ما العمل في قضية المرأة؟

 بلقيس حميد حسن

balkis.h@wanadoo.nl

لكثرة ما تناولنا قضيتنا دونما الحصول على حلول حقيقية وموضوعية تنهض بواقعنا المرير؛اصبح عنوان قضية المرأة عنوانا مملا لدى الكثيرين حتى في صفوف المثقفين العرب الذين صار بعضهم يعتبر طرح هذه القضية اسطوانة قديمة لا داعي لتكرارها. وثمة من هو حريص فعلا على هذه المسألة, المعضلة, التي لم تحل ولم يتقبلها الرجل العربي لذهنيته التي لازالت تعيش زمن الأجداد فترفض تغيير نهجهم وأسلوب حياتهم معتبرة إياه نوع من الكفر وكأننا أمام قريش وهم يردّون على النبي الذي دعاهم لترك عبادة الأوثان ,بأنهم لابد وان يعبدوا ما كان عليه آباؤهم وأجدادهم , ففي كلّ زمن آلهة لا يريد البعض دعوة إلى تركها..

 أما الأصوات الحريصة التي ترى أن تغيير واقع المرأة ضرورة لتغيير واقع اجتماعي عام لا يمس المرأة فقط بقدر نهوضه بالمجتمع ككل , هذه الأصوات الخيـّرة يطرح بعضها فكرة حزب نسائي تقوده المرأة ويضم النساء فقط ليكون اكبر الأحزاب فيمسك زمام الأمور , عندها تطبق الديمقراطية لان النساء يشكلن نصف المجتمع , وبأن هذا الحزب- برأيهم- سيغير واقع المرأة وبالتالي واقع المجتمعات العربية ككل...

وإنني إذ اتفق معهم بان قضية المرأة من أهم القضايا التي لو حـُلت بشكل عادل لنهضت فعلا بالمجتمع وبيت الشعر هذا يختصر دلالا لتي هذه :

 الأم مدرسة إذا أعددتها×× أعددت شعبا طيب الأعراقِ

 لكنني وددت هنا مناقشة اقتراحهم بحزب نسائي, وحججي بعدم الاتفاق ومقترحهم أهمها:

 · إن وعي النساء في العالم العربي عموما متدن بسبب الظروف والتقاليد الاجتماعية والسياسات الخاطئة , التي همشت المرأة وأبعدتها عن اخذ حقها من الثقافة والوعي والتعليم كما هو حق الرجل على الأقل. من هنا سوف لا يستطيع حزب اكثر أعضاءه دون مستوى الوعي أن يؤدي مهامه المنتظرة أو يطبق برامجه التي تتطلب تحديات كبيرة في مجتمعات تقليدية رافضة للتغيير, ولدينا تجربة الكثير من الأحزاب في الشرق الأوسط التي اعتمدت على الفلاحين أو العمال وغالبيتهم من ذوي الوعي المتدني مما أدى إلى فشلها واقعيا أو تحولت إلى أحزاب دكتاتورية تسحب قياداتها - وكما تشاء- قطيعا لا رأي ولا فكر له ولم تحقق أي شيء سوى التضحية بأعضائها بكل المناسبات .

· إن العمل في أي حزب من الأحزاب يتطلب من أعضاءه التحرك بحرية وبميدانية لتحقيق مطالبهم واجتذاب أعداد كبيرة من الأعضاء , وهذا يحتاج إلى عدد كبير من النساء السياسيات والعاملات بشكل دؤوب وبحرية وجرأة كبيرة , مما لا نجده في مجتمعاتنا العربية التي يتسلط رجالها على نسائها ليـبـقين في بيوتهن كجوار مستعبدات للأسف , فهل ينجح حزب اكثر أعضاءه من العبيد ؟

وان قال قائل أن هناك في التاريخ ثورات قادها العبيد , أقول كان العبيد نساء ً ورجالا لا نساء فقط أي ثار مجتمع العبيد بأسره فانتصر.

 أما المنظمات النسوية التي تتحرك اليوم في اكثر الدول العربية فان غالبية عضواتها من المثقفات والطامحات لتغيير الواقع ولا زلن أقلية في مجتمعاتنا , يعانين من قيم ٍ تعتبر المرأة المنكسرة والضعيفة مثالا للشرف .

· إن تأسيس حزب نسائي خطر كبير على جميع عضواته , إذ سيكون المساواة مع الرجل أحد أهدافه حتما, من هنا سيكون هذا الحزب هدفا للتكفيريين الذين يقرئون الدين خطأ ويجمدونه على عصور مضت ولا يقرون سير الحياة المستمر , إننا نرى اليوم الصعوبات والتشوهات التي تتعرض لها النساء المناديات بحقوقهن أو بمساواتهن مع الرجال , فماذا لو تأسس حزب أراد له دورا اكبر من الأحزاب الأخرى الرجولية غالبا التي اعتادها العرب غير المؤمنين بدور المرأة وقيادتها للمجتمع ؟ أننا لم نر للعرب منذ عصور سحيقة حتى اليوم امرأة ترأسهم وتقودهم , رغم أن بلدان آسيا الشرقية وهي بلدان إسلامية أيضا وكما العرب بل أكثر تخلفا وفقرا منهم, وصلت عندهم النساء إلى قيادة أحزاب وحكومات.

· إن قضية المرأة قضية عامة, لا تعني فئة معينة من الناس أو جنس دون سواه, إنها قضية مجتمع بالكامل وعلى مدى مراحل الحياة , أي هي ليست قضية هدف مرحلي ينتهي الحزب بتحقيقه و إنجازه. كما انه من غير الجائز منطقيا تأسيس حزب تـنفرد به النساء فقط ليخلق إشكاليات حياتية بين الجنسين أو داخل العائلة الواحدة نحن لسنا بحاجة لها بقدر ما نطلب مساواة وعدالة اجتماعية تنعكس فائدتها على الجميع.

  • لو تأسس حزب نسائي فعلا وطرح نفسه للترشيح للقيادة ثم فشل , سنكون قد أجهزنا على قضية المرأة ومساواتها بالرجل حتى لو نجح هذا الحزب لسنوات طويلة , فكما أصبحت الشيوعية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي فكرة غير جذابة ,لا تدعو لها الشعوب بذات الحماس الذي كان والتضحيات التي بدأت بها - رغم أنها نجحت لما يقارب سبعين عاما وليس شعوب الدول الاشتراكية سابقا هم ألان اسعد حالا مما كانوا- وكذا الحال لو تأسس حزب نسائي وفشل, سيصبح الحديث عن قضية المرأة كلاما فقط وسوف لا يعترف بعد ذلك بحقوق المرأة خاصة أن أعداء هذه الحقوق هم كثر يتربصون بنا لتكفيرنا والانقضاض على أصواتنا مهما كانت قليلة , و طالما مجتمعاتنا لازالت تحت مستوى خط الفقر من التعليم والثقافة, يكون من الخطورة بمكان أن نفكر بحزب نسائي لازالت تجربته لم تنجح حتى بأكثر بلدان العالم انفتاحا وتحضرا كالسويد حيث أسست به وزيرة سابقة حزبا نسائيا قبل سنوات قليلة , لازال يعاني اليوم من صعوبات كبيرة تجعله على شفا حفرة من الفشل , فكيف بمجتمعاتنا العربية التي تبزّ الأمم بأميتها ؟

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com