بطاقات حمراء وطرد من قاعة المحكمة

الدكتور لميس كاظم

أبتدأت الجلسة الثامنة بتغيرات طيفية طرأت على الجلسة. كان أبرزها هي أختيار القاضي رؤوف رشيد عبد الرجمن، بدلا من القاضي السابق. كذلك أقالة أحد القضاة الذي كان من المؤمل أن يقود الجلسة لكنه أتضح أنه كان رفيقاً سابقاً ومشمول بقانون أجتثاب البعث. كما دُعمت هيئة الدفاع عن الصنم بشخصية أردنية جديدة هي صالح العرموطي نقيب المحامين الاردنيين.

 أبتدأت الجلسة وكان الصوت متقطعاً لكن تسنى لنا فيما بعد أن نسمع توجهات القاضي الجديد. إذ وضع خطة  حاسمة لقيادة المحكمة أكثر من سابقه ومستفيداً من الثغرات السابقة. فقد بدأ جلساته بطلب وكالة رسمية للدفاع الأمريكي مما اضطر رئيس المحامين أن يحررها خطياً في قاعة المحكمة.

منذ اللحظة الاولى ضهر القاضي الجديد أكثر حزماً فقد اجزم أنه لن يسمح للخطابات السياسية في داخل القاعة ثم أشار الى أي تجاوز سيجد المتحدث نفسه خارج القاعة. بنفس الوقت أكد على أن الجانب القانوني هو الحاسم بالأمر وأن المتهمين، هم أمانة مودعة أمام المحكمة، مما أكد أنسانية القاضي غير المتحيزة. كما طلب منهم أن يلتزموا بحدود الأدب واللياقة في الكلام ولن يسمح بالألفاظ النابية التي تفوه به سابقاً النزق برزان وغيره وهذا ما لا يقوى عليه برزان.

أراد القاضي ان يُثبت سلطته منذ اللحظة الأولى ليتسنى له إستمرار جلسات المحكمة بطريقة تتسم بالضبط وعدم فسح المجال امام المعتوه الصنم وأقزامه السبعة أن يتمادوا في خطبهم الديماغوجية.

 أحس برزان بصلابة القاضي الجديد وأن الأمور عادت الى ما تحت الصفر وسيواجه ردع ومنع من الكلام والخطابات. بالوقت الذي أستطاع ان يستميل عطف القاضي السابق ويمرر خطبه الكاذبة وكلماته النابية بطريقة واضحة ودون أن يعترض عليه القاضي إلا في حالات نادرة. إذ كان يطيل من اطراءه للقاضي السابق مستفيداً من دمث خلقه وعدالته وديمقراطية محاكمته مسخرها لصالح أهدافه الشريرة.

لكن حين وجد أن الأمور أختلفت مع هذا القاضي، أنبرى له برزان، منذ اللحظة الأولى، بطرقه الشفافة الملتوية لكي يسيطر عليه محاولاً أن يمتص توتره وسحب زمام الحسم من بين يديه. ففي البداية طلب حق الكلام وحين منعه ألتمس منه أقلام ودفاتر مدمدماً أن لا يخاف من حديثه.

كانت هذه الجلسة حامية الوطيس بين الطرفين. فكل طرف غير مستعد أن يتنازل عن حقوقه التي حصل عليها لذلك ساد التشنج والتوتر منذ الدقائق الأولى.

 عاد برزان وطلب حق الكلام فبدأ بهجوم كاسح، قاسي، وغير مؤدب في محاولة لجس نبض القاضي الجديد ( وبالعراقي الدارج ... أراد أن يجُر بوش القاضي) حين قال... أن أسلوبك عسكري أنا رجل مدني وسياسي وليس عسكري.

أستخدم برزان كل أسلحته الهجومية بتركيز شديد ووقت قصير في محاولة لشل قدرات القاضي الدفاعية وإرباكه وفق مبدء أحسن طريقة للدفاع هي الهجوم. لكن القاضي كان متقيضاً لحيله وصد هجومه بنجاح. عاد برزان وأرخى من شدة خطابه، إذ قال له أنا اتمنى أن يكون صدرك رحب وأنا متعاون 100% مع المحكمة وأنا اتمنى لك كل الخير وأنا لن أدافع عن برزان لوحده وأنما عن كل رفاقه القتلة.

فهم القاضي مناوراته الخبيثة فطلب منه أن يدخل بصلب الموضوع لكن برزان فضل بأن يجرب لغة أكثر استفزازية فعاد الى تربيته السوقية وكلماته غير المؤدبة حين قال...أنه لا يتمنى للقاضي هذا المكان. وزاد من وقاحته حين ذكر أن المحكمة هي بيت زنى وهي ولدت بطريقة غير شرعية. ثم طلب حق الايضاح( قطع الصوت بأمر من الرقابة).

هنا فهم القاضي قصده بوضوح فأعتبر أن هذه العبارة تعتبر اهانة كبيرة لكل المشرفين على هذا المنبر النزيه واهانة للقاضي نفسه. فبرزان أراد أن يقول له  أنك يا سيادة القاضي جالس في مكان نجس وغير طاهر وبالتالي فمن هذا المنبر لا يمكن أن يصدر حكم عادل. لو مرر القاضي هذه الشتيمة لفازَ برزان وعادَ الى نفس النقطة التي أنتهى بها مع القاضي السابق، أي أنه سيسمح له أن يصول ويجول براحته ويصدر ما بجعبته من كلمات نابيه منطلقاً من قاعدة أن من يرضى أن تكون المحكمة بيت زنى يرضى بكل ما يترتب عليها من ثقافة العهر.

لكن القاضي رفض أن يمررهذا التوبيخ المباشر فأصدر قراره السريع وشهر بطاقته الحمراء الأولى طالباً طرد هذا القميء من القاعة.

شكل هذا الطرد أعطاف كبير في سير الجلسة إذ رد القاضي رؤوف أعتبار المحكمة والقضاة وهيئة الادعاء العام في هذا الطرد في محاولة لتأديبه وتنظيف لسانه من ثقافته السوقية وبنفس الوقت وقف الهجوم الشرس الذي سيشنه فريق الدفاع والمتهمين.

أدركت هيئة الدفاع، بأن العمل مع هذا القاضي ليس بالأمر الهين. فتطوع المحامي الجديد العرموطي أن يوتر الجلسة أكثر من متهمه في محاولة للضغط على هيئة القضاة. حاول كسابقيه من هيئة الدفاع العرب البؤساء أن يهتف بخطاب عربي فارغ وعتيق لكن القاضي أنتبه للأمر فأوقفه عن الكلام. أحست هيئة الدفاع أن هذا القاضي لن يتجاوب لألاعيبهم المبطنة فطلبوا الأنسحاب من القاعة في الحال. أستجاب القاضي للأمر وطلب أخراجهم في الحال.

 أنتبه المعتوه صدام أن فريقه قد تعرض لخمس لحالات طرد وأنسحاب وهم من أهم خطوطه الهجومية والدفاعية لهذا حاول بلغة بائسة أن يجرب استمالة القاضي بعد أن فشل أخيه وكل خطوط دفاعه، إذ أصبح من العسير عليه الاستمرار مع فريق ضعيف. فهتف الصنم كعادته بعباراته الجوفاء التي لا تمت صلة بالموضوع وحين طلب منه القاضي أن لا يخرج عن الموضوع. عندئذ أدرك أنه يلعب بخسارة كبيرة وأفضل له أن لا يستمر لوحده مع فريقه المترهل فطلب الأنسحاب ورفض توكيل محام من هيئة الدفاع.

صدر أمر القاضي بطرد المتهم من القاعة لعدم ألتزامه بقوانين إدارة الجلسة. لكن الصنم أعترض على الطرد معللاً أنه هو الذي أنسحب ولا يحق للقاضي أن يقول للحاجب أُخرجهُ من القاعة، فهو الذي قاد البلد 35 سنة الى الهاوية والفقر. كأنه يريد أن يجبر القاضي بأن يلتمس منه أن يخرج من القاعة، معززاً مكرماً وكانه خارج من قاعة أستقبال، ناسياً نفسه أنه متهم بأقذر جرائم عرفتها البشرية جمعاء. وهنا ظهر من جديد أنه لازال متمارض بداء العظمة، إذ إنتفض كالأسد المجروح موجهاً كلاماً غير مؤدب الى الحاكم، متهماً بأن المحكمة غير عادلة ومن المعيب على القاضي أن يأمر الحاجب بإخراجه من القاعة كونه رئيساً سابقا للعراق. كان على ما يبدوا يبغي أن يخرجوه من القاعة بزفة القائد المنصور وليس مجرم قذر.

كانت قرارات القاضي سريعة ومركبة لجميع الجهات حتى أنه استُفز وخرج عن طوره حينما قال له الصنم أن المحكمة غير عراقية فأجابه القاضي أنها عراقية * وطز بأمريكا* وهذه سابقة خطيرة ولها دلالات كبيرة في المستقبل. فعلى ما يبدوا انهم لم ينالوا غير الطز من كل هذه الجلسات.

 بعد الطرد الثاني فزع الأقزام الستة القابعين في القفص فطلبا طه ورفيقة أن يخرجا من القاعة لإنسحاب موكليهما  مما أضطر القاضي أن يرفع بطاقتان حمراءتان بحقهما ويطردهما بذل من القاعة.

كان الطرد المخيف وأنسحاب هيئة الدفاع شكلا أحراج كبير للقاضي في جلسته الاولى لكنه عاد وقاد الجلسة بأسلوب حازم وهادئ.

 كانت هذه الجلسة حاسمة في قراراتها، إذ طرد القاضي أكثر من نصف الفريق بين هجوم ودفاع لإخلالهم بقوانين إدارة الجلسات ولم يبق في القاعة إلا جزء من الضعفاء والأحتياط وبدون مغيث. فهم أساسا غير مناط بهم أية مهمة في القاعة سوى الأستماع الى جلسات المحكمة.

أستمعت المحمكة الى الشاهدة الأولى التي أدلت بشهادتها بسرعة ولم يعطها القاضي الفرصة الكافية لتشرح كل شهادتها وكذلك لم يمنح القاضي فرصة كافية للأقزام الأربعة القابعين في القفص أن يدافعوا عن نفسهم كما يريدون.

بعد انتهاء شهادة الرجل الثالث دافع القزم علي دايح عن نفسه بأنه لم يشارك في أعتقال أي شخص بل هو كان مجبراً على التواجد في مقر الحزب كعضو في الجيش الشعبي. لكنه سقط منه الأعتراف سهواً في أثناء دفاعه، إذ أكد أن المجرم إبراهيم أحمد الحسون ( ابو نبيل) هو الذي شكل مفارز الأعتقال  والمداهمة ثم عاد وسقط منه سهوا أخراً حين قال انه كان بصحبة الشرطة لأعتقال بعض المشتبه بهم بأعتباره وكيل للمختار، وهذه الدلالات تؤكد الواقعة وأن اختلفت الأسماء.

 شكلت هذه الجلسة تحدياً واضحاً للقاضي الجديد الذي تطلب منه أن يحسم طريقة عمل الجلسة وباقي الجلسات القادمة وإلا سيبتلعة قروش الصنم من المتهمين والدفاع. فقد منع اي استطراد أو خروج عن الموضوع وهذا ما سيساهم في تقليل وقت الجلسات وتقريب موعد الحكم.  كان القاضي رؤوف رشيد عبد الرحمن موقفاً رغم كل حلات الطرد والأنسحاب، إذ سيتعين على فريق الدفاع والمتهمين تغيير كل خططهم في الجلسات القادمة.

 العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com