ضحايا ( البطولة ) الفلسطينية دائما عراقيين

 

وداد فاخر* / النمسا

الأعراب الذين هم ( أشد كفرا ونفاقا ) لا يظهرون بطولتهم دائما إلا على العراقيين بحجة مقاومة الاحتلال ، ولا تقام أعراسهم وخاصة الفلسطينيين منهم إلا على أجداث الشهداء العراقيين من بسطاء الناس وخيرتهم من شيعة علي المرتضى . ألا تبا وسحقا لعروبة قذرة وحقيرة مثل عروبتكم ، أما الدين الإسلامي فهو براء منكم.

القراء الأعزاء هذا تحقيق صحفي جرى من قبل صحفي محترف معروف ، وصحيفة لها سمعتها العربية والدولية أدعوكم لقراءة التحقيق لتحكموا بأنفسكم .

وداد فاخر / البريء من العرب والعروبة

غرباء يأتون في «موسم القاعدة» لتجنيد انتحاريين للعراق (1 من2)

... ثقافة «المهاجر الجهادية» تغزو مخيم عين الحلوة... والزرقاوي يسجل اختراقاً في لبنان

مخيم عين الحلوة (جنوب لبنان) - حازم الأمين الحياة - 26/01/06

قبل نحو اسبوعين أعلنت السلطات اللبنانية كشف شبكة إرهابية في لبنان قالت مصادر صحافية في حينه انها تنتمي الى تنظيم القاعدة، فيما رجحت الأجهزة الأمنية اللبنانية ان يكون عناصر هذه الشبكة قدموا من سورية. وأعضاء هذه الشبكة من جنسيات سورية ولبنانية وأردنية وسعودية. طرحت هذه القضية مسألة وجود شبكات لتنظيم القاعدة في لبنان. «الحياة» اجرت تحقيقاً من حلقتين حول الجماعات الأصولية التكفيرية في لبنان ومدى ارتباطها بتنظيم القاعدة.
ويبدو ان قضية الذهاب الى العراق هي واحدة من القضايا التي تلقي أضواء فعلية على هذه المسألة، اذ شهد لبنان على نحو واسع ظاهرة «الخروج» الى العراق. وقتل عشرات من هؤلاء الشباب في المناطق العراقية المختلفة. تنظيم «عصبة الأنصار» المتمركز في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين. وهنا الحلقة الأولى من هذا التحقيق:
 كان مقر حركة «فتح» المحاذي لمستشفى القدس في مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان يعج بأعضاء اللجان الشعبية في المخيم، وكانت الهواتف الخليوية لهؤلاء، لا تتوقف عن الرنين في ذلك اليوم الماطر من الشهر الجاري. القضية كانت تعرّض ابنة غاندي السحمراني الى تحرشات اثناء مرورها في منطقة التعمير التحتاني التي تفصل المخيم عن السكن اللبناني، والتي يختلط فيها السكن اللبناني بالفلسطيني، وهي ايضاً المنطقة التي تفصل نفوذ المنظمات الفلسطينية عن نفوذ الجيش اللبناني الموجود على مداخل المخيم. ومنطقة التعمير التحتاني التي يتقاطع فيها النفوذان الأمنيان، اللبناني والفلسطيني، تمتد مسافة تبلغ نحو 400 متر، تتكاثف فيها المباني والمنازل والمحال التجارية. ويطل من مداخل صغيرة تفضي الى أزقة وردهات، شبان مسلحون على نحو حذر وقلق.
ولكن ان تستنفر اللجان الشعبية إثر حادث عادي لطالما شهدته تلك المناطق، ففي الأمر ما يستدعي التساؤل! والجواب ان غاندي السحمراني، اي والد الفتاة هو أحد أعضاء تنظيم «جند الشام»، وهو من اللبنانيين الذين فروا من مدينة طرابلس ولجأوا الى المخيم بعد أحداث منطقة الضنية في شمال لبنان عام 2000. والتنظيم انشق عن «عصبة الأنصار» التي يترأسها المحكوم بالإعدام غيابياً احمد عبدالكريم السعدي، وهو يتشكل من مجموعة صغيرة معظم أفرادها من اللبنانيين المنشقين عن «العصبة» احتجاجاً على تسليمها المدعو بديع حمادة الى الجيش اللبناني بعدما قتل ثلاثة من جنوده.
أما إقامة السحمراني في منطقة التعمير التحتاني وهي المنطقة الضائعة النفوذ أو المنعدمته، فتعود الى رغبة أمنية فلسطينية ولبنانية في عدم التخلص من هذه الجماعة، وفي عدم إيوائها في آن. فالسحمراني ومعه بقية مطلوبي الضنية من اللبنانيين، ومعه ايضاً عدد من الفلسطينيين، كانوا يقيمون في الأحياء الداخلية للمخيم، الى ان راحت الوقائع تزجر بهم الى حدوده الخارجية. ومنطقة التعمير التحتاني عامرة بالوقائع والمفارقات الناجمة عن انعدام السلطة وضياعها. فالمخيم الفلسطيني الذي لم يعد يحتمل الشبهات، قذف بكثيرين من مسببيها الى هذه المنطقة والى جوارها. والجيش اللبناني أفسح في المجال لنشوء منطقة عازلة بينه وبين المخيم من الجهة الغربية، علماً ان التعمير التحتاني هو امتداد لأحياء الزيب وبستان اليهودي والصفصاف التي تسيطر عليها «عصبة الأنصار». والى منطقة التعمير تصل أصوات مآذن مساجد «العصبة» في المخيم زافة «الشهداء» من أبناء المخيم الذين يسقطون في العراق.
ويبدو ان المخيم لفظ الى ضفافه الكثير من الأخلاط التي تجمعت فيه، فهذا حي السكة او ما يسمى «بستان اليهودي» الواقع في الجهة الغربية من المخيم، وله اسم شعبي ثالث هو «منطقة التناكيات»، في إشارة الى منازله المبنية من «التنك»، اي بقايا المعادن الرخيصة. ويتشكل سكانه من أخلاط لبنانية وفلسطينية وسورية وعراقية وكردية، وينشط فيه تنظيم «جند الشام» كواحد من تجليات انعدام التجانس. هذا الحي يشبه من الناحية الأمنية والاجتماعية حي التعمير، وهو يجاوره ويحاذيه أصلاً، ويقيم فيه عدد من المطلوبين الذين تقول اللجان الشعبية انهم خارج المخيم ولا سلطة لها في المنطقة التي يقيمون فيها لتسليمهم الى الجيش اللبناني، في حين ينكفئ الأخير الى نقطة في آخر الحي، مما يتيح لهؤلاء الإقامة والتنقل في هذه المسافة الضيقة.
إنها واحات النشاطات الملتبسة وغير الملتزمة بالقانون. فيها تُصِّرف الأجهزة الأمنية المختلفة، والجماعات الأهلية حاجاتها غير الشرعية، وفيها أيضاً تنكشف بعضها على بعض، وتتبادل الخدمات والضربات. حين ينفي المخيم عن نفسه تهمة إيوائه مطلوبين وتحوّله بؤرة أمنية، يقول ان هؤلاء موجودون في منطقة التعمير التحتاني او في «التناكيات». وعندما تُسأل الأجهزة اللبنانية عن هؤلاء تقول انهم في المخيم. وحين تطلب الفصائل الفلسطينية من «عصبة الأنصار» عدم استقبال أحد المطلوبين او تسليم آخر، ترسل الأخيرة هؤلاء الى تلك المناطق. ويبدو ان ثمة وظائف أخرى أضحت مرتبطة بمناطق انعدام النفوذ حول مخيم عين الحلوة. فأولئك الغرباء الذين يصلون في مواسم محددة الى المخيم، لاصطحاب متطوعين الى العراق بعيداً من أعين التنظيمات الفلسطينية، صاروا بحسب مصدر أمني فلسطيني، يصلون الى هذه الجزر على ضفاف المخيم، ومنها يشرعون في بحثهم واتصالاتهم. وفي حين يقول المصدر الفلسطيني انهم يختارون هذه المناطق لتفادي الخضوع للرقابة، يشعر زائر حي التعمير التحتاني انه تحت رقابة مضاعفة العيون، مما يدفع الى الاعتقاد بأن التورط في هذه المسألة لا يقتصر على التنظيمات الأصولية الصغيرة المنتشرة في المخيم.
ولكن من هم هؤلاء الغرباء الذين تحدث عنهم اكثر من مسؤول في المخيم من دون أن يحددهم؟ قال الجميع ان تحديد هويتهم مسألة مستحيلة، مشيرين الى إمكانات مالية كبيرة يتمتعون بها والى حمايات غير منظورة تؤمن لهم الدخول والخروج من معابر الحدود. مصدر رسمي لبناني قال لـ «الحياة» ان الشبكة التيأ القبض على أفرادها قبل نحو اسبوعين في بيروت وتضم ستة سوريين وثلاثة فلسطينيين وأردنياً ولبنانياً، كان من احدى مهماتها توفير متطوعين من لبنان الى العراق. ولفت الى ان كل الوثائق التي ضبطت في حوزة هؤلاء مزورة، وانهم استأجروا أربعة منازل في بيروت راحوا يتحركون بينها، مما يشير الى قدرات مادية ولوجستية كبيرة. وأشار المصدر الى ان هؤلاء جاؤوا الى لبنان من طريق سورية، ومن المرجح ان يكونوا أعضاء في تنظيم ابي مصعب الزرقاوي. وأعلن ان كشف الشبكة جاء من خلال القبض على المتهم اللبناني حسن عبدالله حلاق في مدينة صيدا المحاذية لمخيم عين الحلوة.
ما كشفه المصدر اللبناني يلقي بعض الأضواء على ظاهرة الزوار الغرباء لمخيم عين الحلوة. وكشف اسم الحلاق، وهو نجل رجل دين صيداوي، يلقي أضواء أخرى. فالمخيم ليس وحده من يرسل أبناءه الى العراق، بل ثمة منطقة يتقاطع فيها اللبناني بالفلسطيني ويذوبان في هويات أوسع، تشكل التنظيمات الإسلامية من الطرفين قنواتها. هذا ما يفسر ورود اسماء لبنانية بين المُرسلين الى العراق من أبناء العائلات الصيداوية، مثل القبلاوي والكردي والعارفي والحلاق، ومن بين هؤلاء أبناء رجال دين ترجح المصادر ان يكونوا ذهبوا الى العراق من دون علم آبائهم.
يجزم مسؤولو التنظيمات العسكرية في مخيم عين الحلوة أن لا اثر لتنظيم «القاعدة» ولأصوله وفروعه في المخيم. والذهاب لـ «الجهاد» في العراق، وإن كان ناشطاً، لا يشكل كما يؤكدون دليلاً على وجود «القاعدة» في المخيم. عشرات من أبناء المخيم من المنتمين الى «عصبة الأنصار» والى تنظيمات أخرى ذهبوا الى العراق. كثيرون منهم نفذوا عمليات انتحارية ونعتهم «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين» على مواقعها على الانترنت، وفي المخيم تولى مسجد الطوارئ التابع لـ «عصبة الأنصار» اذاعة خبر «استشهادهم» في العراق، من دون ان تتولى العصبة التي ينتمي إليها معظمهم تبنيهم كعناصر منها. خرج على هذه القاعدة استثناء واحد، إذ عندما وصل خبر مقتل صالح الشايب، وهو فلسطيني من أبناء المخيم، سارعت العصبة الى تأكيد انتمائه اليها، لكنها تراجعت لاحقاً وسحبت بيان تبنيه، وقيل ان التراجع تلى ضغوطاً مارستها القوى الفلسطينية التي لا ترغب في إعلان وجود طرف يرسل ناشطيه من المخيم الى العراق.
تضاعفت كثافة الشعارات والصور المنتشرة والملصقة على الجدران والمباني في المخيم. ثمة تجاور مخيف للشعارات المرفوعة. صور ياسر عرفات صارت صوراً لرئيس ميتٍ. ثمة أمر في هذه الصور يشعرك بهذه الحقيقة. أما اللافتات فاشتعلت بالقضايا التي تشغل المخيم، من دعم المقاومة في لبنان والعراق الى إدانة الاحتلال الإسرائيلي. وفيما اللافتات على هذا النحو بدا ان كثيراً منها لم يعد يقتصر على الكلمات وإنما أضيفت إليه صور ورسوم، وكأن ماكينة التعبير والشعارات في المخيم اضخم من ماكينات العيش الأخرى. فالمدارس على حالها منذ سنوات وكذلك المتاجر، اما الطرق فقد زادت بؤساً وضيقاً، وكذلك المنازل التي ازداد عدد سكانها، ومن غير الممكن زيادة عدد غرفها.
أسماء كثيرة أذاعتها مساجد «العصبة» وغيرها لشبان قضوا في العراق كان آخرهم احمد محمود الكردي، وهو لبناني أصلاً ينتمي الى «عصبة الأنصار»، ومن بينهم ايضاً من العصبة عماد الحايك ونضال حسن المصطفى (شقيق أبو عبيدة الناطق باسم العصبة) وصالح الشايب وعمر ديب السعيد وأحمد ياسين، وثمة شابان آخران ينتميان الى تنظيم «أنصار الله» القريب من «حزب الله» اللبناني، ويتزعمه المنشق عن حركة «فتح» جمال سليمان، وهما نجله حسن ومحمد عبدالله زيدان. ويؤكد مسؤول في التنظيم ان الشابين ذهبا الى العراق من دون علم «أنصار الله»، وكذلك حال الشابين أحمد الفران، وهو لبناني كان قريباً من حركة «حماس»، وإبراهيم الخليل الذي ينتمي الى «جبهة التحرير العربية» الموالية للنظام العراقي السابق.
الطريق من المخيم الى العراق نشط وزاخر بالوقائع التي يرويها ابناء المخيم وإن بصوت خافت. فإلى هؤلاء الذين قتلوا هناك ونعاهم تنظيم الزرقاوي ببيانات تضمنت ظروف «استشهادهم» التي لا تمت الى واقعهم في المخيم بصلات وأسماء متينة، ثمة اسماء أخرى لشبان ذهبوا الى العراق ولم يعودوا بعد، من بينهم سبعة عناصر من «عصبة الأنصار»، ويتصل معظم هؤلاء بأهلهم على نحو دوري، ولهذه الاتصالات وظائف كثيرة بينها «ربط الأهل بقضية الجهاد» كما قال مقرب من العصبة، وكذلك تحديد المصائر. فقد سبق مثلاً ان أعلن عن «استشهاد» الشاب شحادة شحادة توفيق جوهر في العراق، ولكن «تم الاتصال به وأُكّد عدم صحة الخبر». وقال قريب لأحد هؤلاء المتصلين من بغداد ان الأهالي يشعرون عندما يتصل بهم أبناؤهم من العراق بأن تغييراً أو تحولاً أصاب أبناءهم هناك، فتدخل في لهجاتهم عبارات «الجهاد» القاعدية. -->
ويبدو ان المخيم يعيد إنتاج اللهجات الجديدة لمقاتليه وانتحارييه في العراق، فيُدخل الكثير منها الى قاموسه الشفهي والكتابي. ويتسرب المعجم «القاعدي» الى اللافتات والصور المزدحمة في أنحائه. وهكذا يمكنك ان تقرأ عبارة «بلاد الشام» او «ارض الرافدين» في اللافتات المعلقة في أنحائه، او ان تسمع شيخاً يعطي درساً في مسجد عن مسألة «الولاء والبراء».
أمر آخر لا بد من رصده في هذا السياق، هو ان الذاهبين الى العراق من المخيم يخلفون وراءهم ثقافة كلامية و «شعاراتية» مرتبطة بما يمكن ان نسميه «مجتمع الثورة الفلسطينية» حيث للكلام مفاتيحه المحددة، وكذلك التخاطب وربما التزاوج والتراحم. لكنهم يعيدون صوغ هذه الثقافة وفق ما كسبوه في مجتمعات «الجهاد» و «الهجرة». فما حصل في السنوات القليلة الماضية هو دخول عناصر جديدة الى تشكيلة الرموز الاجتماعية. صار للشيوخ دور اكبر في تحديد اتجاهات السلوك اليومي. مثلاً عبارة «الشهيد» كانت سائدة ورائجة في المخيم، اما اليوم فمن الممكن ملاحظة تغير في العبارة في بعض مناطق المخيم، فصارت «الشهيد إن شاء الله». المواقع الإلكترونية التابعة لتنظيم «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين» التي تبث بيانات تنعى مَن تسميهم «أُسود الشام في بلاد الرافدين» تساهم الى حدٍ كبير في تعديل منظومة الرموز اليومية في عين الحلوة. فيظهر بيان نعي عماد الحايك مثلاً على هذا النحو: «الشهيد عماد الحايك (أبو بكر). من بلاد الشام مخيم عين الحلوة. استشهد في عملية على المرتدين في كربلاء. رحمك الله يا أبو بكر وأسكنك فسيح جناته».
لا ينعى سكان المخيم شهداءهم عادة على هذا النحو، ولا يزعمون كجماعة الزرقاوي ان اهل كربلاء من «المرتدين»، لكنه «وعي» جديد بدأ يتسرب الى المخيم من العراق نواته الأولى عائلات «شهداء العراق»، ويملك مقومات التوسع. فلطالما ارتبطت مثلاً صورة المخيم بمشهد امرأة مفجوعة على ابنها الذي سقط في مواجهة ما مع الإسرائيليين. اما اليوم فيروي شاب فلسطيني زار عائلات قتل أبناؤها في العراق، ان ثمة من يطلب من العائلات عدم اظهار الحزن، ومن الأمهات ان «يشكرن الله على تحقيقه أمنيات أبنائهن بالشهادة». ومن أولى إشارات قدرة هذا «الوعي» الجديد على النفاذ عدم إخضاع «شهادة» هؤلاء الشبان في العراق الى اي مساءلة او تشكيك. انهم «شهداء» او هم «شهداء إن شاء الله». ولا تقتصر هذه القناعة على أهلهم، وإنما يتحدث بها الجميع. محمد خليفة من أبناء المخيم، نفذ عملية انتحارية في منطقة القائم، لا يكترث أحد في المخيم للذي استهدفته العملية، المهم انه سقط «شهيداً».
حين يتحدث سكان من المخيم عن الذاهبين منهم الى العراق يشيرون الى ان معظم هؤلاء من فقراء المخيم، علماً ان غير الفقراء فيه عددهم قليل جداً. بعضهم من باعة القهوة المتجولين، وآخرون يملكون زوايا صغيرة يبيعون فيها الفول. فنضال حسن المصطفى، وهو من فوج «الشهداء» الأخير في العراق، من أبناء المخيم، كان يعمل بائعاً للفلافل في منطقة التعمير التحتاني، في ذلك الحزام الرقيق والغامض الذي يفصل المخيم عن نقطة الجيش اللبناني. نضال كان مطلوباً لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية، وعلى رغم ذلك تمكن من «التسرب» الى العراق. ويؤكد جاره انه باع متجره الصغير ليتمكن من توفير كلفة الرحلة، علماً ان الشاب عضو في جماعة «عصبة الأنصار».
ثمة ما تمكن ملاحظته في سياق الكلام على ظروف الناشطين الأصوليين في مخيم عين الحلوة. فأعضاء تلك التنظيمات الصغيرة، التي يجهل كثيرون من السكان قدراتها ومدى انتشارها، نظراً الى طبيعة نشاطاتها «السرية»، مختلفون عن الناشطين في التنظيمات الفلسطينية التقليدية. فالانتماء الى حركة «فتح» مثلاً هو مهنة في حد ذاتها. الناشط في «فتح» يكون هذا عمله تقريباً، او انه يربط عمله بصفته هذه، فيتردد في أوقات كثيرة الى مراكز «فتح»، ويقول انه يعمل في «الثورة»، وغالباً ما يصحو متأخراً. اما الناشط العادي في «عصبة الأنصار» فغالباً ما يكون بائع قهوة متجولاً، او صاحب دكان صغير مثابراً على دكانه. ويرجح كثيرون من أبناء عين الحلوة ان لهذه المهن المتواضعة أهدافاً تتعدى تأمين لقمة العيش. ويشيرون أيضاً الى دائرة تعامل داخلية مقفلة، فالتاجر منهم مثلاً يعتمد على زبائن من بينهم بالدرجة الأولى، ويعمل لديه «أخ» في الجماعة، وكذلك الحرفي وبائع الفلافل والفول، مع الإشارة الى تمتع هؤلاء الأصوليين بسمعة جيدة في مهنهم وعلاقاتهم. أسامة الشهابي مثلاً، كان عضواً مؤسساً في تنظيم «جند الشام» وانشق عنه وفتح محلاً لبيع الفول. علماً ان الشهابي ورد اسمه في لائحة اتهام أصدرتها محكمة أردنية أفادت أنه ضمن شبكة كانت تخطط لاستهداف مصالح أميركية في الأردن، وانه شكل مع مجموعة من الأردنيين جماعة إرهابية أطلقت على نفسها اسم «سرايا خطاب».
لا يقوى كثيرون من سكان مخيم عين الحلوة على تقدير حجم انتشار جماعة «عصبة الأنصار» في المخيم، خلافاً لقدرتهم الدقيقة على تحديد حجم انتشار القوى الأخرى. ففي النهار يتحول ناشطو «العصبة» سكاناً عاديين من الممكن تمييز بعضهم من اللحية او اللباس الشرعي. ولكن في الليل، في الأوقات التي تستنفر فيها «العصبة» في حي الطوارئ والأحياء المحاذية له، يظهر عدد مسلحيها الملثمين اكبر بكثير من العدد المتوقع. ويقول أحد ابناء المخيم ان تقدير أعدادهم من خلال اللحى والملابس غير مجدٍ، فأعداد هؤلاء لا تتعدى عشرات، لكنهم في الليل مئات من الملثمين.
ما زال قائد «العصبة» احمد عبدالكريم السعدي «أبو محجن» متوارياً. الحسم بوجوده في المخيم تضعضع، فمن كانوا يقولون انهم صادفوه ليلاً يعبر الى منزل أو مسجد لم يروه منذ سنوات. مسؤول في المخيم أكد انه ما زال موجوداً، لكنه ضاعف تخفيه. آخرون قالوا انه ذهب بدوره الى العراق، مشيرين الى سهولة هذا الاحتمال نظراً الى السهولة التي ذهب بها عشرات من المطلوبين الأعضاء في العصبة الى العراق، متخطين حواجز الجيش اللبناني عند حدود المخيم ومعظم الحدود الأخرى.
أما اليوم فلـ «العصبة» قيادة ثلاثية علنية هي أبو شريف (وفيق عقل) وأبو عبيدة وأبو طارق (شقيق أبو محجن). ولها ممثل في اللجنة الأمنية في المخيم، اي تلك المنبثقة عن لقاء القوى والفصائل الفلسطينية.
ويرى أحد أعضاء اللجنة ان دخول «العصبة» اليها يشكل إنجازاً أمنياً كبيراً، إذ أخضعت هذه الجماعة في نهاية الأمر الى قرارات تلتقي حولها الفصائل الفلسطينية في المخيم، وتتولى هذه اللجنة التنسيق مع القوى الأمنية اللبنانية. وأدى هذا التنسيق وانخراط «العصبة» فيه ذات يوم الى تسليم بديع حمادة الذي التجأ اليها بعد ان قتل عناصر من الجيش اللبناني. وربما كان من نتائج تمثيل «العصبة» في اللجنة الأمنية عدم إقدامها على تبني «شهداء العراق» من عناصرها لعدم «إحراج» الفصائل الفلسطينية، في مقابل تبني المخيم كله هؤلاء «الشهداء». فنزع انتمائهم الى «العصبة» او اضماره يعيدهم «شهداء» أهلهم وأحيائهم الصغيرة في المخيم، ويضاعف القدرة على تسريب ثقافة أو أذواق أو لهجات «المهاجر الجهادية» الى مجتمعات النزوح الفلسطيني. فمتلقو هذه التسريبات في الحـــالة هذه، ليسوا جــماعة مقــفلة وانـــما اهـــل واقـــارب ومجتمع.
ليس تنظيم «جند الشام» اكثر من انشقاق صغير وهش عن «عصبة الأنصار». ربما كان اقل فلسطينية منها وأكثر راديكالية نظراً الى انعدام صلته الاجتماعية بالمخيم، اذ إن لـ «العصبة» ملامح محلية تتمثل في غلبة أهالي طيطبا والصفصاف وصفوري عليها. وهذه أسماء لأحياء في المخيم ولبلدات في الجليل الأعلى. في المقابل يبدو ان معظم الذاهبين الى العراق من عناصرها، لا ينتمي الى هذا المتن المحلي والجغرافي في المخيم. كثيرون منهم يعيشون في منطقة التعمير التحتاني، وآخرون انتقلوا من «العصبة» الى «جند الشام»، وبعض منهم لبناني الجنسية.
ربما كان لعدم الانسجام الاجتماعي على ضفاف المخيم، وفي تلك الرقعة الضيقة، وظيفة ما في قرار الذهاب الى العراق. لكن للانسجام الاجتماعي في عمق المخيم وفي متنه، وظيفة أخرى لا تقل حماسة لـ «عصبة الأنصار» وللعراق. انه ذلك الركود العصي على الاهتزاز. فالمخيم على حاله منذ عقود، ويشعر زائره المنقطع عنه منذ سنوات انه في عين الحلوة اكثر من اي وقت مضى. الأحياء والعشائر والقرى ما زالت في أماكنها لم تتزحزح، الوجوه هي نفسها مضاف اليها مزيد من الفقر والشيخوخة، وأعضاء اللجان الشعبية الذين يمثلون التنظيمات ما زالوا هم أنفسهم، ولم تقم أحزابهم بتبديلهم او ترقيتهم. «الأونروا» ما زالت تقدم الخدمات ذاتها بل تناقصت تقديماتها. ذلك الشاب الذي كان قبل سنوات فتى ناجحاً في مدرسته، جلس اليوم أمام دكان جاره منتظراً فرصة للهجرة الى كندا قد يبدلها لاحقاً بهجرة الى العراق.
ها هو المخيم اكثر من اي وقت مضى. تضاعف الشعارات لا يبدله وإنما يكثفه، وكذلك التقدم في الزمن والعمر. امر واحد فقط يمكن رصده في سياق رصد ما طرأ عليه، هو ذلك التسرب الهادئ والمتين لثقافة «المهاجر الجهادية».


عماد الحايك (الى اليمين) ومحمد خليفة من ابناء عين الحلوة وأفاد بيان لـ «القاعدة» انهما نفذا عمليتين انتحاريتين في كربلاء والقائم

احمد فران (من اعضاء حماس) من ابناء مخيم عين الحلوة الذين قتلوا في العراق ونعاهم تنظيم «القاعدة»
 

     *  كاتب عراقي / فيينا - النمسا

 العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com