|
استحقاقات أمام الحكومة الكوردستانية الموحدة
د. جرجيس كوليزادة العراق / إقليم كوردستان / أربيل الاتفاق التاريخي الذي وقع عليه الرئيس العراقي جلال طالباني ورئيس كوردستان مسعود بارزاني لتوحيد الإدارتين في كوردستان، يشكل نقلة تاريخية نوعية في العقلية السياسية التي تنتهجها القيادة الكوردستانية لمعالجة القضايا المصيرية على مستوى الادارة السياسية وتقاسم السلطة التنفيذية حسب الاستحقاقات الانتخابية والتوافقية لصالح العملية الديمقراطية في العراق الفيدرالي. والمفرح ان النموذج الكوردستاني بات قدوة للتجارب السياسية الحكيمة الصائبة على النطاق السياسي والإداري وعلى المستوى العراقي والإقليمي في المنطقة، يمكن لبقية الشعوب والدول في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا الإقتداء به لتلبية حقوق الشعوب فيها وحل مشاكل وأزمات السلطة والحكم فيها بطريقة متمدنة مثلما تميز به النموذج الكوردي. ولكن بالرغم من هذا التميز في حل مشكلة وأزمة الحكم في كوردستان، فان استحقاقات وطنية للشعب الكوردستاني تبقى باقية في رقبة القيادة السياسية الكوردستانية وبالأخص على السلطة التنفيذية في منطقة ادارة الديمقراطي الكوردستاني ومنطقة ادارة الاتحاد الوطني، ولا شك هذه المسؤولية في تحمل تلك الاستحقاقات وتلبيتها انتقلت مسؤوليتها الى الحكومة الكوردستانية الموحدة التي ستشكل قريبا برئاسة السيد نيجيرفان بارزاني من الحزب الديمقراطي ونائب من الوطني الكوردستاني. ولا يخفى ان الاستحقاقات الكوردستانية التي تتمحور إطارها في مجموعة من المعاناة والمصاعب التي عانى منها الشعب بصورة عامة مرتبطة بملفات داخلية خاصة بالشأن الكوردستاني تنحصر بضعف الثقة بين الشعب والحكومة، وإصلاح المؤسسات والقضاء على مظاهر الفساد ومحاربة الثراء الفاحش المبني على استغلال السلطة، وإعادة اعمار قرى كردستان، وإعادة إعمار البنية التحتية للاقليم، وتنمية الأنشطة الاقتصادية والتجارية لتوفير الفرص الاقتصادية الصغيرة لعموم أبناء الشعب، وتنمية القطاعات الزراعية والصناعية لإعادة عجلة الانتاج الى الاقتصاد، وتغيير وضع المرأة وتحصينها اقتصاديا واجتماعيا، والاهتمام بالشباب وتوفير فرص العمل لهم بالتساوي وتوفير مقومات تكوين الحياة الأسرية، وإصلاح نظام التربية والتعليم، وحرية العمل والنشاط السياسي والصحافي والإعلامي، وبناء نظام السوق الحر وفق تشريعات تحمي المواطنين وتحد من عمليات الإثراء الفاحش بسبب عدم توفر وسائل رادعة قانونية تساعد على الحصول على الثروة بأساليب شرعية. إضافة الى هذه الملفات الهامة التي تضمن لنفسها مساحة من التواجد والحضور المتواصل في حياة المواطن والتي اشرنا اليها في مقالات سابقة وفي رسالة موجهة الى السيد مسعود بارزاني رئيس كوردستان، قاننا نجد ضرورة تفعيلها لان الضرورة تلزم إعادة ذكرها، والواقع يلزم الحاجة الى التعامل معها باهتمام لايجاد معالجات لها وطرحها بشفافية لضرورة الحاجة الى ازالتها من حياة الكوردستانيين، خاصة بعد عملية التوحيد للإدارتين وتشكيل الحكومة الكوردستانية الموحدة. والاستحقاقات التي نذكرها هي معالجة جملة من المشاكل والمعوقات والعراقيل التي بدأت تؤثر بسلبية كبيرة في المواطنين، مما خلق إستياءا على صعيد الرأي العام، ومن جملة هذه المشاكل المطروحة كملفات راهنة هي: 1. إختلاق أزمات خانقة شديدة بين فترة وأخرى، حول البنزين والنفط، مما تخلق معها حالة جشعة من الارتفاع الرهيب في أسعار الوقود تؤدي الى استنزاف كبير في موارد المواطنين. وإن كان سبب الأزمة الأخيرة يعود الى أسباب سياسية تتعلق بدولة تركيا، فيا ترى ما هي الأسباب الحقيقية للأزمات التي سبقتها وماهي المعالجات التي قامت بها الحكومات في الفترات السابقة. عند البحث عن الاجابة نجد أنه من الغريب في هذا الامر عدم وجود استراتيجية حكومية للتعامل والعمل مع هذه المشكلة المزمنة لمعالجة هذه الأزمة المستعصية التي يعاني منها مواطني الإقليم من عقد ونصف. 2. وجود أزمة خانقة للسكن، وارتفاع خيالي في أسعار العقارات، وارتفاع كبير في إيجار السكن خاصة عند أصحاب الدخل المحدود، الذين يعانون من مشاكل وظروف قاسية في هذا الجانب بسبب ضغوطات المؤجرين الذين لا ينفكون بمطالبة زيادة الإيجار من المستأجر بين فترة وأخرى. وبرغم الوعود الحكومية لإطلاق سلف المصرف العقاري، ألا ان أي أجراء لم تتخذ في هذا الجانب. والملفت للنظر برغم استقرار الظروف وتوفر الأمن واستمرار الأوضاع الطبيعية، الا انه لا توجد خطة أو برنامج لتوفير الشقق السكنية للمواطنين بأقساط مريحة لأفراد الشعب على مستوى الإقليم، وما توجد منها في الواقع الرهن والمعروض من قبل الشركات لا يدخل ضمن هذه الخانة، لان عروض تلك الشركات تشمل الأغنياء وأصحاب الموارد المالية الكبيرة، ولا تشمل أصحاب الدخولات المحدودة التي تشكل نسبة كبيرة من المواطنين وفيهم نسبة تدخل في خانة الفقر. 3. ظهور حالة من التمايز والفارق الطبقي بين شرائح فقيرة كثيرة النفوس وشريحة قليلة العدد تعيش في بروج عالية تحتضن أصحاب الرساميل الكبيرة من مسؤولين في الحكومة وفي الاحزاب المسيطرة على الساحة السياسية ومن أصحاب النفوذ التي إستحصل البعض منهم على ثروات طائلة بين ليلة وضحاها مستغلة السلطة والمنصب على حساب الشعب. 4. إلزام التعيينات في الإدارتين بتزكيات حزبية مفروضة، مما أدى الى حرمان الكثير من أبناء الشعب من فرصة التعيين، وهذا ما أدى الى إستياء أعداد كبيرة من المواطنين خاصة الشباب منهم، وحصر حلقات التعيين بين أبناء وأقرباء المسؤولين بزخم كثير، كأن الفرص العمل الحكومية مملوكة لمسؤولي الأحزاب المسيطرة على الساحة. ولا شك أن هذا العمل خرق فاضح لقواعد حقوق الانسان التي تستند الى المساواة وتوفير فرص التساوي امام الجميع، وهو خرق فاضح أيضا للمباديء والحقوق والقواعد الدستورية التي يحاول النموذج الكوردستاني الاقتداء بها. 5. إهمال الشباب وتركهم سارحين منفردين تائهين في مشاكلهم الإقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعدم وجود برامج وآليات معينة للاهتمام بهذه الطبقة المهمة من الشعب، وعدم وجود رعاية على المستوى الحكومي والشعبي والحزبي بهذه الشريحة الخلاقة التي تتراوح في مكانها وتجد نفسها في معمعة من المشاكل والتعقيدات التي ترسم لحياتهم صورة قاتمة غير متفائلة عن الواقع وعن السلطة، نتيجة غياب دور الدولة والرعاية الحكومية بهذه الشريحة، على سبيل المثال عدم وجود برنامج حكومي لمنح منح أو سلف أو قروض صغيرة لأغراض تكوين الحياة الأسرية، أو لأغراض تأسيس مشاريع صغيرة ومتوسطة لخلق فرصة عمل لتأمين مصدر دخل مناسب لأبناء هذه الطبقة المهمة من المجتمع يليق بحياتهم ويحفظ كرامتهم ويمنحهم إحساس ومشاركة بالمواطنة الفعلية الصادقة، لضمان مساهمة فعالة لهذه الطبقة في خدمة الشعب والدولة. 6. خلق حالة من الترابط المنفعي المبني على المصالح المادية بين بعض المسؤولين في الحكومة والأحزاب وأصحاب المصالح التجارية والمادية والاقتصادية، والجمع بين المصالح الحكومية والمصالح التجارية في آن واحد، والواقع مليء بهذه الارتباطات التي تستغل المناصب والمواقع والمصلحة العامة من أجل المصالح الذاتية الضيقة والمنافع الشخصية. هذا الواقع المؤلم قد خلق حالة من الثراء السريع لدى بعض المسؤولين متجاوزا كل الحدود على حساب المسؤولية الوطنية وعلى حساب حقوق الشعب والحكومة والدولة. وقد وصل الأمر في هذا الحال الى استغلال المصالح والخدمات العامة المخصصة للمواطنين وللشعب لأغراض منافع مادية شخصية. ومن محاسن الامور في هذا الصدد ان السيد رئيس كوردستان أشار بوضوح في كلمته الى هذه المسألة في حفل التوقيع على اتفاق التوحيد، وشدد على عدم وجوب الجمع بين المسؤولية والمنصب الوزاري والتجارة في التشكيلات الحكومية اللاحقة. 7. إسناد مناصب مهمة في هيكل حكومة الاقليم على مستوى المدراء والمدراء العامون ووكلاء الوزراء والوزراء، إلى أشخاص غير مؤهلين، إعتمادا على الثقة الحزبية وليس الكفاءة والشهادة والخبرة والممارسة والتخصص، وهو نفس الخطأ الذي إعتمد عليه نظام البعث البائد فسقط فيه سقوطا كبيرا، وهذا الخطأ يرتكب من جديد في عهدنا هذا، وكأن الوظائف الحكومية حتى التخصصية منها محصورة على الساحة الحزبية وهي ساحة لا تستقر عليها إلا أصحاب الانتماءات الحزبية بعيدا عن الشهادة ومستوى الكفاءة والمقدرة المهنية والممارسة والتخصص. والمشكلة لم تقف عند هذا الحد، بل تعداها إلى خرق كل أشكال الموازين والمقاييس والمعايير الإدارية والمهنية والتخصصية، والأمثلة على هذه الحالات كثيرة، منها إسناد مناصب مهمة إلى أشخاص ليست من اختصاصاتهم ولا من أعمالهم. 8. ارتكاب خروقات إدارية قانونية على درجة كبيرة من الخرق الإداري في مجال إحتساب سنوات الخدمة الوظيفية، ومن أكبر هذه الخروقات التي تحدث أمام أعين الكل هي إحتساب سنوات الدراسة كسنوات خدمة في الوظيفة على أساس إحتسابها كخدمة في صفوف البيشمركة، خاصة ممن يدعون حصولهم على شهادات جامعية من الكليات والمعاهد من خارج الإقليم في إيران على سبيل المثال. حتى الوصل الأمر بالبعض من هؤلاء أن يسجل قفزات كبيرة في إضافة سنوات للخدمة الوظيفية مسجلة أرقام قياسية كإضافة سنوات خدمة تتجاوز 15 سنة وعند البعض تتجاوز 20 سنة، وهم في مقتبل العمر ولا زال ريعان الشباب في وجوههم صارخ في البيان، ولا شك أن هذا الأمر غير منطقي وغير حيكم بتاتا لأنه لا يمكن التوفيق والجمع بين الدراسة والعمل في صفوف البيشمركة. 9. عدم توفر نظام صحي ملائم تناسب التطورات والتغييرات الجديدة في مجالات العلوم الطبية على المستوى الحكومي والأهلي، ومعاناة المواطنين كبيرة ومؤلمة في هذا الجانب، خاصة وان نسبة منهم تضطر الى السفر الى إيران والدول المجاورة للبحث عن علاج مناسب، خاصة للحالات المستعصية التي بدأت تسجل منها أعداد تصاعدية على مستوى الإقليم. وبصدد هذا الجانب الصحي، وهو من الملفت للغرابة عدم وجود استراتيجية أو برنامج أو خطة عمل على المستوى الحكومي والأهلي لجلب الكوادر الصحية المتقدمة من دول متطورة في الجانب الصحي، مثل كوبا او من بعض الدول الاشتراكية السابقة، خاصة منهم الأطباء للإستعانة بخدماتهم الطبية وتوفيرها للمواطنين في الإقليم. 10. غياب الخدمات البلدية خاصة في المدن الكبيرة، حيث باتت المدن تحسب كأنها غير متمدنة من ناحية النظافة والتنظيم، وباتت شوارعها وأزقتها ومحلاتها مملؤة بالأتربة والغبار والمخلفات غير الصحية، وكأن شوارع وطرقات المدن قابعة في دهاليز الأتربة التي لا تريد ان تنزاح منها الا في موسم الأمطار والمناسبات الموسمية. 11. غياب المعايير الفنية والمقاييس الهندسية عن المشاريع الحكومية والأهلية، خاصة منها مشاريع الإعمار وتبليط الطرق ومد مجاري الصرف الحي، ويبدو ان الشركات والمقاولات التي تنفذ تلك المشاريع تعود الكثير منها إلى المسؤولين في الحكومة والأحزاب المسيطرة على الساحة السياسية، وبرغم وجود مهندسين في صفوف المسؤولين ألا ان الغريب أن تجري تنفيذ تلك المشاريع تحت وضح النهار بغياب المعايير والمقاييس الفنية، وللإستدلال على هذا الجانب نسوق فقط مسالة مشاريع تبليط الطرق التي تنفذ باعداد كثيرة منها، حيث يتم فرشها بمادة التراب الممزوج مع الحصو الطبيعي تحتها من قبل مقاوليها، بدلا من فرشها بمادة الحجر الجبلي المكسر أو الحجر المكسر الملزم فرشها وفق المعايير الفنية. ولا شك ان موضوع المقاييس والمعايير الفنية مسالة في غاية الأهمية لأن المشاريع عند اكتمالها في هذا الحالة لا تحمل معها جدوى تذكر ن الناحية الاقتصادي لانها لا تدوم وتكون فترة عمرها قصيرة. هذه هي الاستحقاقات الوطنية الكوردستانية أما الحكومة الكوردستانية الموحدة الجديدة للعمل المكثف على طريق تحقيق وتلبية الحاجات الرئيسية للمواطنين، وتحسين الإداء الإداري والخدمي والإنتاجي على صعيد وزارات وأجهزة ودوائر الحكومة، مع إجراء إصلاح فعال لتلك الجهات والقضاء على مظاهر الفساد في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، للإرتقاء بالنموذج الكوردستاني، لإرساء نظام يتسم بسمات الحداثة والتطور لاندماج المجتمع الكوردستاني مع نسيج البنية الديمقراطية والاقتصادية المعاصرة التي أخذت تترسخ على النطاق الدولي، والتي بدأت بداياتها الأولية تنسج في النموذج الكوردي مما جلب له احترام وتقدير الرؤساء ورجال السياسية والاقتصاد. ولاشك إن تطبيق هذه الاستحقاقات وإجراء الإصلاحات الضرورية ضمن منهاج عمل الحكومة الجديدة في كوردستان ومعالجة مظاهر الفساد، ستشكلان عاملين حاسمين لإحداث نقلة نوعية على صعيد النظام الإداري والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للإقليم، لخدمة المجتمع الكوردستاني الذي برهن بنجاح ثابت إدائه المتميز على الصعيد الديمقراطي والتوافق السياسي، وبعد أن برهن دائما انه أهل للتطور والتقدم لتأمين حاضر مشرق منشود لحاضر أبنائه وضمان مصير آمن ومستقبل زاهر لأجياله القادمة.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |