك بها كل القوى الفاعلة الحية في المجتمع العراقي لأعادة اللحمة والأستقرار والأمن الى ربوع الوطن " ، وكما صرح بذلك الأستاذ حميد مجيد موسى سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي  ، مع الأخذ بنظر الأعتبار الأستحقاق الأنتخابي .

 وكما يقول المثل الشائع فأن  " التجربة اكبر برهان " ، فلقد شهد العراق حكومة الأغلبية وما تحقق لشعبنا من  حكومة المحاصصة الطائفية ، فكل يوم اسوء من سابقه ، ومن ازمة لأخرى ، والفساد الأداري والمالي استشرى في كافة دوائر ومؤسسات الدولة ، وشمل كافة الوزارات سيادية منها او خدمية او ثانوية ، حتى الحج لبيت الله الحرام لم ينج من الفساد ، واصبح العراق من ضمن اشهر عشرة دول  في العالم ينخر الفساد فيها ، والكهرباء والماء والوقود فحدث ولا حرج ، اما الأمن فأحياء في بغداد لا سلطة للدولة عليها .

 وقال امام المتقين علي بن ابي طالب (ع)  " غبي من عثر بحجر مرتين " ، فكيف يطالب من طالب الناس بالتصويت لقائمتهم على انها قائمة الأمام علي (ع) ، بحكم الأغلبية في مثل هذه الظروف الصعبة المعقدة المربكة المرتبكة ، كيف يطالبون بأستحقاقات المكونات أي " شيعة ، سنة ، كرد" ، ويريدون اعادة تجربة فاشلة ذاق بسبب فشلها شعبنا الويل والعذاب ، واضيفت لسنوات عذابه تحت حكم البعث الفاشي سنوات اخرى  .

 ان الذي يطالب بـ " حكم الأغلبية " عليه النظر اولا لمصالح اغلبية الشعب العراقي ، والتي تطالب بالأمن والأستقرار ومكافحة الأرهاب الأجرامي التكفيري وارهاب الميليشيات الحزبية وتوفير الخدمات الأساسية ومحاربة الفساد الأداري والمالي ، واعادة العمل لعجلة الأقتصاد الوطني العراقي ، واشراك كافة ابناء هذا الوطن في عملية بنائه ، اعتمادا على المواطنة العراقية والكفاءة والنزاهة .

 ثم العمل على تحقيق الأستقلال الوطني واستعادة السيادة العراقية والذي يتمثل بخروج كافة القوات الأجنبية من بلادنا ، وتحقيق الرفاه والأمان ، وليس آخرا الحاجة الماسة الآن لحكومة وطنية عراقية تحس بـ " اوجاع كل العراقيين " كما عبر عن ذلك الدكتور سيار الجميل .

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com