|
الدور العراقي والاقليمي لكوردستان
د. جرجيس كوليزادة العراق / إقليم كوردستان / أربيل بعد الأحداث الدراماتيكية لفترة السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي في منطقة الشرق الاوسط، والانتهاء من نظام صدام في مطلع القرن الجديد، شهدت المنطقة وجود حيوي ومباشر لقوى دولية في المنطقة. وشهد العراق حضورا لقوات التحالف التي شاركت وساعدت العراقيين في تخلص العراق من نظام البعث الجائر. هذا الحضور سبب تغييرات هامة وأدى الى تغيير ومراجعة في أولويات اهتمامات السياسة الدولية في المنطقة، ومن هذه التغييرات تلاشي الأدوار الإقليمية على حساب الشعوب، والتوجه الدولي لتغيير المنطقة باتجاه المسار الديمقراطي لفتح الطريق أمام مشاركة فاعلة وحقيقية للشعوب في السلطة وإدارة الدولة، وفتح الطريق أمام الحركات السياسية الديمقراطية للمساهمة في صنع عملية التغيير السياسي في المنطقة ومساهمة الرأي العام في صنع القرار الوطني. ولا شك أن هذا التوجه الدولي الجديد جاء بعد أن لعب نظام صدام دورا مهما في تأدية ادوار إقليمية في المنطقة على حساب الشعب العراقي، فكانت الأدوار تارة تصب في اتجاه إشعال الحرب ضد الكوردستانيين لمصادرة حقوقهم القومية، وتارة في اتجاه محاربة الشيعة في الجنوب، وتارة في اتجاه إيران وتارة في اتجاه غزو الكويت وتارة في اتجاه الخليج، حتى أتت عليه عاصفة الصحراء فكانت الواقعة التي قصمت ظهر النظام والتي ترتبت عليها مغامرة احتلاله للكويت. والكل يدرك بعد فشل الغزو وإعادة الكويت الى أهلها، رافقت العاصفة انتفاضة جماهيرية في آذار 1991، أقدم عليها الشعب العراقي بكل قومياته وطوائفه، لكنها أخمدت في فترة وجيزة بالقمع والقوة بفعل حسابات إقليمية ودولية للإبقاء على النظام البائد. واستمر الحال حتى أتى على النظام عاصفة خاتمة الأدوار وحاسمة الحواسم في التاسع من أبريل عام 2003، كرد فعل لمسار الأحداث الدولية الذي فرض وجوده بعد الفاجعة التي تعرض لها الشعب الأمريكي في الاعتداء الإرهابي في الحادي عشر من أيلول على المركز التجاري في نيويورك، مما سببت مراجعة شاملة وجوهرية للسياسة الأمريكية والدولية في المنطقة لحماية ومراعاة المصالح الدولية الحيوية في الشرق الأوسط والعالم. فأسدل الستار على نظام الحكم البعث البائد في المنطقة الذي كاد في يوم من الأيام أن يبتلع الخليج بمياهه وأرضه. ونتيجة لهذه التحولات الهامة على الصعيد الدولي في المنطقة والاهتمام الجديد بها، برزت قوى سياسية مقتدرة على الصعيد العراقي و الاقليمي في المنطقة ساعدت على تبني سياسة واقعية متسمة بالعقلانية والايجابية لضمان استقرار وتأمين حياة ملتصق بالسلام و الأمان بعيدا عن الحرب والعنف والكراهية والعنصرية، من هذه القوى التي برزت على الساحة الدولية في المنطقة التحالف الكوردستاني والأحزاب السياسية العراقية المشاركة بحجم سياسي كبير في العملية الانتخابية والسياسية في العراق الفيدرالي الجديد والتي لعب كل منها دورا وطنيا فعالا لتخليص العراق من نظام دولة المنظمة السرية الذي عمل على قمع الشعوب العراقية بشدة و قساوة منقطعة النظير. توازيا مع رسوخ الواقع الجديد في العراق، وبعد تمكن القوى الدولية الكبرى من تثبيت وجودها بالفعل الميداني في بقاع مختلفة من المنطقة لاستتباب الأمن الدولي ومساعدتها الحيوية على تحرر الامة العراقية، برزت بوجه هذه القوى وبوجه العراقيين، قوى إرهابية متسمة بعنف دموي شديد عملت على جمع كل قواها لمحاربة الواقع العراقي الجديد بدعم من قوى اقليمية ودولية لمحاربة التوجه الديمقراطي الجديد في المنطقة. وضمن هذا السياق شهدت المنطقة ضمن مشهدها السياسي في المنطقة، تراجع لعبة الأدوار الإقليمية، كالنظام السابق الذي كان لاعبا بارزا ضمن دائرة الأدوار الإقليمية في الشرق الأوسط، ويذكر ان دور النظام البائد استحوذ على حصة الأسد في صنع الأحداث الهامة في المنطقة ضمن سيناريوهات هذه اللعبة، ومما لا ريب فيه ان بعض الأدوار كان أكبر مما مرسوم للنظام وهذا ما ساعد على إرباك الموقف عليه. و أثبتت الأحداث أن الدور الاقليمي الذي أوقع فيه النظام نفسه لم يكن فيه مصلحة للعراقيين بل كان دمارا ووبالا عليهم، وكان الدور سرابا على النظام وعلى طاغيته فلم يحسب له بجدية، فتمادى في خيالاته، فتخيل أنه قد أصبح قوة إقليمية لا يستغنى عنه وانه قد ضمن لنفسه موقعا ضمن الحسابات الدولية، ففعل ما فعل، ووقع فريسة لخيالاته الجنونية، والحق بالعراق ضررا جسيما ودمار كبيرا. ومما يؤسف له، يبدو ان انظمة الحكم السائدة في المنطقة لا تتعظ من التجارب والعبر التي عاصرتها والتي عايشتها بتماس مباشر او غير مباشر من واقع الحياة السياسية للمنطقة، والغريب ان هذه الانظمة لا تعبا بمصالح شعوبها ولا تعمل على حمايتها وحماية مصالحها الحيوية بل على العكس هي سائرة الى تدمير شعوبها وتخريب اقتصاد دولها، وهي سائرة في نفس الخيالات التي سار عليها نظام البعث البائد. وكما هو معروف للمطلعين والمحللين، فإن لعبة الأدوار الإقليمية مسألة سياسية معقدة لها قوانينها واليات عمل خاصة بها مرتبطة بمصالح الدول الكبرى التي تحتل مقاعد دائمة في مجلس الأمن الدولي، والتجارب أثبتت إن هذه الأدوار الإقليمية في المنطقة لم تسبب في يوم من الأيام رفاهية لشعوب الدول التي تبرعت أنظمتها أن تلعب دورا لها بحسابات غير عقلانية، بل على العكس دفعت بشعوبها الى أن تدفع ثمنا باهضا دون منطق ودون سبب مبرر. لهذا بعد حضور واقع جديد للمنطقة وانتهاء لعبة الأدوار الإقليمية، وبعد تخليص العراقيين من نظام البعث العدائي بفضل تعاون دولي برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، حل محل السلطة العراقية مجلس الحكم العراقي، ثم تلاه مجلس وطني عراقي من اغلب القوى السياسية العراقية مع حكومة وطنية كتجربة عراقية متميزة لإدارة الدولة العراقية، ثم تلاه انتخاب الجمعية الوطنية عن طريق الانتخابات ومن خلالها تشكلت حكومة وطنية وتم إعداد دستور دائم للدولة الفيدرالية الجديدة، فتلاه انتخاب مجلس نيابي جديد من التحالفات والائتلافات والقوى والأحزاب العراقية لادارة الحكم الوطني لأربع سنوات لاحقة. نتيجة لهذا التغيير في معطيات الساحة السياسية للمنطقة، برزت التجربة الجديدة المستندة إلى بناء عراق جديد توازيا مع النموذج الكوردستاني المترسخ منذ الانتفاضة في الاقليم، كتجربة اقليمية متميزة مستندة في بنائها على عوامل ومقومات وطنية نابعة من الداخل على أساس إرساء الحقوق السياسية والديمقراطية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للفرد والمجتمع. ونتيجة للنجاح غير المتوقع لهذا النموذج العراقي الجديد فإن المخاوف ساورت الآخرين بشأن التغييرات الايجابية الحاصلة في العراق وفي اقليم كوردستان، لأنها تغييرات اتسمت بانفتاحية متفاعلة مع متطلبات العصر والمرحلة التي يعيشها العراقييون والكوردستانيون، وهي مرحلة فعالة قادرة على تسيير الأمة العراقية بسلامة نحو أفاق رحبة من السلام والاستقرار والانفتاح الاقتصادي ضمن إطار حفظ كرامة الانسان لكل فرد في المجتمع. ويبدو ان الآثار والنتائج الايجابية التي تمخضت عن التجربة العراقية والنموذج الكوردستاني خلال فترة قصيرة بالرغم من الضغوطات الأمنية التي فرضت عليهما من قوى إرهابية وافدة من الخارج ومن أتباع النظام السابق، حققت تحولا جذريا في المشهد السياسي وتحسنا ملحوظا في المستوى الاقتصادي والمعيشي للمواطن العراقي. وبفضل هذا التحول الايجابي وبرغم وجود الصعاب الأمنية، أصبح كل من المجتمع الكوردستاني والمجتمع العراقي من المجتمعات المتميزة على صعيد المجتمعات الديمقراطية، حيث تمكن كل منهما من اختزال مسار طريق التحول الديمقراطي الى مرحلة قصيرة، مثمرة في تجربتها، ومؤثرة في نتائجها، وإيجابية في آثرها. هذا التميز في الانطلاقة الجديدة للعراق، وبالأخص اقليم كوردستان كمجتمع مقتدر نحو الأمام و اللحاق بركب التمدن جعل من النموذج العراقي والنموذج الكوردستاني بؤرة منظورة موضوعة تحت المجهر، محسوبة خطواتها من كل زاوية. ولهذا من خلال الرؤية الإقليمية الجديدة في المنطقة، برز دور كوردستان كدور مؤثر وفعال وحيوي على الساحة العراقية والاقليمية، من خلال خطوات حكيمة تميز بها القيادة السياسية للاقليم من خلال إبداء حرص كامل على ترسيخ المشاركة الفعالة للكوردستانين في ضمان عراق موحد مستقر، وبناء دولة فيدرالية تؤمن كافة الحقوق القومية والوطنية لكل القوميات العراقية، وضمان منهج ديمقراطي تعددي للشعب من خلال مؤسسات برلمانية مستندة شرعيتها من انتخابات شرعية ودستورية، وضمان دستور دائم يؤمن الاطار العام للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في الدولة العراقية الفيدرالية الجديدة. ونتيجة لهذه الرؤية المتسمة بالحكمة للكوردستانين، برز اقليم كوردستان كقوة مؤثرة وفاعلة على الساحة العراقية والاقليمية، وبرز الدور السياسي للقيادة الكوردستانية بشكل ايجابي بارز في العلمية السياسية العراقية التي تمخضت بفعل الولادات الانتخابية لانطلاقة المجلس النيابي الجديد والذي سبقته الجمعية الوطنية العراقية، وفي الاستحقاقات التي أفرزتها نتائج الأصوات الانتخابية لتشكيل الحكومة الموحدة. ونتيجة لهذا وللمواقف الوطنية للشعب الكوردستاني تجاه العراق الجديد، وإصراره على مشاركة العراقيين في السراء والضراء، للنهوض بالعراق من جديد وبنائه على أسس عراقية أصيلة نابعة من التعايش المشترك المبني على الاعتراف بالحقوق الكاملة للكوردستانين والعراقيين، فان الشعب الكوردستاني وقيادته السياسية انطلاقا من مسؤوليته التاريخية والانسانية والوطنية لعب دورا هاما في الحفاظ على العراق موحدا، وحماية العراقيين من حروب أهلية كارثية خططت لها قوى إرهابية خارجية وداخلية بدعم من منظمات إرهابية دولية ومخابرات اقليمية وعربية وأجنبية في المنطقة. وبفعل هذا الدور الحيوي للكوردستانين على الصعيدين العراقي والكوردستاني، النابع من الشعور العالي بالمسؤولية التاريخية، خرجت دولة العراق والمنطقة بكاملها من ويلات مأساة كبيرة كادت ان تقع في العراق بدوافع سياسية ومذهبية نابعة من عقول إرهابية متعفنة أرادت ان تعيد عجلة التاريخ في العراق وفي المنطقة الى الوراء بقرون عديدة. انطلاقا من هذا الدور الحيوي للكوردستانين، حظي الدور السياسي للكورد باحترام وتقدير اغلب القوى العراقية الوطنية والدولية، ونتيجة لهذا التقدير نال الموقف الكوردستاني ثقة العراقيين وقياداتهم السياسية وثقة الرؤساء والسياسيين وأصحاب صناعة القرار على الصعيد الاقليمي والدولي. ولهذا نجد أن البيت الكوردستاني خاصة بعد توحيدها من قبل الرئيسين جلال طالباني ومسعود بارزاني، أصبحت قبلة الفرج العراقي التي ستنسج منها خيمة التوافق السياسي التي ستشترك فيها جميع القوى العراقية التي حازت على ثقة الشعب في العملية الانتخابية الأخيرة. لهذا لا بد لنا أن نسجل بالتقدير العالي للموقف الكوردستاني الأصيل ولدوره الحيوي في العراق وفي المنطقة، دور حافظ فيه اقليم كوردستان على عهده ووفائه تجاه العراقيين بكل أمانة وثقة لكي تبقى دولة العراق الفيدرالي الجديدة نبراسا جديدا للحضارة التي انبثقت من أرض كوردستان ومن أرض العراق في فجر التاريخ لترسم للكوردستانين والعراقيين فجرا جديدا، وواقعا متميزا متسما بحياة حرة وكريمة، لكي ينعموا فيه بعهد الحب والحرية بكل سلام وأمان.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |