|
ثورة القيم، وقيم الثورة بقلم: د . وليد سعيد البياتي المملكة المتحدة - لندن جاءت الرسالات السماوية لتعيد تشكيل العلاقة بين الانسان والوجود عبر اعادة ترتيب ابجديات القيم التي بنيت عليها علاقات تبنت في الاصل قيما تتصف بالجمود نأت بالانسان عن مجالات التحرك باتجاه المستقبل، اذ ان الرسالات السماوية شكلت ثورة قيمية عندما طرحت مشروع مساهمة الانسان في صناعة التاريخ، ومن هنا كان دور الانبياء والرسل، ثم الاوصياء والائمة في قيادة حركة المجتمع لتحقيق المثل العليا التي جاءت بها الرسالات السماوية، والتي انهت تسلسلها بالرسالة الخاتم باعتبارها منهجا استوعب كل مفاهيم الحركة الرسالية عبر التاريخ محتكما الى شرعيتها الالهية. ولما كانت الرسالة الاسلامية تمثل الفهم المطلق للقيم الرسالية باعتبار خاتميتها والتي سعت دوما الى تحقيق قيم الخلافة الالهية على الارض، غير ان انحطاط الوعي الاجتماعي شل المنهج التطبيقي للرسالة، فالعقيد الاسلامية ليست مجرد نظرية تقرأ، او فلسفة طوباوية تتجرد عن الحاجة الاجتماعية، بل انها أتت وهي تحمل في اصل نسيجها عملية التطبيق والتغيير بما يتناسب وحاجة المجتمعات عبر مرتكزات الشريعة لتصبح بذلك ثورة على القيم الفاسدة. من هنا يمكن إدراك المفاهيم القيمية لثورة الامام الحسين عليه السلام، والتي يمكن اعتبارها حقا ثورة لاعادة صياغة العلاقة بين الانسان والوجود، بإعتبار الجانب الشرعي الذي يمثله الامام الحسين والذي يكتسب شرعيته من النص الالهي قبال يزيد الذي فرضت شرعيته عبر اختزال الوعي الجمعي في ظل اضطهاد السلطة للكيان الاجتماعي، فالامام الحسين عليه السلام برهن عمليا على شرعيته في رفضه الصريح لحكم يزيد بن معاوية عبر طرحه قيما ومفاهيم رسالية تم تطبيقها في حركته الثورية الاجتماعية تمثلت في: اولا: إعلان معارضته الصريحة ليزيد عبر مقاومته لعصبة الخلافة في المدينة مرتكزا على الشرعية الالهية بأعتباره إماما منصوصا عليه، وباعتبار النصوص الثابته والصريحة الواردة في الوثيقة التاريخية التي باتت تعرف "بصلح الحسن". ثانيا: تحركه العلني من المدينة الى مكة والتزامة الطريق الاعظم، والذي لم يتنكبه (ينحرف عنه خشية الامساك به) كما فعل عبد الله ابن الزبير، مؤكدا شرعية ثورته. ثالثا: دخوله مكة والتزامه البيت الحرام، داعيا الامة اليه للقيام بوجة الطاغية في ثورة تصحيحية غاياتها العودة بالفكر الاسلامي عقيدة وتطبيقا الى ما كان عليه في عهد جده الرسول الخاتم. رابعا: تاكيد وثاقة المشابهة بينه وبين نبي الله يحيى بن زكريا، فقد اعتاد الامام في حركتة الى توثيق هذا الترابط وهو يضرب بيحيى مثلا لنفسه، فكلاهما أنكر طاغوت عصره، وكلاهما قتل وحمل رأسه الى الطاغية، وهذه ليست مقاربة تماثلية بقدر ماهي حقيقة تاريخية اكتسبت اصالتها من القيم العليا التي تمثل كل منهما بها، ودعا اليها حد الاستشهاد. خامسا: مكث الامام الحسين عليه السلام في مكة اربعة اشهر بما فيها اشهر الحج، وقد اجتمع اليه المعتمرون ثم الحجيج ليسمعوا منه ما لم يسمع من غيرة وهو يفصل له احكام الشريعة عن جده الرسول الاعظم صلوات الله عليه وأله وسلم، وعن ابيه الامام علي عليه السلام ويحذرهم في الوقت نفسة من معصية الله عزوجل، كاشفا خطر خلافة يزيد على العقيدة، وانحرافها عن مصادر الشريعة بتبنيها لمواقف الاهواء، ليغادر مكة يوم التروية حالا احرامه مغادرا الحرم مصرحا: "اخشى ان تغتالني عصبة الخلافة لاني لم ابايع فتهتك بي حرمة الحرم ولان اقتل خارجا منه بشبر أحب الي من ان اقتل داخلا بشبر". ليعود الحجيج بعد ذلك ناقلا أخبار ثورته المباركة الى مبلغ الخف والحافر ليسمع الناس في بقاع الارض بمنهج ثورته ملقيا بذلك الحجة على الخلق داعيا الامة الى تحقيق ذاتها التي اباحها الشارع لها عبر حركة التصحيح التي ارادها الامام الحسين . لاشك ان القيمة الفعلية لثورة ابي عبد الله الحسين عليه السلام تتمثل في ذلك الاخلاص العميق لاصالة الرساله، وللقيم الاخلاقية وللمثل العليا التي دعت اليها الشريعة، فحتى والامام الحسين في احرج لحظات حركته المباركة لم يتخل عن المفاهيم الرسالية، والخلق النبيل الذي يظهر في مشاركته الماء لجيش السلطة بقيادة الحر الرياحي قبل انتقال الاخير الى مسار الحسين عليه السلام، وفي عدم رغبته ببدء الحرب قبل ان يبدأها الطرف الاخر اتماما للحجة، واستمرارا في عملية التبليغ الرسالي عبر الخطب المستمرة له، ولصحابته الكرام، من هنا تتجلى قيمة ثورة الامام الحسين عليه السلام، ليس فقط باعتبارها انتصارا للشريعة على المسار المنحرف، وليس بكونها مدرسة اعادت ترتيب الفهم الانساني لعلاقة الانسان بالوجود من منطلق ايماني، ولكن بكونها وضعت الانسان امام اكتشاف قدراته على القيام بعملية التغيير في ايقاعات ظروف يحسبها البعض غير صالحة او مستحيلة. تمكن الامام الحسين من تعليم الانسان اعادة اكتشاف ذاته، وتطوير مدركاته بكل مايتعلق بمفهوم استمراره الحضاري لتحقيق المثل العليا، مؤكدا بذلك على اهمية الانسان كصانع للتاريخ، وليس كحالة خارجية تتكيء على التاريخ في تحركها من دون ان تتمثل العلاقة بين الفرد والعقيدة من جهة وبينه والقيم العليا من جهة اخرى. الرأي الآخر للدراسات - لندن
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |