قاسم محمّد الكفائي
كاتب عراقي - كندا
alkefaee_canada@hotmail.com
مصائبُ آل مُحمَّدٍ عظيمة ، تناوبت على مرِّ السنين ، وكان أفجعُها قتلَ سبطِ الرسول (ص ) ، وبن عليٍّ المُرتضى ، وفاطمة الزهراء سيدةِ نساء العالمين ، الأمام الحسين سيد شباب أهل الجنة (ع) . لقد كتبَ الشيعة وكلُّ المسلمين عن الأمام الحسين ، كذلك الباحثون من الملل الأخرى فأنصَفوا فيما كتبوه وأجادوا ، فما كان من بابِ المديح له ، ولا هو ظهرَ من خلالهِ . فالحسينُ من الجانب الديني أمامٌ معصومٌ ، وبالنسبِ حفيدُ أشرفِ الخلق ، وفي التصدي للظلم كان عليه السلام جبلا لا تستوعبُه الكلماتُ في وصفِ شموخهِ وشجاعتهِ وصبرِه . فالذي نعتقدُه أنَّ شخصيَّة الأمام لم تكنْ وليدة ظروفٍ طارئةٍ على الحياةِ السياسيةِ التي عاشَ فيها ، ولا هو يحملُ شعارَ تلكَ الحقبةِ ليسقط شعاره الذي حمله بسقوطِه جريحا في معركةِ الطف الخالدة ، أو يختفي حين إستشهادِه . فسرّ عظمةِ الحسين هو بقائهُ وخلوُده ورسالتُه ، وسرُّه هو نهاية خصومِة واندثارهِم ، ولو مرّ ذكرُهم على لسان كلِّ الملل تسمَعه مشوَّها ما بين ذمّ وفضاضَة . لقد قتلوا آلُ أميةٍ طغاة ُ عصرِهم الحسينَ ( ع ) في اليوم العاشرِ من محرَّم الحرام بأمرأميرهم يزيدِ بن معاويةٍ بن أبي سفيان . فكانوا أجلفَ الناس ، وأكثرَهم قساوة ، وأبعدَهم عن رحمة الله تعالى . فأرادة اللهِ شائتْ أن تتطهرَ أرضُ كربلاء وتتقدَّس بدم الحسين ، وشائت أن يكون هذا الدم سِر بقاء شيعتةِ والموالين على الرَغم من الأحداثِ المُرَّة والصعبةِ التي المَّت بهم عبر قرون من التأريخ . وإنّ أفجعَ الفواجع التي شهدناها كانت في عهد البعث الذي حكم العراق لأكثر من ثلاثة عقود ، وقد سعى الطاغوت لأبادةِ الشيعة ومحوِ الطفَ تأريخا ومُناسبة . الذي نريده من هذا العرض هو ، كيف نجعلُ من ذكرى الأستشهادِ وسيلة معنوية لحلِّ كلّ قضايانا ، ونجعلها وسيلة في مواجهة المَخاطر ؟
في هذا الظرفِ الصعبِ الذي يمرُّ به العراق نحنُ أمام تخرُّصاتٍ خطيرةٍ أفرزتها حالة ُ التغيير من عهدِ البعثِ وصدام الى عهدِ الديمقراطيةِ وحقوق الأنسان . وليس أمامنا خيارٌ سوى أن نتمسكَ بولائنا لآل البيت ( ع ) الذين هم عنوان المحبةِ والسلام ، والتضحيةِ والكفاح . على أن نجعل من ولائنا ثقافة لنا في كل حركة على الواقع ، وفي آفاق تفكيرنا . فأعلانُ الولاء وتجسيد هذه الثقافة سيكونان من أوائل ممارساتِنا لشعائِرنا في ذكرى يوم الطفِ العظيم الذي سيحلُّ في الأيام القريبة القادمةِ . من هنا يجبُ أن نقفَ بوعي على عتبةِ أخطائِنا الجسيمة التي ارتكبناها نحن الموالين وما زلنا عند ممارساتنا لشعائرِنا الحسينية . نأسف أن هذه الأخطاء صارت ثقافة لشريحة واسعة منا ، وصارت السمة المؤثرة في أدائنا لها . فذكرى يوم الطف لو أقمناها كشعيرة عظيمة في نفوسنا ، وأنها من تقوى القلوب ، لابد أن نفهم أننا نستعرض قيمَنا أمامَ الآخرين ، ونستعرض عمقَ ثقافتِنا إما بالدفاع عن الأنسان والأرض من جهة أو الدفاع عن المبادىء وصونها من دنس الأعداء من جهةٍ أخرى . الحديثُ مُمتعٌ وذو شجون لا نستطيع حتى اختصاره على هذه الصفحةِ المتواضعة . ولكن ما نستعرضُه بالممكن هو أن الواجب علينا كمسلمين موالين أن نحيي هذه الشعيرة بوجهها الحسيني الصحيح وليس بالصياح الفارغ والعويل والتعري لضرب الصدور أو التطبير لأهدار كميات كبيرة من الدم الذي يُعدُّ ثروة كبيرة لمؤسساتِ بلدنا لو عملنا وبحرص على توفير هذا الدم الطاهر . فتوجيه الزائر بممارسة حزنه وبكائه باتزان يليق بالمصيبة يعني توجيهه الى ثقافة حسينية ومُحمديَّة كان الحاكمون على مرِّ القرون يُعَطلونَها لأخمادِ وجهَها الحضاري والديني والأنساني .هنا نذكر نقاط هامة يمكن لنا أن نتبعها في إحيائنا لهذه المناسبة ونحن نتمتع بالأستقلال السياسي النسبي ، والأنفراج الأمني ، وتعتبر مرحلة فريدة لم نَشْهَدْ كمثلِها من قبل على الأطلاق .
*نأملُ من مرجعيتِنا المباركة في النجفِ الأشرف أن تبادرَ بأن تبعثَ رسائلَ عزاء الى كافة حكومات الدول العربية والأسلامية وكذلك المؤسسات الأسلامية العالمية وكل علماء المسلمين بمناسبة استشهاد الأمام الحسين ، وأخيه العباس (ع ) في اليوم العاشر من محرم الحرام لما لهذه من أبعاد عظيمة جدا بحيث تكون مؤثرة وفاعلة وبسرعة . ويمكن للمرجعية أن تطلب من الحكومات تعطيل بعض البرامج الغير دينية على وسائل إعلامها والعمل ببث برامج أخرى تليق بالمناسبة . كذلك تحث المرجعية وكلائها في دول العالم لمواصلةِ نشاطها بخصوص ثورة الحسين على أن تصب في مسألة التقريب ما بين المذاهب .
*تغطية مساحاتٍ واسعة جدا من المناطق التي تحيط بالحرمين الطاهرين بمكبراتِ الصوت ترتبط بغرفة عمليات واحدة تعمل على مدار النهار الساعة يتحدث فيها الخطباء الناضجون وأصحابُ السماحة عن كربلاء أرضا وتأريخا وحضارة . وذكرى الطف بكل أبعادها الأسلامية والسياسية والأنسانية . مع التركيز على قضايا الساعة وأهمِها ، كيف نبني الأنسان العراقي الذي يمكنه أن يتحمل المسؤولية الوطنية لبناء العراق الجديد . كذلك التركيز على مكافحة الأرهاب ودفع المواطن العراقي باتجاه كشف أوكاره واسبابه . كذلك التأكيد على ولاءه الى مؤسسته العلمائية ودعمه لحكومته الوطنية الجديدة .
*تخصيص جهاز عمل كفوء جدا من أجل تنظيم مدينة كربلاء بخصوص الخدمات وتنظيم مواكب العزاء وتوجيهها مع تهيئة شعارات تبين عظمة يوم الطف ، وعن حب وبناء الوطن ، ونبذ الخلافات الطائفية ، والوحدة ، وبناء الأنسان العراقي ، وتوضيح مفاهيم دينية ووطنية عامة .
*تجهيز مصارف الدم بأجهزة وكوادر وتوزيعها في كل المدينة كي يتسنى للزائرين أن يتبرعوا بدمهم حسب المستطاع لتغطية حاجة المؤسسات الرسمية مع دعم المشروع إعلاميا بأنه مشروع وطني من أجل الأنسان العراقي . وهذا المشروع هوأعظم من مشروع هدرالدماء ( بالخالي بَلاش).
*في السبعينات أبان عهد صدام والبعث البائد كانت أجهزة الأمن والمخابرات توزع عناصرها على حلقات المواكب الحسينية التي تسير في شوارع كربلاء بأتجاه المرقد الشريف تردد هذه الجموع شعار عظيم ( أبَدْ والله ما نِنْسَه حُسيناه ) بينما تقوم هذه العناصرأضافة الى فعاليات أخرى بترديد كلمة ( حُسَين ) ، ترددها بسرعة فائقة بحيث تحاول أن تغطي على ذلك الشعار الرائع لتستبدل مكانه كلمة ( حُسين ) وبتلك السرعة عندئذ فقدت المواكب فاعليتها وغرضها وفقدت كل معاني القضية . علما أن الجموع الغفيرة من البسطاء كانت تصرخ معهم دون أن تعلم . الذي أعنيه هنا أن مواكبَ اليوم سنُقيمُها بكامل حريتِنا ولله الحمد فالمطلوبُ منّا أن نهيأ أنفسنا وتجربتنا حتى نترَّفعَ عن الأخطاء ولا نتغافل عنها ونقيم مواكبَنا منسجمة مع حقيقة أهداف الثورة الخالدة ، وملبية أهدافنا الوطنية والأنسانية . فليس من المنطق ولا المعقول أو الذوق أن ينتهي نهار العاشر من محرم بصراخات لا تغني من جوع مثلا ( واويلي على العباس ) . جموع بالملايين من الشباب العطشى للعطاء الحسيني تصرخ بلا معنى لصراخها وهو أشبه بطريقة حج آل سعود والوهابية في كل موسم بمكة ، فقط طواف وصراخ وقتل متعمد تمارسه المباحث ضد الحجاج ، حتى يعود الحاج مُنْهَكا لا يعرف غير التعب . الذي يريده واقع الثورة الحسينية هو تفعيل طاقة هذه الملايين من الشباب والوعي ، باتجاه الأيمان بالله تعالى والثقافة الحسينية وفي إفشال أهداف وتربصات عدونا بنا ، وأن نقدم شعارات تليق بالأمام العباس الذي أروع ما يتميز به هو وفائه لأخيهِ وحرمِه ثم شجاعتِه وتضحيتِه من أجل الوصول بأهداف الرسالة الى ما هو مرسوم .( شنو ، واويلي على العباس ، أعتقد واويلي على عقولنا نحن ، قمر بني هاشم بخير) . ومن اللائق بمكان أن تكون أدبيات المواكب باللغة العربية الفصحى وهي تردِّدُ باتجاهِ الحرَمين المقدَّسَين . ومن أروع الأدبيات الحسينية الأخرى التي سمعتها بهذا المضمارهي قصيدة ( يا حسين إبضمايرنه) وأنتم الحَكم.
*توزيع صناديق للتبرعات في مراكز كثيرة ومهمة في كربلاء تختص بدعم المعوَزِين من المَرضى والأيتام فقط . ودعمها إعلاميا بواسطة مكبرات الصوت . ويمكن إقامة صناديق خيرية أخرى مستقبلا ، لمشاريع أكبر وأهم خدمة للصالح العام مثل بناء وحدات سكنية أو الزواج ، أو بناء دور للأيتام وغيرها تحت إسم مشروع الأمام الحسين الكبير .
*أمرٌ مهمٌ أيضا أن تؤكدَ وسائلُ الأعلام على أهميةِ الزيارة والزائرين وترفعَ من معنوياتِهم وشأنِهم على أنهم أصحاب رسالة ومواطنون من الدرجة الأولى دحضا لثقافة الطواغيت المقيتة .
*تعطيل أي نشاط حسيني قد تقوم به جهات غير مرخصة ولا تخضع لشروط المراقبة ، كمنع المتسولين الذين يقفون على الرصيف وينعون بمقتل الحسين مع الأخذ بنظر الأعتبار الحالة الأمنية التي تكفل المواطنين . أيضا وضع خطة دقيقة تعني بحماية الزائرين من الأعتداء عليهم وتسميمهم وهذا ما يجب متابعته من قبل جهاز مختص ، مع تحميل المُوَكلين لخدمة الزوار في الطرقات العامة المسؤولية المباشرة . فالى هنا وأستميحكم العذر