|
قرار إلغاء إجازة الفيحاء قرار سياسي بحت وليس قرارا فنيا وداد فاخر* / النمسا
أتذكر إنني استمعت لأحد خطابات الرئيس الراحل عبد الناصر في أخريات أيامه بعدما صحا تماما من انغماسه السابق بالعنجهيات والمقولات البهلوانية أثر هزيمة العرب الشنيعة في حرب الأيام الستة ، أو حرب حزيران 1967 ، أو ما أطلق عليه العرب في حينها تجملا عام النكسة ، فقد قال ( اعتقد إنه لا توجد كلمة عدم انحياز فنحن أما أن نكون منحازين لجانب العالم التقدمي ، أو لجانب القوى الإمبريالية ) ، وهو كلام سليم مئة في ألمائه ، وليس أدل على ذلك الوضع السياسي الذي نعيشه ومنذ سقوط النظام الدكتاتوري الفاشي العنصري يوم 9 نيسان 2003 وحتى يومنا الحالي . إذ حصل اصطفاف واضح جدا بين الأكثرية الساحقة من الشعب العراقي المعادية للنهج الديكتاتوري والطامحة لبلوغ مرحلة متقدمة من الديمقراطية ، ميزه تماما عن فلول البعث الساقط والمنتفعين منه وحثالات المجتمع العراقي من القتلة والمجرمين واللصوص الذين ساءهم سقوط النظام الذين لا يستطيعون العيش بدونه وفق مكاسب معينة حصلوا عليها منه طوال فترة حكمه . ولافتقار عموم الشعوب العربية ماعدا القلة القليلة من مثقفيه الليبراليين للوعي السياسي والثقافي بسبب من الإعلام الرسمي المهيمن على عقول جميع الشعوب العربية ، فقد وقفت معظم الشعوب العربية مساندة قوى الإرهاب القادمة من خلف الحدود وبدعم مباشر من وزارات إعلامها الرسمية، إن كان ماديا أو إعلاميا وبالضد من توجهات وطموحات الشعب العراقي في بناء دولته الجديدة . لذا فلم يكن الإعلام كوسيلة حضارية بعيدا عن ذلك التوجه العربي الرسمي خاصة ، ساندته فضائيات عربية معروفة التوجه والأغراض تقف على رأسها قناة الجزيرة العربية وبعض الشيء قناة العربية المملوكة أصلا بصورة مشتركة بين السعودية والإمارات العربية . لذا يكون من غير المعقول أن تسمح قوى خليجية متنفذة داخل القرار السياسي الخليجي بخروج صوت واعد للديمقراطية من داخل الإمارات العربية كقناة الفيحاء الفضائية التي تتحدث بكل صراحة وديمقراطية فتبدو وسط فضائيات العهر العربية وكأنها تغرد خارج السرب ، وتشكل خطرا مستقبليا على الأوضاع السياسية التي تعيشها شعوب المنطقة وفق مقولة ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ). والإمارات العربية هي التي قال عنها مسئول عراقي وبصورة علنية ( إن أكثر المساعدات للشعب العراقي تأتي من الإمارات العربية وفي نفس الوقت هناك نقيضها من تشجيع على الإرهاب ودعمه ) ، وهو قول صحيح تماما ، فقد كانت الإمارات العربية ولا زالت الدولة الحاضنة لبقايا فلول النظام الدكتاتوري الساقط ، أمثال بوق صدام محمد سعيد الصحاف وضابط المخابرات شاكر حامد وكان معه قبل أن يصبح ( وطنيا ) من جديد وبقدرة قادر ظافر العاني ، إضافة لمندوب صدام في الأمم المتحدة محمد الدوري وجمع كبير من سقط المتاع ممن لفظهم الشعب العراقي . يبقى أن يفكر البعض قبل أن يقوم بأي خطوة عن مدى خطورتها مستقبلا بعد استقرار الأوضاع السياسية في العراق ، ووجود حكومة قوية بحيث تؤثر تلك الخطوة المعادية لأي توجه ديمقراطي عراقي على أي تعامل مستقبلي بين العراق وبين من اتخذ ضده أي خطوة تمس بأمنه ، أو كرامته ، وهو نفس الخطأ الذي وقع فيه البعض عندما وقفوا إلى جانب الدكتاتور صدام حسين في غزوه للكويت عام 1990 ، مما ترك آثارا سيئة على اقتصاده وعلاقاته الدبلوماسية مع دولة الكويت بعد تحريرها من قبضة الدكتاتورية الصدامية وعض أكثرها إصبع الندم على سياسته الخرقاء تلك وحينها لا ينفع الندم مع البعض ، وينطبق عليهم المثل العربي ( ولات ساعة مندم ) . لذا فالتراجع عن مثل خطوة إلغاء إجازة قناة الفيحاء يعتبر في الوقت الحالي خطوة ضرورية لتأكيد موقف اخوي وودي تجاه الشعب العراقي ، وعدمه سيكون موقفا فيه من الخطأ الكثير ولن يكون له سوى مردود عكسي مستقبلا على العلاقات بين العراق الديمقراطي الواعد وبين الإمارات العربية في حالة إصرارها على الموقف الحالي برفض إجازة قناة الفيحاء الفضائية .
* كاتب عراقي / النمسا
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |