|
لم يعد كلام الرؤساء مقدساً أو منزلاً ولن تبقى أقوال القائد دساتير خالدة تحكم رقاب الشعوب إلى الأبد. لقد حاول الرئيس الإيراني في زيارته الأخيرة إلى دمشق صب الزيت فوق النار وإزكاء الخلافات والصراعات الداخلية والإقليمية والدولية وذلك بميله الدائم نحو الشدة والتقوقع. ولم تكن لزيارته أية نتائج ايجابية بل على العكس دفعت حلفاء ه في لبنان إلى إصدار التصريحات بتفعيل الأزمة وتعقيد المشكلة وربطها بمشاريع إيران النووية كما دفعت الأسد الابن إلى مزيد من العزلة والصدام مع المجتمع الدولي. كانت زيارات الرئيس خاتمي المثقف والمفكر إلى دمشق تكتسب بعداً ثقافياً واستقطاباً نخبوياً وشعبياً يتمحور حول ما يطرحه الرجل عن حوار الحضارات وصراع المذاهب بأسلوب راق يتقبله المخالف والموافق على السواء. في خطابه الأخير كان الأسد الابن يتحدث من خلال عباءة السيد نجاد وينطلق من رغبته الجامحة في امتلاك قوة نووية تحقق له حلم الدولة الدينية الأحادية المذهب والرؤية. ( خلافاً للدولة الناتجة عن العملية السياسية الديمقراطية الدائرة في العراق ). أكد الرئيس بشار مرات عديدة عدم قلقه واطمئنانه رغم وجود عشرات الأسباب والمبررات التي تدعو للقلق بل والخوف خاصة بعد طرحه مقولات سياسية ذات جذور عقائدية. فلا يبرر علو السيادة الوطنية على الإدارة الدولية سوى البعد العقائدي والديني للوطن الذي لا يساوم على بد يهات الاعتقاد والإيمان. ( الدولة الوطنية هي دولة سيدة بوصفها دولة مواطنين أحرار وأسياد ) برهان غليون. كما تجاهل الأسد الوضع الداخلي وتجاوز حالة عدم الاستقرار والقلق الدائم الذي يعيشه أطفال ورجال ونساء سورية على اختلاف تطلعاتهم وانتماءاتهم ، فالأزمات الداخلية والصعوبات المعيشية التي يعانونها لا تقل أهمية عن الصراعات المرعبة التي يريد النظام الحاكم زج البلاد في أتونها . التغيير ينبغي أن يكون واضح وصريح ومباشر ويبدأ ذلك بنقل السلطات من أيدي رموز السلطة الأمنية المخابراتية إلى المؤسسات السياسية المدنية الموجودة. وتفعيل دور الناس كل الناس في الإسهام بالمشاركة في العمل السياسي ورفع حالة الرعب والخوف والترهيب السائد ة بين أبناء سورية. فليتحلى الرئيس بشار بالشجاعة والقوة الكافيتين ويلغي قانون الطوارئ ويحل مجلس الشعب الحالي الذي أثبتت الحالة الخدامية اهتراءه وشيخوخته وليفسح المجال للدعوة إلى انتخابات حرة ونزيهة تفرز قوى سياسية جديدة تكون قادرة على تحقيق التغيير الديمقراطي السلمي وبناء دولة المؤسسات ومجتمع التفاعل البناء. فلا يصح ولا يقبل بأي حال من الأحوال أن يتولى ضباط المخابرات ورجالات الأمن بتاريخهم الطويل في إذلال المواطنين وامتصاص ثروات وخيرات الوطن أدوات ومحركات للإصلاح لقد حفظنا منذ الصغر مقولة : فاقد الشيء لا يعطيه فكيف سيعمل من اعتاد طيلة عقود من الزمن على إصدار الأوامر وتأليه الذات وقمع الشعب وسحق الحريات واختزان المليارات على التغيير والإصلاح. فالذي يعتقد نفسه فوق القانون وخارج دائرة النقد مستعلياً على الشعب ليس مؤهلاً ولا توجد لديه النية أو الإرادة في السير في طريق الديمقراطية وإقامة دولة الحق والقانون . لسنا بحاجة إلى مزامير وأبواق وهتافين ومنافقين وطلاب موائد كأولئك الذين اجتمعوا تحت راية المحامين العرب يهتفون بشراسة بلهاء ضد مشاعر الشعب السوري في التغيير والإصلاح وضد مصلحة الوطن العليا في تأجيج حمية المجتمع الدولي ضد سورية الوطن والأم . السيد أحمدي نجاد ليس زعيماً يحتذى ولا مثالاً يعتد به. فهو الرجل الديني المنغلق أيدلوجياً صاحب رؤية مذهبية أحادية الزاوية تجعله غير مؤهل لخوض غمار المعارك السياسية والاقتصادية والحضارية التي تتفاعل على الساحة الدولية والإقليمية .فهو على النقيض من السيد السيستاني رجل الدين الوطني الذي يرعى ولادة دولة عصرية ويحث على اللحمة الوطنية بين كل العراقيين على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم العرقية والدينية . لقد تسبب الأسد الابن كما تسبب أحمدي نجاد بإحراج أصدقائه ومسانديه وهم ثلة قليلة عندما طرح مقولات تجاوزها التاريخ باعتباره السيادة الوطنية فوق الإرادة الدولية. " إن قول الرئيس الأسد إن السيادة الوطنية فوق قرارات الشرعية الدولية يبقى موضوع نقاش وقد لا يكون في مصلحة العرب " سليم الحص شام بريس. " أضافت صحيفة السفير أن زيارة الحريري لموسكو تأتي في وقت أبلغت فيه السلطات الروسية من يهمهم الأمر بأنها لن تختلف مع الأوربيين والأمريكيين بشأن سورية لكنها لن تضحي بمصالحها مع إيران بسهولة " سورية نيوز . إنني أتساءل متى كانت السيادة الوطنية فوق الإرادة الدولية فالتاريخ السياسي للأمم يعارض تلك المقولة وتؤكد الأحداث القريبة فشل ذلك المنطق، فنهاية الحروب الكونية وضعت حداً لسيطرة الإدارة السلطوية داخل الأوطان وأنهت النزاعات في العالم باتفاقيات دولية أجبرت السيادات الوطنية على تطبيقها. وفي قرننا الواحد والعشرين تنتشر قوات الأمم المتحدة في سوريا ولبنان وفي كوسوفو وفي غيرها من البلدان وهي تأتمر بإرادة الأمين العام للأمم المتحدة وليس بإرادة السيادة الوطنية للبلاد التي تتواجد فيها. لو قال الأسد الابن إن إرادة الشعوب الحقيقية الحرة والقوية بفعل ممارستها السياسية لمقدرات الحكم و إمكانيات الوطن قادرة على المساومة من موقع الثقة مع إرادة المجتمع الدولي لكان الكلام صحيحاً ومقبولاً. فشعوبٌ سلبت إرادتها وسحقت كرامتها ونهبت ثرواتها كالشعب السوري لبست في الواقع قادرة على الفعل أو الحراك بل غدت أرقام تتبجح السلطة بقدرتها على تحريكها في أية لحظة أو مناسبة. فمسيرات مئات الألوف ومظاهرة المليون والمليونين التي تخرج بأمر أو إشارة إصبع تدل بوضوح شديد على سلب الإرادة وتسخير العزيمة الجماعية للشعب في رغبة فرد أو قلة من الأشخاص. " إن سوريا اليوم هي كيان بلا دولة ولا مجتمع. فهي ليست دولة: لأنها بلا قانون ولا تشريع ولا قضاء. والكيان الذي لا تحكمه دولة ولا قوانين ولا قضاء، فهو –أيضا- ليس (مجتمعا) يتشكل من مواطنين أحرار، بل كيان جغرافي تسكنه رعية سائمة تسوسها سلطة طغيانية وفق شرعية (الاعتباطية المقيدة) على حد تعبير- حنة أرندت- في وصفها للسلطة الفاشية." عبد الرزاق عيد.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |