|
لم تكن الرسوم الكارتونية الناضحة بالحقد والمعبأة بالكراهية والتي نشرتها الصحيفة الدانماركية يولاندس بوستن نهاية شهر سبتمبر الماضي والتي اعادت نشرها صحيفة نرويجية معزولة عن سياق عالمي عموما ودانمركيا على وجه الخصوص يستهدف الاساءة للاسلام والتعدي على حرماته. رئيس الوزراء الدانماركي أندرياس فوراسموسن رفض مقابلة مجموعة من سفيراً معتمداً من البلاد الإسلامية 11 ، بغية الحصول علي وعد بشجب خطوة يولاندس بوستن مكتفيا بإرسال كتاب يوضح فيه عزمه علي عدم التدخل في المسألة، كونها ترتبط بمبدأ حرية التعبير والصحافة التي تشكل العمود الفقري للنظم الديمقراطية حسب زعمه. استطلاعات الرأي للشعبية الدانماركية اشارت الى ان الغالبية العظمى من الدانماركيين يدعمون موقف الصحيفة والذي يقطر سما وعداءا للاسلام ولنبيه الكريم, فالشعب الدانماركي كما جل الشعوب الغربية هو ضحية حملات اعلامية منظمة وعشوائية من التشوية والتزييف والتي تطال الاسلام ومعتنقيه. الدانمارك والتي لا تسمح للمسلمين فيها بتشييد المآذن فيما تنتصب في قلب عاصمتها مجسم على شكل مئذنتين تستخدمان في مدينة الالعاب الشهيرة تيفولي هازئة بمشاعر المسلمين وسط صمت اسلامي طويل ومطبق. الحملة على الاسلام في الدانمارك وصلت مستوى غير مسبوق في العالم بدخول الملكة الدانماركية على الخط, مما قد يفسر التعاطف الشعبي المحموم مع الموقف الخاطئ واللامسؤول للصحيفة الدانماركية المذكورة. فيما يلي مقالا نشرته في مطلع شهر ابريل من العام الماضي حول الملكة وكتابها, استدعيته من الارشيف للتذكير والاستدلال من ان موقف الصحيفة الدانماركية ليس معزولا عن سياق عام تستغرقة سادية فكرية متطرفة في التعامل مع الاسلام والمسلمين. انضمت ملكة الدانمارك مارغريت الثانية إلى المجموعات المتكاثرة كالفطر، والتي تهاجم الإسلام وتنتقص من المسلمين، ولما لا وقد غدا المسلمون كالأيتام على موائد اللئام، وفي الوقت الذي تحمي القوانين العالمية والمحلية غيرهم تحت مسميات مكافحة المعاداة للسامية، فإن مهاجمة الإسلام تندرج إما تحت شعارات حرية الفكر وإما في إطار هستيريا ما يسمى بالحرب على الإرهاب. فقد نشرت الملكة مؤخرا كتاب مذكرات حمل اسم "مارغريت" وكتبته الصحافية انيليس بيستروب قالت فيه إنه من الضروري "أخذ التحدي الذي يشكله الإسلام على محمل الجد، على الصعيد المحلي (في الدانمارك) والعالمي". وحذرت في الكتاب الذي من أنه "تحد نحن مرغمون على أخذه على محمل الجد، لقد تركنا هذه المسألة قائمة لفترة طويلة جدا لأننا متسامحون ويسيطر علينا الخمول". وتابعت: "يجب التصدي للإسلام ويجب من حين لآخر أن نواجه مخاطر أن نوصف بأننا أقل مجاملة، لأن هناك بعض الأمور التي لا يمكن التسامح حيالها". وقالت الملكة التي تعتلي العرش منذ 1972: "وحين نكون متسامحين، يجب أن نعرف ما إذا كان ذلك عن قناعة أو عن راحة". لقد أصبح الإسلام الشغل الشاغل للعالم الغربي بسياسييه وإعلامييه وأجهزته الاستخباراتية ومراكز المعلومات فيه. وإذا كان الهجوم المتواصل على الإسلام يدل على حيوية هذا الدين والخوف منه كبديل حضاري مرشح لاكتساح العالم سلما بوحدانيته الرائعة وأخلاقياته السامية وتوازنه الخلاب بين دواعي المادة وأشواق الروح، فإن أزمة القيم والفراغ الروحي تعصف في الغرب، والذي تشهد مجتمعاته حركة شعبية واسعة وعريضة آخذة في الازدياد تندد بالعولمة الموغلة في التوحش وباحتكار قلة من الأفراد والشركات العابرة للقارات النفوذ والثروات. وعلى الرغم من التهجم الإعلامي الذي لا يهدأ ولا يفتر على الإسلام وقيمه وأهله، فإن معتنقي الإسلام والداخلين في دين الله في الغرب تزداد عددا وتضم عناصر من النخبة ثقافة ومراكز اجتماعية. التفوق المادي والعسكري الغربي والذي تقوده الولايات المتحدة أساسا يترافق مع إفلاس أخلاقي وقيمي كبير جدا يتجسد في المسافة الشاسعة بين المعلن والمطبق. ففي الوقت الذي تبتز الإدارة الأمريكية بعض دول العالم "الثالث" فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات العامة تمارس هي أبشع أنواع الانتهاكات والتجاوزات، كما جرى ويجري في معكسرات غوانتنامو وابوغريب وبوكا وتلعفر والنجف ومدينة الصدر والفلوجة وسامراء وغيرهم كثير. يشكل المسلمون هذه الأيام السواد الأعظم من ضحايا الحروب والاحتلالات والانتهاكات في أرجاء المعمورة: فلسطين، العراق، كشمير، أفغانستان، السودان، بورما ...إلى آخر القائمة، والتي تزداد مع مرور الأيام والأعوام. وقد أخذت كثيرا من تلك الحملات بعدا قانونيا مشرعاً تحت مسمى الحرب على الإرهاب في مرحلة ما بعد أحداث سبتمبر 2001، على الرغم من أن متابعة سريعة للأحداث تظهر جليا أن المناطق الأكثر تضررا وتأثرا هي بلاد المسلمين فيما غالبية ضحايا "الإرهاب" من المسلمين. الحملة الشرسة، والتي تتواصل حروبا وحصارا وقرارات دولية، تستهدف الكثير من بلاد المسلمين ومقدراتها تتوازى مع محاولات محمومة لإعادة تشكيل العقل العربي والمسلم وإعادة صياغة مفاهيمه تحت مسميات إصلاح المناهج وغيرها. ومن ثم تتواصل التحذيرات من التطرف الإسلامي ومن الإسلام المتشدد والذي في جوهرها لا تفرق في كثير من الأحايين بين مسلم معتدل أو متشدد، مع الإشارة إلى أن الذي يحدد معايير التشدد ويفرق بين الاعتدال والتطرف هم من غير المسلمين على الأرجح مثل جورج بوش والذي يشيد بالإسلام المعتدل فيما يعلن الحروب الضروس والتي وصفها بالحرب الصليبية على شعوب مسلمة تحت يافطة الحرب على الإرهاب. وكأن المطلوب من المسلمين أن يتلقوا الضربات والهجمات دون أن يشتكوا ولو لفظيا أو حتى يتأوهوا من شدة الألم. إن المسلمين اليوم هم ضحايا إرهاب عالمي مزدوج، إرهاب عسكري لا يرحم وإرهاب فكري إعلامي يحاصر الضحية بتهمة الإرهاب وينزع صفة الشرعية عن حقها الفطري والقانوني في الدفاع عن نفسها وممتلكاتها وأراضيها.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |